الجزائر… حزب الرئيس

الجزائر… حزب الرئيس

22 يوليو 2020
تبون قال إنه ينتمي إلى كل الأحزاب الجزائرية (Getty)
+ الخط -

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قال في آخر حوار تلفزيوني إنه ينتمي إلى كل الأحزاب الجزائرية، وحسناً فعل إذ اعتبر مقامه الرئاسي فوق الأحزاب، لكي لا يزايد حزب آخر بصلته بتبون، بل إن الرئيس أعلن أنه لن يؤسس حزبه لأن ذلك لعبة تقليدية ليست لديه الرغبة في دخولها. 
يحيل تصريح تبون إلى تجربتين بخصوص "حزب الرئيس" شهدتهما الجزائر خلال العقود الثلاثة الماضية. الأولى تجربة الرئيس ليامين زروال (1994-1999)، مع حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي تأسس في مكتب بمقر الرئاسة مجاور لمكتب الرئيس بداية عام 1997، لاستخدامه كإطار سياسي وواجهة تقود الساحة الحزبية، وساهم ذلك بشكل بالغ في تشويه وكسر كل قواعد الممارسة السياسية.
التجربة الثانية كانت مع اعتلاء الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة الحكم عام 1999، والذي استولى في عام حكمه الأول على حزب جبهة التحرير. لقد تحول الحزب التاريخي في الجزائر إلى صف دراسي سريع التغير في تركيبته القيادية و"كوكتيل مولوتوف" سياسي حمل كل المتناقضات، وتجمّد في زاوية ضيقة فصارت مهمته التصفيق لخيارات السلطة بدون أدنى مضمون سياسي أو روح نقدية.
يدرك الرئيس تبون أن هذه التجارب، ومجمل تجربة المؤسسة الحزبية في الجزائر، انتهت إلى حالة قطيعة مع المجتمع المتحرك. الحراك الشعبي أظهر بوضوح بعض هذه القطيعة لصالح المجتمع المدني، لذلك يعتقد الرئيس أن الرهان على الحزب خيار خاسر ومعقد، بخلاف "حصان" المجتمع المدني الذي يبدو أكثر جاهزية.
هنا تبرز محاذير كثيرة ومتعددة في الموضوع برمته، خصوصاً إذا ما كان الرئيس يسعى إلى تحويل المجتمع المدني إلى "حزبه الكبير" وجداره الأساس الذي يستند إليه في تنفيذ مشروعه السياسي. وبغض النظر عن أن البنية السياسية المشوشة والتجربة الديمقراطية المتعثرة في الجزائر لم تتح بناء قاعدة لمجتمع مدني قوي وفاعل، بل أنتجت في الأعم شبكة متداخلة من المنظمات والجمعيات الريعية المرتبطة بصرة السلطة والأمن، فإن المجتمع المدني لا يصلح ليكون حاضنة لمشروع حكم.
الدور الواضح للمجتمع المدني هو أن يكون قوة اقتراح وفعل مجتمعي وإطار للمشاركة في رسم وتنفيذ السياسات العامة خصوصاً على الصعيد المحلي. والحقيقة أن السلطة في الجزائر لا تريد مجتمعاً مدنياً بهذا الدور الفاعل، بقدر ما تبحث عن مجتمع مدني مساند يتحول إلى حاضنة حكم ومرتكز لتسويق المشاريع والخيارات والمصادقة الشعبية عليها. في النهاية المجتمع المدني لا يمكن أن يؤدي دور الحزب السياسي ولا يستطيع. الجمعية جمعية والحزب حزب.