الثورة الليبية.. مقاومة لا تتوقف

الثورة الليبية.. مقاومة لا تتوقف

18 فبراير 2015
من المؤسف الاستسلام بحجّة أن الثّورة كانت مؤامرة(الأناضول)
+ الخط -

من خلال اتصال هاتفي من أحد الأصدقاء، عرفت أن الواقع الذي كنت أعيشه قد تغيّر، وأخيرا، بعد سنين من الانتظار " أنا أمام المحكمة مع باقي المحامين، هناك العديد من الناس تجمعوا.. إنها حقا ثورة يا آية" كان من المفاجئ أن أعرف أن الليبيين واجهوا خوفهم الذي سرق منهم الأبناء والأهل وأبسط الحقوق، والتي سكتوا عليها سنين طوالاً.. ولكن مع هذا ظننت أنه اعتصام مؤقّت والحماس سيخبو.

لكنني وعندما وطئت قدمي لأول مرة ساحة التحرير، ورأيت الكمّ الهائل والحماس والتكبير، انتبهتُ إلى أن هذه المرة مختلفة وأنها حقا ثورة شعب.

الناس في بنغازي انتشرت فيهم روح الثورة بسرعة البرق، ولم يستطع جيرانها من المدن إلا أن يتأثروا بهذه الروح، وهكذا وفي معظم المدن في الشرق، الغرب، الجنوب، عمّت الثورة.

وعمّت الهتافات من بنغازي: "يا شباب العاصمة نبو ليلة حاسمة"، من طرابلس "بالروح بالدّم نفديك يا بنغازي"، وأتذكّر هذا الهتاف من صديق لي من طرابلس في أول المظاهرات، عندما هاتفني وأسمعني إيّاه، لم أصدق ودمعت عيناي، وأصبحنا نكبّر ونكبّر.. في ذلك اليوم كان انتصار الثوار على قوات القذافي بفتح أكبر وأحصن كتيبة في بنغازي.. وحدة لم يكن لها مثيل، ومشاعر جيّاشة وإيمان صادق وأصوات تكبير تعلو أرجاء البلاد، وتضحيات قُدمت من بشر آمنوا بانتصار الحق. فكما قال الشاعر: هو الحقّ يغفو ثمّ ينهض ساخطاً فيهدم ما شاد الظّلام ويحطمُ

كانت الأمور تجري بسلاسة، والهدف كان واضحا، وكان الناس يمسكون بأيدي بعضهم بعضاً، ففي الأيام الأولى فقط، ولأن النوايا حسنة أسقطنا النظام في شرق البلاد، وجزء من غربها، وكل هذا تمّ في أربعة أيام، وتكوّن المجلس الوطني الانتقالي في الأسبوع الثاني للانتفاضة، كان أمرا مدهشاً وكلّ العالم يشهد على ذلك.

واتفق الناس على أمرين اثنين منذ البداية، وهما عدم رؤية الوجوه الكالحة التي خدمت الاستبداد في موقع من مواقع الثورة والعهد الجديد، ورفض التدخل الأجنبي العسكري، فالتاريخ علّمنا أنهم لا يعطون شيئا بغير ثمن، فكانت أوّل الشعارات المرفوعة في ساحة التحرير"لا للتدخّل الأجنبي، الشّباب موجود" وهذا ما كنّا نصدّقه جميعاً.

ولضعف الإمكانيّات أمام جيوش القذافي المجهّزة بأحدث الأسلحة المدمّرة، تدخّل الغرب، وأصبحنا في حذر دائم من أن ينتقل سيناريو العراق الشقيقة إلينا. فأسرعنا لنطالب بممارسة الديمقراطية، والإسراع بجمع السلاح من الثوار لبناء الجيش والسيطرة على الأمن طلبا للاستقرار . ولكن هل تحقق أي منها؟

استمرّ مشوار الثّورة وبدأ الانفجار الفكري، فتكوّنت الأحزاب بسرعة، وما زال الثّوّار يخوضون حرب التحرير، ولربّما كنا على عجلة للاختلاف، لأن هذا كان أحد أهم أسباب الأضرار التي نجمت بعد المؤتمر الوطني العام الذي تكون في "السنة الثانية للثورة"، الذي كان من المفترض أن يضمّ أكثر الناس إخلاصا ووطنيّة، ليعبروا بالبلاد إلى برّ الأمن، بانتخابات لجنة صياغة الدستور وحكومة مؤقتة تبدأ العمل حتى انتخابات الرئاسة، ولكن انشغاله بالاختلافات فيما بين أعضائه، أودى بنا إلى الفوضى التي أدّت بدورها إلى سرقة الثورة بأيادي الطمّاعين وطلاّب المجد الكاذب. وكان وقتها سياسيّونا الذّين أثبتوا فشلهم الذّريع قد نسوا، ونحن نسينا كذلك، أن الثورة لا زال لديها أعداء يصولون ويجولون في بقاع الأرض بأموالنا، ولكن شعور الحماس والاستعجال طغى علينا ولم نحسب حسابا للأهم.

ثمّ بدأ الليبيون في إعلان انقساماتهم، تارةّ باسم الفيدرالية وإقليم برقة، وتارة أخرى باسم الشرق والغرب، والأخيرة والأكثر فتكاً بالثوّرة كان باسم إسلامي وليبي، وهكذا دواليك.

أربع سنوات مرّت منذ اندلاع الثّورة وشعورنا وكأنها عشر سنوات، بسبب الدوّامة التي لم نستطع الخروج منها إلى الآن. آخر سنتيها كان عنوانه القتل، القتل والقتل وتبلّد المشاعر وغياب الوعي وفشل الحكومات الانتقالية واحدة تلو الأخرى، وأصبحت الفترة الانتقالية تبدو كفترة أبديّة.

وكان ختامها عمليّة الكرامة العسكرّيّة، والتي تعتبر عالميّاً حربا على الإرهاب، والتي ما خرجت إلا من ضعف السياسيين وضعف الإرادة لدى الشّعب.

هل انتقل سيناريو العراق إلينا! نعم لقد انتقل، ليبيا الآن تحكمها لغة السلاح تحت أسماء عدّة، ولكن حتّى وإن اختلطت الأمور، فمبادئ الثّورة ما زال يتمسّك بها من كان يؤمن بها منذ اليوم الأوّل، والشّباب موجود.

وما زلت غير نادمة على الثّورة، وهي كانت الحدث الأهم والأجمل في حياتي، وكيف لي أن أندم؟ بعد كل التضحيات التي قدّمت أمامي! ألا أستحي؟

ومن المؤسف أن نسمع عمّن يستسلم بحجّة أن الثّورة كانت مؤامرة، وتراه يخوّن ويتهم كل الذّين ساهموا في الثّورة وخسروا الكثير لأجلها.

التّغيير أمر حتمي والحق لا بدّ من أن يصدح، والحقيقة لن تكون مخفيّة إلى الأبد، ولكنّنا حقا نأمل في استعادة شعب 17 فبراير.


(ليبيا)

المساهمون