التلميذ ميلاد وحسن شاكوش

التلميذ ميلاد وحسن شاكوش

27 فبراير 2020

(لؤي كيالي)

+ الخط -
ميلاد تلميذ يحب أغاني المهرجانات، ويعمل "نفرا" باليومية مع مبلّط قيشاني وسيراميك في أيام البحبوحة، وحينما ينام السوق يعمل أيضا في البلاط مع المبلط. ولكن ميلاد لا يتنازل أبدا عن محبته أغاني المهرجانات، سواء أكانت اليومية سيراميك أو بلاط، ويعود بالعِدة سعيدا في آخر اليوم، بعد أن يمسح "الكوريرك" جيدا في الرمل. ميلاد يذهب إلى الكنيسة أيضا في أيام الأعياد وحد السعف، ويشاكس أيضا معلمه المبلط، والذي يكبره بسنوات قليلة جدا، ولم يحصل على الدبلوم، ولم يذهب إلى الآن للتجنيد، ودائما يحمل العلبة المارلبورو الحمراء، ويضعها دائما بالقرب من الميزان. وحينما يتدخل معلمه في أيٍّ من أمور حسن شاكوش وأهدافه التي وضعها بالرأس، حينما كان حسن شاكوش يلعب في نادي الإسماعيلية، يصحح له المعلومة ميلاد في الحال، خصوصا تلك الأهداف التي أحرزها حسن شاكوش مع فريق الإسماعيلي من كل الكرات التي كانت تأتيه بالعرض. يسكت معلمه، ويأمره أن يقص من البلاطة ثلاثة سنتميترات بسرعة، ويطرّي المونة. 
ميلاد يقول أيضا محاولا إغاظة معلمه: "صحيح معرفش أقرا ولا أكتب، لكن عليّ النعمة بعرف إنجليزي".. وحينما سألت ميلاد: كيف نجحت في الشهادة الإعدادية؟ أجاب ضاحكا، وهو يرفع المونة في القروانة: "دفعت 150 جنيها في الترم الأول و150 جنيها في الترم التاني، ودخّلوا لي ورقة الإجابة في الترمين محلولة وجاهزة، سلّمتها، وطلعنا نرقص، والمراقب قال لنا، اللي دفع يرقص بره عشان لجنة من الإدارة جاية". ميلاد يمتلك "ماكنة" عمل بها حادثتين صغيرتين، واحدة في دير العدرا خد منها خمس غرز، والثانية وهو طالع من العوّامة ومشغل الفلاشة على المهرجانات.
ميلاد لا يعرف القراءة ولا الكتابة، على الرغم من أنه حصل على مجموع 210 في الشهادة الإعدادية، ويدفع 20 جنيها للحلاق كل أسبوعين، ويعتبر حسن شاكوش "برنس كبير أوي"، فهل يعرف السيد وزير التربية والتعليم (دكتور طارق شوقي) الذي سوف ينافس بلجيكا وألمانيا بمنتجه التعليمي قيمة ميلاد دوليا؟
ميلاد الآن تلميذ في الصف الأول الثانوي الصناعي، ولا يذهب إلى المدرسة إلا في آخر كل شهر، كي يعطي للمدرسين "عربون النجاح" مقدّما. ميلاد لا يتنازل أبدا عن الـ 100 جنيه يوميا من البلاط، لأنه يعجن المونة، ويناول، ويقطّع البلاط أو السيراميك بالصاروخ بحرفية عالية، حتى وهو يسمع أغاني المهرجانات. وأعلنها صراحة وهو يضحك: "عليّ النعمة ما يحاولوا يمنعوا أغاني المهرجانات لننزل نشيل النظام". صرخ البلاّط في ميلاد: "طرّي المونة واتكلم على قدك". ميلاد سكت مؤقتا، وختم الحوار بقهقهة فيها سخريةٌ ما.
أشعل معلم البلاط سيجارة، وشغّل أغنية "ادلع يا حلو" للمطرب حسن الأسمر. ومشي ميلاد ناحية الصاروخ، كي يقطع البلاطة المطلوبة وقال: "عليّ النعمة شاكوش برنس".. وأكمل: "يا عم ده السوق كلهم من زمان اللي أنت بتسمعهم". سادت ربع ساعة من الصمت ما بين ميلاد ومبلط السيراميك، كانت مشحونة كلها بالصمت والتوتر وصوت الصاروخ، بعدما سكت حسن الأسمر عن الغناء.
ابتسمتُ لميلاد كي أُخرجه من الحرج، فأكّد جادّا أنه سينزل الشارع، لو اقتربت الحكومة من مجال البرنس حسن شاكوش. سألته عن اسم وزير التعليم فلم يعرف، ولا حتى ناظر المدرسة، لأنه يكتفي بإعطاء "المعلوم" للأستاذ حسن في آخر كل شهر، والبركة فيه، وقد جاءته الشهادة من يومين مختومة بالنجاح والتوفيق.