الجزائر حزباً مغربياً

في الأدبيات السياسية الجزائرية، يحيل مصطلح جماعة وجدة الى وضعية انقلابية، تحكمت في بناء النظام السياسي، الذي سارت عليه الدولة منذ الاستقلال، إذ تم الانقلاب على الشرعية التاريخية لقادة جبهة التحرير الوطني من "جيش الحدود"، أو الخارج الجزائري، بقيادة الراحل هواري بومدين. قضى مسار التاريخ الجزائري أن يُعمر هذا النظام، إلى أن يستهلك كل قادته، وإلى أن تتماهى نهايته مع الوضعية البدنية التي يوجد عليها ساكن قصر المرادية، ومع تهالك الوضعية السياسية في البلاد أيضاً.
ما يدفع إلى القول، إن الجزائر الحالية يُنتظر أن يسقطها الشعب الجزائري، لبناء نظامه وجزائره التي حلم بها قادة ثورته التاريخيون، جزائر تستعيد شرعيتها بإحلال سلطة الشعب محل التسلط. هذا لأن الدولة المسروقة بنيت على أسس واهية، منها كراهية المملكة المغربية، وهي كراهية لا مبرر لها، عدا حساسيات أهل الحكم. من الصعوبة، اليوم، أن يتخلص النظام الجزائري الحالي من كراهيته المغرب التي لازمت منشأه وشبابه وكهولته وشيخوخته.
في مقاربةٍ ميدانيةٍ، لفهم جماعة وجدة، كما عاشت في المغرب، يتضح أنها أصبحت جماعة مغربية، تقوم على قاعدة القادة والأتباع، ومندمجة ثقافياً، اجتماعياً واقتصادياً مع المغاربة، ومندمجة سياسياً إلى درجة المشاركة في احتفالات عيد العرش التي تتضمن بيعة السلطان، وبالشحنة الوطنية نفسها التي كان المغاربة يصدرون عنها، للتعبير عن تمسكهم بآخر الرموز التي بقيت خالصة لهم، حينما داس الاستعمار على كل شيء.
حدثني المقارم الجابري، المقيم في القنيطرة، وقد خالط عديدين من قادتهم وعامتهم، عن الأمل الكبير في التحرير، الذي كانت جزائر الداخل المغربي تعقده على السلطان محمد الخامس، أكثر مما تعقده على مجاهديها في جبال الأوراس، وغيرها. وحينما أقدم المستعمر على التنكيل بالعرش المغربي، كانت مأساة الجزائريين أعظم، لأنهم أدركوا مضمون الرسالة الاستعمارية الموجهة إليهم.
من هنا، نشأت فكرة الوحدة بين الشعبين لدى بعض القادة، ومبايعة محمد الخامس ملكاً على الجزائر والمغرب، ومن هنا، أيضاً، رفض الملك العائد إلى عرشه كل المساومات الفرنسية للتخلي عن دعم الثورة الجزائرية. وامتداداً لهذا الاندماج السياسي، أقبل جزائريو الداخل المغربي على النضال داخل حزب الاستقلال المغربي، ولعل بوتفليقة كان من الناشطين ضمن شبيبة الحزب في وجدة، على حد رواية، يمكن أن يؤكدها هذا الحزب وثائقياً.
مما يعزز التفكير في موضوع هذا الاندماج، الارتباط بين التيار اليساري المغربي المنشق عن حزب الاستقلال، وجماعة وجدة، خصوصاً حينما انقلبت على القادة التاريخيين، وسرقت الدولة. وحتى الأسلحة التي كانت تعبر إلى التراب الجزائري المستعمَر، من المغرب، كان مغامرو اليسار المغربي يرون لها استعمالاً مستقبلياً آخر، عدا تحرير البلاد. وليس مصادفة أن يلجأ خصوم الملكية إلى جزائر هواري بومدين، إيذاناً بسنوات الرصاص الداخلية والخارجية. وقد انتهت هذه الطروحات على عتبة المراجعات الفكرية، ولجان الإنصاف والمصالحة، والحكومة التوافقية.
عرف بوتفليقة كيف يستلهم سياسة الوئام المدني من منحى المغرب التصالحي مع اليسار، لكن، من دون أن يُشغل وئامه مغاربياً لتطبيع كل العلاقات، وتجاوز كل العقبات التي عرفت منشأها مع الانحراف السياسي لجماعة وجدة، حينما استتب لها أمر الدولة، ودُعي لها زوراً، على منابر جبهة التحرير.
تشتغل الجزائر، الآن، كحزب سياسي مغربي يساري، يكمل ما حلم به قادة اليسار المغربي، المنشق عن حزب محمد الخامس وعلال الفاسي. في حين ظل حزب مغربي، اسمه الجزائر، يواصل تجاهل التاريخ وكل سنن التطور. ولعل هذا الحزب لا يعدم في المغرب اليوم، على مستوى اليسار الراديكالي، من يحمد إنجازاته في مجال تضييق الخناق على المخزن المغربي، حيثما تحرك.
والمتتبع للصحافة الجزائرية سيلاحظ تأثير عقلية الحزب المغربي، فدولة بوتفليقة حينما تهاجم المغرب، فإنها توظف مصطلح المخزن، وتحمله كل المسؤولية، عن أي خيار لها تجاه المغرب.
إنها فعلاً دولة الحزب المغربي الذي انشق، بدوره، عن حزب الاستقلال، ورحل إلى دولة الشرعية الثورية والتاريخية، ليصفي كل قادتها التاريخيين، باعتبارهم رجعيين. وكان الصدام الأول للحزب، وقد أصبح دولة، مع الملكية في حرب الرمال. وسيتوالى الصدام بصحراء، أو من دونها، إلى أن يموت آخر متمسك بالعرش في هذا الحزب.