الجزائر.. الإحتجاجات لن تتوقّف

الجزائر.. الإحتجاجات لن تتوقّف

20 يناير 2015
قوى الأمن تمارس قمع الإحتجاجات (بشير رمزي/ الأناضول)
+ الخط -
يعيش الشارع الجزائري، أخيراً، حالة غليان جراء تواصل الإضرابات والاعتصامات والإحتجاجات. موجة كان قد تحدث عنها أستاذ المدرسة العليا للتجارة في مونتريال، عمر أكتوف، حين قال، إن الجزائر تشهد توسعاً في نطاق الاحتجاجات الاجتماعية والمهنية، لافتاً إلى تسجيل نحو 10 آلاف احتجاج سنويّاً. أمرٌ يعكس عدم الاستقرار بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي يعاني منها المواطنون، كالبطالة وارتفاع أسعار المواد الغذائية وانخفاض معدل الدخل الفردي وبالتالي القدرة الشرائية، بحسب أكتوف.

في السياق ذاته، يرى أستاذ علم الاجتماع، عبد الناصر جابي، أن الحركات الاحتجاجية الاجتماعية والمهنية كانت لها خصوصيتها، مع أنها أعادت إنتاج كثير مما عُرفت به الحركات الاحتجاجية في البلاد خلال العقود الثلاثة الأخيرة. يقول إن الاحتجاجات تكرر نفسها في ظل استمرار ضعف أشكالها التنظيمية وغياب الطبقة الوسطى والمثقفين.

وشهدت البلاد احتجاجات عدة، وما زال بعضها مستمراً. الأسباب متشابهة وهي تحصيل الحقوق. على سبيل المثال، انتهت احتجاجات رجال الشرطة في الجزائر بالاتفاق على تلبية الحكومة مطالبهم المهنية. ولا تنحصر الاعتصامات في رجال الشرطة، بل شهدت البلاد احتجاجات شبه يومية من سكان الأحياء المهمشة، وأبناء الجنوب العاطلين عن العمل الذين لم يؤدي التفاوض معهم إلى أية نتيجة مرضية حتى الآن.

أيضاً، دخلت المعركة المفتوحة بين نقابة التربية ووزيرة التربية الوطنية، نورية بن غبريط، مرحلة خطيرة، بعدما قضت المحكمة الإدارية "بعدم مشروعية" إضراب موظفي المصالح الاقتصادية في وزارة التربية الذي دخل حيز التنفيذ منذ بداية العام الدراسي الجاري، وتحميل المدعى عليه المصاريف القضائية كاملة، فيما أمرت الوزيرة باتخاذ الإجراءات القانونية ضد هذه الفئة طبقاً لنص الحكم. إلا أن موظفي المصالح الاقتصادية قرروا مواصلة إضرابهم الذي قاربت مدته الأربعة أشهر، متحدين قرار المحكمة وتهديدات الوزيرة بمعاقبة المضربين.
وتجدر الإشارة إلى أن وفاة نادر فضيلة، القيادية في الحركة الاحتجاجية، جراء إبلاغها بوقفها عن العمل، ساهم في تذكية التوتر القائم بين تنسيقية المضربين والوزارة.

في السياق ذاته، شهدت الجامعات الجزائرية سلسلة إضرابات أدت إلى تذمر الأساتذة والطلاب، بسبب تأخر المنهاج الدراسي والامتحانات. ويطرح هؤلاء تساؤلات حول مدة استمرار إضرابات الطلاب وإغلاق الكليات وشل الدراسة فيها. اكتفى بعض الطلاب بتنظيم مسيرات في وقت فضّل آخرون شل الجامعة ومنع زملائهم من الدراسة.

وأدت بعض الاحتجاجات إلى إصابة عدد من الطلاب في جامعة بومرداس بجروح، جراء نشوب عراك بينهم على خلفية الإضراب. وفي أدرار، لم تجد الطالبات المقيمات في الحي الجامعي سوى المبيت في العراء احتجاجاً على تدهور الأوضاع الاجتماعية، فيما أقدم طلاب أربع كليات على شل الدراسة في جامعة تيبازة. ولم يتمكن الآلاف في جامعة بجاية من الدخول إلى المدرجات بعدما اعترض سبيلهم عشرات الطلاب المفصولين، الذين قرروا شل الجامعة ومنع الدراسة فيها حتى استجابة الإدارة لمطالبهم والتراجع عن قرار فصلهم.

في المقابل، تمكن وزير الصحة، عبد المالك بوضياف، من إنقاذ المستشفيات الوطنية من شلل تام، بعدما أقنع النقابيين بالرجوع عن قرار الإضراب احتجاجاً على المماطلة في الاستجابة لمطالبهم. ومع بداية الشهر الجاري، أضرب عمال الشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية في العاصمة، ما أدى إلى شل حركة سير القطارات، واضطر المسافرون للجوء إلى وسائل نقل أخرى. جاء الإضراب للتضامن مع زميلهم الذي أُصيب في حادث انحراف قطار بالعاصمة، وتحميله المسؤولية كاملة. يشار إلى أن الحادث تسبب في مقتل امرأة وإصابة أكثر من 100 شخص بجروح. وأكد المدير العام للشركة، ياسين بن جاب الله، أن هذا الإضراب جاء للمطالبة بزيادة معدلات الأمان في المحطات.

في إطار سعي الجزائر لمواجهة الاضطرابات الاجتماعية التي قد تشهدها البلاد في قطاعات مختلفة، في ظل اختيار المواطنين المطالبة بحقوقهم الاجتماعية، قررت الحكومة المحلية رفع حجم الميزانية المخصصة للإنفاق الحكومي. ويلاحظ جابي في دراسته "الحركات الاحتجاجية في الجزائر" أن "إعادة إنتاج الذات هي الصفة الجامعة لهذه الحركات الاحتجاجية التي كرست قابليتها لتكرار نفسها بالأشكال عينها تقريباً، وتحقيق المطالب نفسها التي يغلب عليها الطابع الاقتصادي والاجتماعي، والانتقال على شكل موجات من منطقة إلى أخرى، من دون أن يقف وراءها تنظيم يساعدها على الانتشار الجغرافي. أمرٌ يشير إلى مدى تذمّر الجزائريين".