التهذيب الإيجابي.. تعلم .. حلول.. مشاركة

التهذيب الإيجابي.. تعلم .. حلول.. مشاركة

22 ابريل 2017
"التهذيب الإيجابي" أسلوب تربوي لا يرتكز على العقاب(Getty)
+ الخط -
تحدثنا في الجزء الأول والثاني من هذه  السلسلة عن "التهذيب الإيجابي" كأسلوب تربوي لا يرتكز على العقاب، وذكرنا أنه ينبني على سبعة أركان أساسية، وتحدثنا عن أحد هذه الأركان السبعة وهو أنه: يراعي ويميز الأهداف الخفية وراء تصرفات الطفل غير المرغوب فيها


وفي هذه الحلقة  نتحدث عن ثلاثة أركان أخرى للتهذيب الإيجابي، وهي:

  •  أنه يفتح أمام الطفل أبواب التعلم
  •  يركزعلى الحلول وليس على الخطأ
  •  يعتمد على مشاركة الطفل للتوصل إلى الحل

 

أولاً: أنه يفتح أمام الطفل أبواب التعلم

وذلك على عكس العقاب الذي يخلق ارتباطاً شرطياً بين "الخطأ" وبين "الألم"، فعلى سبيل المثال عندما يقصر الطفل في واجباته الدراسية تعرضه أمه لأي شكل من الألم مثل ألم الحرمان من الحلوى، فيرتبط لديه "التقصير" بـ"الألم" فيبتعد عن التقصير حتى لا يتذوق الألم. وهذا الأسلوب مناسب لحيوانات السيرك وربما يكون مناسباً للأطفال في السنوات المبكرة جداً من العمر، حيث يكون الارتباط الشرطي هو الأنسب للقدرات العقلية البسيطة لديهم حيث تكون القدرة على التعلم بدائية جداً.

 

ولكن لا يصح أبداً أن يكون العقاب هو الأصل والأساس في التعامل مع سلوكيات الطفل في

العموم، لسبب بسيط وهو أن الارتباط الشرطي متعلق بعامل خارجي دائماً، فإذا زال هذا العامل الخارجي اعوج السلوك – تدريجياً - مرة أخرى. ولذلك يظل الأساس في التربية ليس الارتباط الشرطي وإنما "التعلم"، وهو أن تتغير أفكار واتجاهات الطفل تغيرا حقيقيا نابعا من الداخل ومستمراً مهما تغيرت العوامل الخارجية. فنجد مثلاً الإنسان متمسكاً بـ "الأمانة" حتى لو نتج عن الأمانة جوع أو حرمان أو ألم، وحتى لو كان هناك ارتباط بين الأمانة وبين التعب إلا أنه يظل هو الاختيار لأنه "تعلم" – عن قناعة عقلية أو وجدانية أو روحية – أنها هي الاختيار الأفضل.

والتهذيب الايجابي يفتح للطفل أبواب رحلة طويلة المدى "للتعلم" وتطوير الأفكار والمشاعر حول نفسه وحول الكون.




وهناك ستة
تصورات ومهارات  أساسية يجب أن نعلمها للطفل من خلال كلماتنا وأفعالنا، وهي:

  • تصورات حول الكفاءة الذاتية (أنا كفء): فالطفل إذا أخطأ وضيع أدواته المدرسية – على سبيل المثال- ثم كان رد فعلنا هو أننا تسرعنا نحو العقاب لن نعلمه شيئاً حول كفاءته الذاتية، وإنما الكلمات الصحيحة التي يجب أن نقولها هنا هي: أنت ذكي وتستطيع أن تحافظ على أدواتك، ولكنك تحتاج أن تفكر ما الاجراء الاحتياطي الذي نسيته هذه المرة، ربما نسيت الأدوات على "الديسك" أو ربما لم تغلق الحقيبة جيداً، تعالَ نفكر معاً كيف يمكن ألا يتكرر الخطأ (وهكذا يتعلم أنه كفء، ولكن تنقصه مهارة وأنه في طريق
    لاكتسابها).
  • تصورات حول القدرة على بناء علاقات (أنا لدي علاقات ناجحة ذات معنى، وأنا لي فيها دور وقيمة)، وبالتالي عندما تشكو ابنتك: "لا أحد يحبني في الفصل"، لا نتسرع  نحو الحكم بأن زميلاتك شريرات أو أنك ضعيفة مضطهدة، وإنما نركز عندئذ على أن تتعلم مهارات بناء علاقات، فنشير لها إلى أنها محبوبة من فلانة وفلانة بدليل كذا وكذا، ولكنك ربما تحتاجين أن تكتسبي بعض المهارات الاجتماعية مثل كذا وكذا حتى تستطيعي التعامل مع كل نمط من الناس (بأسلوب مبسط ومناسب لسنها).
  • تصورات حول القدرة على التأثير على مسار حياته (أستطيع أن أؤثر في مسار حياتي) فاذا اتخذ الطفل قراراً خاطئاً، فاشترى شيئاً غير مناسب – على سبيل المثال - نثني على شجاعته في أن يجرب ويقرر، ثم نوجهه بذكاء نحو الدرس الذي يمكن تعلمه حتى يكون القرار أفضل في المرات القادمة. وأيضاً لابد أن نشير إلى الاختيارات  التي اختارها في يوم من الأيام وكانت مناسبة.
  • تصورات حول القدرة على الوعي بالذات وفهم المشاعر والقدرة على ضبط الذات.. وهي رحلة طويلة لمساعدته على فهم نفسه وإدارتها، معرفة ما يغضبه وما يسعده، معرفة ما يساعده على النجاح وما يدفعه نحو الفشل، ممارسته لمهارات السيطرة على غضبه أو رغباته.
  • تصورات ومهارات حول التواصل مع الناس (مثل الحوار والتفاوض والتعاون).
  • القدرة على تحمل المسؤولية والمرونة والتكيف والقدرة هلى الحكم وتقدير الأمور.

 




ثانياً: يركز على الحلول وليس على الخطأ

التهذيب الإيجابي يركز على الحلول، بدلاً من لفت نظر الطفل إلى الخطأ الذي ارتكبه، أظهر له كيف تكون الأمور أفضل، وذلك في إطار رحلة التعلم التي تحدثنا عنها في النقطة السابقة. وللوصول لذلك عليك أن:

  • تحدد المشكلة بدقة وتشرك الطفل في التفكير في الحل. مثال: لم تستيقظ اليوم حتى فاتتك حافلة المدرسة. المشكلة هنا ليست عامة (ليست مثلاً أنك انسان كسول أو غير متحمل المسؤولية)، وإنما المشكلة بدقة هي عدم القدرة على الاستيقاظ بنشاط. وبالتالي فإن السؤال هو: ما الحلول حتى تستطيع الاستيقاظ بنشاط؟.
  • اسأل الطفل ما الذي يساعده أكثر (اقترح على الأقل خيارين لمساعدته، مثال: أن تكون فقرة الكمبيوتر الترفيهية قبل المدرسة – أن تنام مبكراً جداً -  أن نبحث عن السبب الذي يضايقك من المدرسة ونحاول حله – مثل علاقته السيئة بالمدرس أو الزملاء ...الخ)
  • أنت تعلم الطفل: ماذا نفعل لنتعلم من الخطأ – كيف يكون الخطأ فرصة – كيف ننمي مهارات حل المشكلة – كيف نهدأ ونتجه نحو الحل بدلاً من ردود الأفعال– كيف نكون مبدعين في الحل. 

 

ثالثاً: يعتمد على مشاركة الطفل للتوصل إلى حل مقبول

كما هو واضح من النقطتين السابقتين، استخدمنا دائماً كلمة "أشرك الطفل"، فالتهذيب الإيجابي يعتمد على مشاركة الطفل للتوصل إلى حل مقبول، لأن مشاركته تجعله يشعر بـ "الملكية" للحل، وبالتالي ينحاز له ويحرص على نجاحه، كما أنها تشعره بالحرية وعدم الإجبار فلا يعاند بسبب الإحساس بالقهر، وهي أيضاً تشعره بالمسؤولية تجاه نجاح الحل الذي اقترحه بنفسه. وهناك خطوات ثلاث لكسب التعاون مع الطفل في الوصول لحل، وهي:

  • أظهر فهمك لمشاعره وأظهر التعاطف غير المشروط.
  • شاركه مشاعرك وأفكارك بشكل غير وعظي.
  • ادعُهُ للمشاركة في الوصول لحل.

 

المساهمون