الجزائر... السلطة تطلق النار على رجليها

الجزائر... السلطة تطلق النار على رجليها

12 اغسطس 2020
تضع السلطة نفسها بمواجهة الشعب والمساءلة الدولية (العربي الجديد)
+ الخط -

في العام 2001 اعتقلت أجهزة الأمن الجزائرية مجموعة من الطلبة كانوا قد تهجموا على موكب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وقررت المحكمة عقوبات بالسجن في حقهم، لكن بوتفليقة انتبه إلى أن هذه القضية يمكن أن تتحوّل إلى فخ، فقرر إطلاق سراحهم وقال للمقربين منه "لن أقبل أن يوضع لي ولد في ظهري"، وكان يقصد وضع فخ للابتزاز، فلم تكن كل الجندرمة العسكرية راضية على تسلمه السلطة.

على خلاف ذاك المنحى، وقع الرئيس الحالي عبد المجيد تبون في الفخ، عندما وُضع له "ولد في ظهره" في بداية حكمه، وبات عليه أن يتحمّل الضغوط والإكراهات المتأتية من قضايا حرية الصحافة والتعبير والحريات وحقوق الإنسان. ظهر ذلك جلياً عندما تمت مغالطته في محتوى قضية الصحافي خالد درارني، فبادر في الخامس من مايو/ أيار الماضي لتوجيه اتهام إلى الصحافي بالتخابر، وهي تهمة لم تظهر أبداً في الملف القضائي ولم تبرز بشأنها أي وقائع، ثم جاءت قضية مراسل قناة دولية سُجن فجأة وأفرج عنه فوراً بضغط خارجي لتكسر ظهر القضاء أيضاً.

ظهر الآن، من مجموعة وقائع، أن السلطة السياسية الجديدة في الجزائر تطلق الرصاص على رجليها، لأنه لا يوجد تفسير معقول، بعد حراك شعبي سلمي، لاستمرار القضايا المتعلقة بالحريات وحرية التعبير والصحافة، وهي أكثر الملفات التي تلفت نظر مجموعات الضغط في العالم، وترتبط في الغالب بالضغط السياسي والاقتصادي. ولا يوجد أي مبرر لأن تضع السلطة نفسها في مربع المساءلة والاستنطاق الدولي، بالنظر إلى حجم الانشغال اللافت بهذه القضايا في الصحافة والنقاشات الدولية حول الجزائر، وبما يزيد من ضبابية الصورة المشوشة أصلاً عن البلد.

لا يمكن فصل هذه الوقائع و"الفخاخ"، عن رصد مجموعة من التطورات الأخيرة، والانقلاب السريع للصورة وتساقط أحجار الدومينو، لا سيما تلك التي مثلت ركائز في مرحلة إدارة قائد أركان الجيش الراحل أحمد قائد صالح للبلد. فقبل أسابيع دين مدير جهاز الاستخبارات بالتهم نفسها التي كان يلفقها للناشطين في الحراك، وقبل أيام فقط أعلنت السلطات اعتقال "عصابة" تضم قيادات في قسم الأبحاث والتحقيقات لجهاز الدرك، كانت ثقبا للتسريبات المرسلة إلى من تصفهم السلطة بـ"المحرضين في الخارج" للابتزاز والمال الفاسد، وسبقتها إقالات واعتقالات أيضا لقيادات عسكرية وأمنية.

كل هذه التفاصيل المترابطة توحي بأن هناك صراعاً في مفاصل السلطة، لم تظهر كل ملامحه في الوقت الحالي وقد تتضح خلال فترة وجيزة، هو في الواقع استمرار للانقسام الأفقي، أو عدم التوافق على الأقل داخل المؤسسة الصلبة (الجيش) الذي ظهر واضحاً عشية الانتخابات الرئاسية الماضية التي جرت في 12 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.