الجزائر... القادم أسوأ إلا إذا

18 اغسطس 2020
+ الخط -

تنبئ المؤشرات الاقتصادية الصادرة عن الجهات الرسمية وغير الرسمية في الجزائر بأن القادم ربما يكون أسوأ ما لم تتحرك السلطات وبسرعة للتغلب على التحديات القائمة ومنها، تراجع الإيرادات العامة الناتجة بشكل أساسي عن تهاوي أسعار النفط في الأسواق الدولية، وتزايد الخسائر الفادحة التي لحقت بالاقتصاد جراء تفشي فيروس كورونا، وتوقف أنشطة تجارية وخدمية مختلفة، وإغلاق الحدود، وهو ما انعكس على الخدمات المقدمة للمواطن، ورفع من تكلفة المعيشة. 

أخطر تلك المؤشرات ما يتعلق بانتشار البطالة على نطاق واسع خاصة بين الشباب وخريجي الجامعات، وتبخر الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي بسرعة فاقت توقعات الحكومة نفسها، ونقص السيولة النقدية في الاسواق، وغلاء الأسعار بمعدلات قياسية، واستمرار تراجع الدينار مقابل العملات الرئيسية ومنها اليورو والدولار، وزيادة عجز الموازنة العامة للدولة، وهو الأعلى بين دول المنطقة، وتراجع الإنفاق العام لمستويات غير مسبوقة، وهو ما أدى إلى تراجع مستوى الخدمات والمشروعات الجديدة.

جديد البطالة، ما كشفته وزارة العمل الجزائرية قبل أيام، عن حجم الخسائر الفادحة التي تكبدها العمال جراء تفشي جائحة كورونا، وتضرر سوق العمل الشديد بالوباء، وما خلفته الجائحة من انكماش في الاقتصاد بلغ 3.9% في الربع الأول، من المتوقع أن يرتفع إلى 5.2% بنهاية العام حسب توقعات صندوق النقد، إضافة إلى تعطل الشركات العامة والخاصة.

فهناك 200 ألف عامل باتوا بلا دخل منذ بداية تفشي الوباء في مارس الماضي، و50 ألف عامل فقدوا عملهم نهائيا، و180 ألف عامل تأخرت رواتبهم. والنتيجة أن معدلات البطالة قد تشهد زيادة غير مسبوقة لتصل إلى 20% بنهاية العام الجاري، وهي زيادة مخيفة لصانع القرار بسبب تأثيراتها الاجتماعية الخطيرة.

من بين المؤشرات الخطرة أيضا، التراجع الحاد في احتياطي البلاد الأجنبي واقترابه من المنطقة الحمراء، وهو ما يضعف دور الدولة في تمويل واردات السلع الضرورية مثل القمح والأغذية والأدوية ومستلزمات الإنتاج والسلع الوسيطة، وسداد أعباء الديون الخارجية، ومواجهة أي اضطرابات ومضاربات محتملة في سوق الصرف الأجنبي

والملفت أن الحكومة توقعت بداية شهر مايو/أيار الماضي تراجع الاحتياطي النقدي إلى 44.2 مليار دولار بنهاية 2020 مقابل 62 مليار دولار في نهاية العام الماضي، وهي أدنى من توقعات سابقة بتسجيل 51.6 مليار دولار بسبب الانخفاض الحاد في أسعار النفط

وقد يتراجع الاحتياطي النقدي لأقل من هذا الرقم مع استمرار تهاوي أسعار النفط ووباء كورونا، علما بأن رقم الاحتياطي تجاوز 79.88 مليار دولار نهاية 2018 ونحو 200 مليار دولار في العام 2014، وهذا التراجع يضع البلاد في خطر خاصة مع تفاقم عجز الميزان التجاري وتوقع تراجع الإيرادات النفطية. 

إذا استمر حال أسعار النفط في الأسواق العالمية على ما هو عليه، فإن الجزائر متجهة نحو  اتخاذ خطوات مؤلمة منها تعويم عملتها الوطنية الدينار، خاصة مع وجود سوق سوداء نشطة وأكثر من سعر للعملة، وهو ما تترتب عليه قفزات في أسعار السلع الرئيسية ومعدلات التضخم، وتآكل مدخرات المواطنين.

كما ستتجه البلاد نحو التوسع في الاقتراض الخارجي، وبالتالي الخضوع لأجندة وابتزازات صندوق النقد الدولي، وهو ما يمكن أن ينعكس على تركيبة النسيج المجتمعي ويثير حنق رجل الشارع، خاصة وأن السلطة الحالية قد لا تستخدم القبضة الحديدية في فرض أجندة وشروط الصندوق القاسية على المواطن، والتي يصاحبها عادة زيادة قياسية في الأسعار، وإلغاء دعم الوقود والكهرباء والمياه، وزيادة الضرائب والجمارك والرسوم الحكومية، وإجراء تخفيضات ضخمة في الوظائف بالجهاز الاداري للدولة، وإغلاق شركات عامة وخصخصة جزء منها لمستثمرين أجانب، وهو ما يعيد أجواء العام 1994.

وحتى لا تقع الجزائر في فخ الاقتراض الخارجي وروشتة الصندوق السامة وترك عملتها للرياح، فإن على حكومتها اتخاذ خطوات سريعة منها تنويع مصادر الدخل حتى لا تكون البلاد عرضة لتقلبات أسعار النفط، والبحث عن طرق جديدة لدعم وتنشيط الاقتصاد، وتشجيع المنتج المحلي خاصة في قطاع الزراعة والغذاء والصحة، والحد من الواردات خاصة للسلع غير الضرورية.

كما أن على حكومة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مقاومة الفساد المستشري في كل القطاعات، وتخفيف قبضة الجنرالات السابقين والمؤسسة العسكرية على النشاط الاقتصادي، وتنشيط القطاع الخاص خاصة الأنشطة الواعدة مثل السياحة والاتصالات والتقنية، وجذب الاستثمارات الخارجية خاصة من دول الخليج، وتشجيع الصادرات الخارجية، والقضاء على السوق السوداء للعملة، وإصلاح عيوب النظام المصرفي الخطيرة وتحسين خدماته وأنشطته البدائية، خاصة وأن تلك الخطوة تساهم في تحسّن إيرادات تحويلات نحو 7 ملايين مغترب والمتراجعة عاما بعد آخر.