الثورةُ نجحتْ.. أملُ مُخيِّلة!

الثورةُ نجحتْ.. أملُ مُخيِّلة!

22 يناير 2015
لنُمعن في تصوّراتنا المستقبلية وتخيلات ربيعنا الثوري (Getty)
+ الخط -

إباحيةُ التخيّل تنزْعُك من واقعك لتتخيّل ولو للحظات دهرية بأن ثورات الربيع العربي كَللّها النجاح والانتصارات، حققت المطالب ووأدت الخلاف وقتلت الخيانات في مهدها، وأهدتْ الكرامة للشعوب وبلغتْ الحرية الحناجر والمنابر.

عندما نحلم نحن الشباب فإن أحلامنا تغدو حية تتجسّد خِلقتُها أمامنا وتسبق خطوتها خطانا، تتحققّ فعلياً مع إرادتنا ومثابرتنا لأجلها، وطالما نتدرع بلباس الإرادة والمثابرة فإن أحلامنا تُبْقِي أرواحها حية وأرواحنا مشتعلة.. وثوراتنا نصرٌ مُؤجّج.

لنُمعن في تصورّاتنا المستقبلية وتخيلات ربيعنا الثوري في ذكراه الرابعة، لعل ذلك يُساهم في جزء من عودته صلباً مُجدداً، دعونا نعود بالأحداث عبر جهاز أحلامنا الأثير إلى ثورة يناير المصرية، إلى جمعة الغضب 28 يناير/كانون الثاني لعام 2011 وبعد أن أفرغنا ذخيرة غضبنا الحليم وكان سلاحنا الوحيد والمُجرّد صوتنا الهادر وقلوبنا المُصرِّة ضد قوى الشر والقتل، كانت ولا تزال بؤر التثوّر والتّطلع لهواء حرّ يملأ رئاتنا، وتغلبنا على جنود الفرعون الأعظم، فَطِنَّا لمحاولات عسكره وأد ثورتنا، وصلب حلمنا من أول يوم بِبَلِّ رمق ضباط الداخلية الأخير بشربة أقصد بدَفعة أسلحة، فقطعنا عليهم طريق الدخول للإمداد، وتوجّهنا سريعاً صوب لاظوغلي حيث مقرّ وزارة الداخلية وحاصرناها بأعدادنا الهائلة، فلا خرج أحد منها ولا دخل حتى إشعار آخر.

وعندما قرّرنا الاعتصام في ميدان التحرير، وأصبحنا لفرط حماستنا قادة للثورة جميعاً اتفقت جميع اجتماعات ائتلاف شباب الثورة على عدم التفاوض قبل تحقيق المطالب كاملةً من دون تنازلات أو مواءمات أو انحناءات، من دون الرجوع لنخب العار أو الأخذ بآرائهم المتكلّسة، دون جلسات سرية أو علنية مع النظام العدو.

دعونا نتخيّل أن مطالبنا الثورية كان لها حقّ التحقق والحياة، فمبارك المخلوع قد سقط وتنحّى عن رئاسة الجمهورية ولم يتخلَّ عنها مِنّةً منه للثوّار ولم يُوكل المجلس العسكري لإدارة شؤون البلاد والعباد، سقطتْ معه حكومته المتحجّرة الفاسدة وكذلك نائبه السفّاح اللواء عمر سليمان، وتم إلغاء حالة الطوارئ الدموية فعلياً وانتفى وجود حظر عسكري في البلاد، وشكّلنا حكومة وحدة وطنية انتقالية حقيقية وليست من نُخب الاستغلال وقوّادي السلطة والنفوس الدنيئة، وتمّ حلّ مجلسيّ الشعب والشوري من دون تباطؤ أو تواطؤ، وانتخاب برلمان يقوم بتعديلات دستورية فورية للمواد سيئة السمعة مثل 75 و76 و77 و88 و93 و148 و179 و189 لضمان انتخابات رئاسية نزيهة، لا تكون مُفصّلة لفردٍ بعينه، وتحدّ من صلاحياته المُطلقة ومدة مكوثه على كرسي الحكم.

لم تنتهِ مطالب ثورتنا بعد - أو قلّ تخيّلاتنا بعد -، دعونا نتخيّل لوهلةٍ أننا أقمنا محاكمات ثورية فورية لقتلة شهداء الثورة من ضباط للداخلية وتنظيمهم الخارجي للبلطجية، وحلّ جهاز أمن الدولة - الأداة القذرة لكل أنظمة الديكتاتورية -، وتمّ سجن كل مَن ثبُت إعطاؤه الأوامر باستخدام الأسلحة الحيّة والإمعان في القتل، كما تم إعدام كل مَن قام بتنفيذ هذه الأوامر بيديه، وتم إخلاء سبيل جميع المعتقلين، ولكم أن تتخيّلوا أنه على إثر ذلك ستختفي حالات التعذيب الممنهج والاختفاء القسري، وأحداث قتلٍ كثيرة على يد الداخلية والمجلس العسكري، بدءا من مجازر ماسبيرو، ومحمد محمود 1و2، ومجلس الوزراء، والعباسية، وبورسعيد، وصولاً إلى مجازر الحرس الجمهوري، والمنصة، ورابعة والنهضة، ورمسيس 1و2، وسيارة الترحيلات ..إلخ، لن تحدث أي حالات تعذيب أو كشف عذرية أو فقء أعين، لن تحدث أي انتهاكات لآدمية المواطن أياً كان.

لنتخيّل أننا - ونحن ما زلنا في الميدان - نُقدّم رموز النظام الفاسد وحزبه المُفسد بكل أركانه لمحاكمات ثورية عاجلة، والتي على إثرها يتم مصادرة ثرواتهم واسترداد ما تمّ تجميده في الخارج، ومنعهم من ممارسة أي نشاط سياسي مباشر أو غير مباشر لمدة لا تقلّ عن 10 إلى 15 عاما، نحاكمهم على جرائم هَدْرِ ما مضى من سنوات فقرٍ ومرضٍ وفساد وإفساد.

لم نبرح الميدان قبل تنفيذ خطة تطهيرية لمؤسسات الدولة كافةً، وعلى رأسها وزارة الداخلية المتشبّعة دماءً، ومنظومة القضاء المتألّهة سطوةً، ومنصة الإعلام السافرة زيفاً، ولا ننسى تفكيك دولة العسكر المُستحوذة استيلاءً على مقدرات البلاد، حتى نستطيع إقامة دولة مدنية حقيقية، انتخبنا جمعية تأسيسية توافقية لوضع دستور جديد، وفي أعقاب ذلك شاركنا في انتخابات برلمانية نزيهة، ثم اخترنا رئيساً ثورياً يحرر الإرادة الوطنية ويبدأ في بناء الدولة بعد تخلخل أركانها وتحلّلها من قِبل النظام الستيني الفاسد.

كان ليتباهي الوطن حقاً بما حققناه، وكانت شهية الانتصارات ستعطينا دَفعةً لبناء وطنٍ حيّ يقود الأمة، كنا لنكتب التاريخ بمداد الفَرَح الحرّ.

دعونا نحرق دفاترنا السوداء التعيسة، فلا شيء يستحق الانحناء حقاً أو الركوع المُذلّ، نحن لم نرغب يوماً بالتعّفن على كراسي السلطة، كنا ننبش عن الحرية في تراب الوطن بعد أن دفنتها أنظمة الكره والعبودية، كنا فقط نبحث عن وطنٍ يستبيح أرواحنا وأعماقنا ويسلب أنفاسنا مُذ تسلل إلينا حبه ونحن صغار، فلا تسلب الحرية منك أنفاسك.. وحده الوطن يفعل ذلك باقتدار.

نحن الشباب مُتعَبُون بأحلامنا المُحققّة والمُتخيَّلة، بحريتنا وكرامتنا، بعروبتنا ووطننا، وعندما نرى خساراتنا تكبر وتتوالى نُدرك أنَّ ما تبقّى لدينا هو هذه الأحلام والأوطان، وقتها يصغُرُ السادة والطغاة أمام أعيننا فنصنع ثوراتنا مُجدداً مثل العنقاء من الرماد.

وكما قالت الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي: "أن تُقلع عن الحلم، فمعناه أنّ النكسة ما عادت خلفك بل فيك".

*مصر

المساهمون