الثروة المنهوبة... كردستان العراق تبيع النفط للاحتلال بأسعار بخسة

الثروة المنهوبة... كردستان العراق تبيع النفط للاحتلال بأسعار بخسة

16 مارس 2019
نفط كردستان العراق خارج إشراف بغداد (سيباستيان ماير/ Getty)
+ الخط -
يغوص ملف النفط العراقي في مستنقع المخالفات، لا بل يتعدى ذلك إلى وصوله للاحتلال الإسرائيلي. إذ إن إقليم كردستان العراق، يصدّر النفط خارج إشراف السلطة الاتحادية في بغداد منذ عام 2012 ولغاية اليوم، في مخالفة دستورية فجّة. 

كذا، تماطل إربيل للشهر الثاني على التوالي في تنفيذ الاتفاق الأخير مع بغداد، القاضي بإشراف السلطة المركزية على عمليات تصدير النفط من الإقليم.

وفي حين ينشط تهريب النفط من أحزاب ومافيات تتوزع بين إربيل والسليمانية وبلدة زاخو الحدودية مع تركيا، يصل جزء كبير من هذا النفط إلى موانئ فلسطين المحتلة، وتحديداً إلى ميناء "أشدود".

الأمر يتخطى الفضيحة، إذ تقوم سلطات الاحتلال الإسرائيلي بشراء نفط العراق بأسعار زهيدة جداً تصل إلى 15 و17 دولاراً للبرميل الواحد، (سعر النفط يراوح بين 67 و68 دولاراً في السوق الدولية)، على اعتبار أن هذا النفط "غير شرعي"، أو ما يعرف ضمن مصطلحات مافيات النفط في كردستان العراق "مجهول النسب"، لكونه غير مصرح به من شركة "سومو" العراقية، التي تشرف على تصدير النفط العراقي، وهي الذراع الرسمية للدولة العراقية.

وفي هذا السياق، كشف مسؤول عراقي بارز في بغداد لـ"العربي الجديد"، عن طلب كتل سياسية عديدة من رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، فتح ملف النفط مع المسؤولين الكرد في إربيل والسليمانية، وضرورة وضع حد لعمليات التهريب.

وكان عبد المهدي قد تعهد بانصياع الكرد للدستور قبل إقرار موازنة العام الحالي، وهو ما ضمنه رئيس الجمهورية برهم صالح الذي أخذ دور الوسيط بين إربيل وبغداد.

وبحسب المسؤول ذاته، فإن نواباً من حركة "التغيير" الكردية المعارضة في الإقليم، سلموا مسؤولين ونواباً بالبرلمان الاتحادي في بغداد معلومات عن النفط، الذي يهرّب إلى خارج الإقليم عبر تركيا وكميته، والأشخاص المتورطين به، وكذلك عمليات التهريب بالصهاريج لمافيات وشبكات تركية أو إيرانية، وكثير منهم مقربون من الحزب الديموقراطي بزعامة مسعود البارزاني والاتحاد الكردستاني، وتحديداً جناح الطالباني في السليمانية.

ويستخرج هذا النفط من حقل نفطي بين كركوك وبلدة كويسنجق، وآبار في حقل "بابا كركر" النفطي، وحقول جنوب شرق إربيل تستثمر فيها شركات نفط إماراتية بالوقت الحالي، أبرزها شركة "دانة غاز".

وتنتهي رحلة النفط من الإقليم بكميات تصل إلى نحو 300 ألف برميل يومياً، وفق المسؤول العراقي، إلى ميناءي مرسين وجيهان التركيين. ومن هناك يتم شحنه عبر ناقلات نفط يتبع بعضها لشركات أجنبية إلى دول المتوسط، وقسم إلى الاحتلال الإسرائيلي في ميناء أشدود الفلسطيني المحتل.

وأكد المسؤول حصول بغداد على أذونات نقل النفط من ناقلات أجنبية، تنتهي بمسار النفط العراقي نحو الاحتلال، وبأسعار بخسة جداً، رغم أن النفط العراقي هذا، خفيف وعالي الجودة.
ولفت المسؤول إلى أن تصاعد الخلافات السياسية بين الأحزاب والقوى الكردية في الإقليم، دفع إلى تسريبات خطيرة حيال ملف النفط المهرب، وهذه الملفات صارت بيد بغداد.

وينصّ الدستور العراقي على تجريم "التعاون أو التعامل مع الكيان الصهيوني"، وأدرج ذلك ضمن جرائم الخيانة العظمى، إلا أن السلطات العراقية لم تتحرك حتى اليوم ضد النشاطات المشبوهة السابقة والحالية لمسؤولين وشخصيات كردية.

وتنصّ المادّة الرابعة من قانون العقوبات في العراق، على الإعدام شنقاً لكل من ثبت تواصله وإعانته للكيان الصهيوني مادياً أو معنوياً.

الاتفاق على المحك
ورغم إعلان الحكومة العراقية توصلها لاتفاق قبيل إقرار موازنة العام الحالي، يقضي بإشراف شركة "سومو" على عمليات تصدير النفط العراقي من حقول الإقليم إلى الخارج، مقابل تمرير مرتبات موظفي الإقليم وإدراجها ضمن مشاريع التنمية في الموازنة الحالية، إلا أن الإقليم لم يسلم ملف نفطه إلى بغداد حتى الآن. ولم ترسل السلطة المركزية كذلك، مرتبات قوات البشمركة، ما يعني أن الاتفاق السابق قد يكون على المحك.

وتشير الفقرة العاشرة من قانون الموازنة، إلى عدم التزام بغداد بتمويل نفقات الإقليم ومرتبات موظفيه في حال لم يتسلم عائدات 250 برميلاً من النفط، على أن تخضع عملية التصدير من الإقليم لإدارة السلطة الاتحادية.

من جهته، قال عضو في حركة التغيير الكردية (طلب عدم الكشف عن اسمه)، إن "أموال النفط الذي يتم بيعه للاحتلال الإسرائيلي تودع في بنوك أوروبية وتركية بأسماء قيادات في إربيل والسليمانية، وأخرى تصل إلى إربيل ولا يعرف أحد مصيرها"، مبيناً أن موضوع تهريب النفط وبيعه واختفاء أمواله يعني المواطن الكردي.

ولفت إلى أن الأميركيين يغضّون الطرف عن النفط المهرب إلى تركيا، لكنهم يضغطون لإيقاف التهريب إلى إيران، لكونهم يعلمون أن إسرائيل تستفيد من جزء من هذا النفط".

مسار المافيات
وفي هذا الإطار، أكد علي البديري النائب في البرلمان العراقي عن تيار الحكمة، الذي يتزعمه عمار الحكيم، لـ"العربي الجديد"، أن جزءاً من نفط الإقليم المهرب يستقر في الموانئ الفلسطينية المحتلة، ويصدر لجهات أخرى.

وأضاف أن "هذه الأمور تتم خارج السلطة الاتحادية، وهي تعدّ على أموال وثروة العراقيين التي تذهب إلى العدوّ وسط تعتيم كبير من قبل سلطات الإقليم حول هذا الملف".

وأكد النائب برهان المعموري، أن الحكومة العراقية في بغداد مسؤولة بالدرجة الأولى على هذا الموضوع وتتحمل مسؤولية كل برميل نفط يخرج من البلاد". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "في الوقت الحالي الحكومة مطالبة بوضع حد لعمليات تهريب النفط العراقي خارج سلطتها".

من جانبه، أوضح الباحث بالشأن الكردي علي ناجي، أن عمليات تهريب النفط التي تمر عبر أراضي إقليم كردستان العراق تتم بعلم الأحزاب المتنفذة بالإقليم.

وقال في حديث مع "العربي الجديد"، إن "تهريب النفط من أراضي الإقليم يذهب جزء منه نحو إيران عن طريق كركوك السليمانية ويدخل الأراضي الإيرانية عبر منفذي "باشماخ"، في محافظة السليمانية أو منطقة "برويز خان" الحدودية في محافظة ديالى".

وبيّن أنه "في الفترة الأخيرة، تم تغيير مسار التهريب إلى إيران بسبب الضغوط الأميركية على أحزاب الإقليم، ليمر عبر الطرق المتاخمة للحدود العراقية الإيرانية".

وتابع ناجي: "أما النفط المهرب إلى تركيا فيكون عبر أراض تحت سيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني ومن محافظة دهوك"، مضيفاً أن "هذا النفط يباع لشبكات مختصة ببيع النفط ويتم إيصاله عبر تركيا إلى الاحتلال".

ولا يعتبر شراء الاحتلال الإسرائيلي للنفط العراقي سرّاً، إذ نشر العديد من وسائل الإعلام الغربية تقارير في هذا الإطار، وأفادت بأن "إسرائيل" تعدّ أكبر مستورد للنفط من إقليم كردستان، وقد احتلت المرتبة الأولى وتفوقت على إيطاليا التي حلّت في المرتبة الثانية في الترتيب.

ووفق معطيات نشرت في 2017 لشركة "كليبيرداتا" الأميركية، المختصة بتعقب شحنات النفط العالمية، فإنّ نحو نصف النفط الخام المستخرج من حقول النفط في الإقليم في عام 2017، وصل إلى "إسرائيل".

وفي عام 1986، عاقب العراق مجموعة شركات غربية تبين أنها تنقل جزءاً من التمور والجلود العراقية إلى سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ووضعها في القائمة السوداء. وطالب عدد من المسؤولين برضوخ الإقليم للدستور، وضرورة موافقته على تصدير نفطه تحت مظلة بغداد، من دون قيد أو شرط ومن دون أي مماطلة.

وأكد وزير النفط العراقي ثامر الغضبان، في 25 ‏شباط‏/ فبراير الماضي، أن شركة تسويق النفط العراقية "سومو" لم تتسلم 250 ألف برميل من النفط الخام المنتج من حقول إقليم كردستان العراق، وأشار إلى عزم الوزارة حسم هذه القضية.

المساهمون