التفاوت التنموي يطال العاصمة الاردنية

التفاوت التنموي يطال العاصمة الاردنية

17 نوفمبر 2014
انتشار العشوائيات في الاردن(أرشيف getty)
+ الخط -
بين "حي عبدون"، وهو أحد الأحياء الراقية غرب العاصمة الاردنية عمان، و"وادي عبدون" الذي ‏يتاخم الحي، مسافة قصيرة، لكنها كبيرة من حيث الفوارق التنموية. فقد سجل الوادي ‏خلال السنوات الماضية تفاوتاً مع الحي، لم يقتصر على الكثافة السكانية وتوافر المساحات فحسب، بل تعداه الى مستويات أخرى. إذ فقد حي عبدون عنصر الأمان الاجتماعي والمعيشي، ‏برغم امتداده بالقرب من منطقة غنية، صاخبة، تضج بالحياة.‏

اللامساواة التنموية
مشهد وادي عبدون الذي يمتد من رأس العين شرقاً وحتى الصويفية غرباً وينتصب ‏من فوقه واحد من أحدث الجسور المعلقة في المنطقة (جسر عبدون)، لا يختلف كثيراً مع المشاهد التي تطبع ‏المدن الأردنية الأخرى، ولو أن حدّة الفروقات تعتبر أقل. إذ تنتشر اللامساواة التنموية داخل العاصمة وخارجها، ويظهر التباين نافراً من حيث حجم ‏الخدمات الحكومية العامة ونوعها.‏‏ إضافة إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في عدد من المناطق، وغياب المشاريع الاستثمارية عن مناطق وتركزها في المدن الأساسية وخصوصاً في بعض أحياء العاصمة.
ويكشف تقرير رسمي أصدره المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأردن، أن عدد الفقراء في ‏المدن الأردنية (الحضر) يزيد عن عدد الفقراء في مناطق الريف والبادية. ويلفت إلى أن 33.5% من ‏فقراء الأردن يتمركزون في مناطق جيوب الفقر (الريف والبادية)، فيما يشير التقرير إلى أن ‏نسبة فقراء المدن تبلغ 66.5% من العدد الإجمالي للفقراء.

الدعم بدلاً من التمكين ‏

بذا، أنتجت المناطق التي تفتقر لمقومات التنمية، فقراً مريعاً، ورفعت عدد بؤر الفقر الى ‏‏27 بؤرة، بلغ عدد سكانها 788 ألف فقير، يتلقون اليوم 12% من مجموع الدعم ‏الحكومي الموجه لمختلف السلع. ويشرح الخبير الاقتصادي محمد الخصاونة لـ "العربي الجديد" أن "المكارم الملكية والتدخلات الحكومية ‏المباشرة والآنية ساهمت في امتصاص الأثر التضخمي على الفئات المحدودة الدخل. واقع أدى إلى خفض نسبة الفقر من 17% الى 14.4%".
ويلفت الخصاونة إلى أن ‏"النتائج مقارنة بحجم التمويل المنفق لم تكن بالمستوى المأمول، لأنها انطلقت من مبدأ ‏الدعم بدلاً من التمكين. وغالباً ما كانت استفادة الأغنياء تفوق استفادة ‏الفقراء من السلع والخدمات المدعومة".
وتتوزع المناطق المهمشة والفقيرة في المملكة، ضمن ثلاثة أقاليم، وفق دائرة الإحصاءات العامة الأردنية. ويضم اقليم الشمال 14 منطقة فقيرة، بينما يضم اقليم الجنوب 11 منطقة فقيرة، ‏واقليم الوسط 7 مناطق فقيرة. وسجلت محافظة المفرق (شمال شرق الأردن) أعلى نسبة فقر بين المحافظات بحيث تضم 11 منطقة فقيرة، تليها محافظات معان والكرك والعقبة في الجنوب.
وتعاني هذه المناطق التي يعتمد معظم سكانها على الزراعة، من تدني مستوى المداخيل ‏السنوية بسبب ضعف حجم الملكية ومحدودية المساحات القابلة للاستثمار. إضافة الى ‏زيادة النمو السكاني الذي يأكل الرقعة الزراعية بشكل مضطرد.‏
‏واقع رفع من معدلات البطالة، التي سجلت أعلى نسبة خلال عام 2013 في مناطق ‏الطفيلة 17.1% تلتها مأدبا 16.2% ثم الكرك ومعان.
ويعزى سبب انعدام وجود مشاريع تتناسب والاحتياجات الفعلية لهذه المناطق حسب ‏رأي الخصاونة، الى "تركز الجهود التنموية على توفير خدمات البنية ‏التحتية. في حين أن بعض المشاريع يعاني من ضعف مقومات النجاح، بسبب عدم توافر المهارات المطلوبة في هذه المناطق، بالاضافة الى صغر بعض المناطق وتناثرها ما جعلها غير ‏جاذبة للاستثمار".‏

تطوير القدرات الاستراتيجية

وقد أطلقت الحكومة الأردنية خطة 2013 – 2016 لمكافحة الفقر، التي تهدف إلى تقليص الفوارق التنموية بين ‏المحافظات، وتوزيع مكتسبات التنمية على كافة مناطق المملكة. وتشير الخطة إلى "تمكين المجتمعات ‏المحلية من المشاركة في القرارالتنموي، وتحديد أولوياتها الاقتصادية. وتحقيق استدامة النمو ‏الاقتصادي الحقيقي بمعدلات تفوق معدل النمو السكاني، ليصل في عام 2016 الى ‏نسبة 4,5% وتخفيض معدلات البطالة الى 11%".
ويقول مصدر مطلع في وزارة التخطيط والتعاون الدولي لـ "العربي الجديد"، إن "الاستراتيجية ‏الوطنية لمكافحة الفقر، أوصت بضرورة اصلاح أنظمة الاستهداف ‏والتغطية والتأثير لكل من صندوق المعونة الوطنية وصندوق الزكاة، وتحسين القدرات ‏الاستراتيجية لهما".
ويلفت المصدر إلى "توسيع برامج العمل، واستحداث برامج جديدة تهدف الى ‏زيادة انتاجية الفقراء العاملين، وتحسين نطاق التأمين الاجتماعي، وتعزيز التنسيق ‏التشغيلي مع المؤسسات الحيوية". لكن وبحسب المصدر "الإشكالية ليست في التمويل، ‏فلدينا برامج ومبالغ مرصودة لمعالجة المشكلات، لكن التحدي يكمن في كفاءة توجيه ‏البرامج بشكل أمثل، واستغلال التمويل المتوفر".‏
ويقول رئيس المنتدى الاردني للتخطيط مراد كلالدة إنه ينظر للخريطة التنموية المعلنة من ‏زاوية أخرى، فـ "المراقب لبنود الخطة يدرك أن البلد يغرق بفعل أفكار بعيدة كل البعد ‏عن الممارسة التنموية الفضلى".
ويشرح كلالدة لـ "العربي الجديد": "هل يستقيم الوضع حينما نرى مدينة معان على سبيل ‏المثال (والموجودة في شرق الطريق الصحراوي)، حين يتم بناء جامعة الحسين في المنطقة ‏الغربية من نفس الطريق. أو أن تنشأ منطقة معان التنموية والمفصولة قانونياً ومكانياً ‏عن البلدية، وأن تعتمد إستراتيجية عمرانية تتناقض كلياً مع فكرة اعتماد مدينة ‏معان كمركز للنمو؟".
‏ويضيف كلالدة : "إن هذه المشاريع هي ضرب من التمييع ولا تعمل على التطوير التنموي. يجب ‏أن يتوقف هذا المسار، وأن يتم إلغاء قانون المناطق التنموية وقانون منطقة العقبة الاقتصادية ‏الخاصة". ويتابع "يجب أن يعاد تشكيل الخريطة العمرانية للأردن من قبل لجنة برئاسة رئيس الوزراء، معززة بفريق يضم خبراء في التخطيط الإقليمي والحضري ووزارة النقل صاحبة ‏الرؤية الاستراتيجية لمنظومة النقل العام ورؤساء البلديات المنتخبين وبعض النواب".‏

المساهمون