التغريبة في بلد الشوك والورد

التغريبة في بلد الشوك والورد

27 مايو 2016
تعرّض مئات آلاف اللبنانيين للتهجير والنزوح (Getty)
+ الخط -

وصف عدد من الرحالة المستشرقين لبنان بأنه بلد الشوك والورد، وهو وصف تم عشية الحرب الكونية الأولى عندما كانت البعثات التبشيرية تلقي مراسيها في مرفأ بيروت وتصعد نحو الجبال القريبة لتبني المدارس والمعاهد. وقد نشأت الدولة اللبنانية مع إشكاليات كبرى عبّر عنها أبناؤها بنظرتهم إلى دور وموقع وسياسة ونظام بلدهم، ثم اشتعلت المنطقة مع قيام المشروع الاستيطاني في فلسطين ونشوء دولة إسرائيل.

لم يستطع لبنان الذي شارك في حرب العام 1948 النجاة من حرائق الحروب اللاحقة، وبالأخص حرب العام 1967 التي ابتعد عن المشاركة فيها، لكنها أرسلت إليه عدة عشرات من الألوف الإضافية من اللاجئين والفدائيين الفلسطينيين. بعد سنوات تحوّل ثقل القضية الى جباله ومنحدراته.

قبل ذلك شهد الأردن في العام 1970 الأحداث المعروفة، وفي العام 1973 انفردت مصر بعد حرب تشرين بصلح منفرد ومعاهدة كامب ديفيد، وأدركت سورية أن زمن الحروب العربية قد انتهى بخروج مصر من حلبة الصراع، فجعلت من لبنان مسرحاً لحرب مواربة أو بالواسطة، وعملت بمختلف الوسائل على مصادرة قراره وقرار منظمة التحرير معاً. يضاف الى ذلك إعاقات النظام اللبناني على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والهوة الكبرى بين المدن والأرياف واختلاف اللبنانيين حول كل شيء بدءاً من أصولهم إلى التعاطي مع العامل الفلسطيني بعد توقيع اتفاق القاهرة عام 1969 ... والحصيلة كانت انفجار الحرب التي يجري التأريخ لاندلاعها في 13 إبريل/ نيسان 1975.

تواصلت الحرب طوال السنوات الممتدة من العام 1975 حتى العام 1990 مع توقيع اتفاق الطائف مع ما تضمنه من إصلاحات تشريعية وتعديلات على توازن السلطات وصلاحياتها. لكن في غضون 15 عاماً من الحرب التي جابت مختلف ربوع البلاد مضافاً إليها الحروب الإسرائيلية تتويجاً بالاجتياح الأكبر عام 1982 والذي بلغ حدود احتلال العاصمة بيروت، وما تلاها كانت له نتائجه التهجيرية. فوسط طوفان الحمم تعرض مئات آلاف اللبنانيين للتهجير والنزوح. اللاجئون اللبنانيون يشغلون المرتبة الأولى عربياً بعد المحنة الفلسطينية. لكن الثقل الذي تسبب به هذا اللجوء كان مخففاً لأسباب كثيرة، منها أن اللبنانيين ومنذ حوالى القرن ونصف القرن كانوا قد ألفوا الهجرة إلى المغتربات. وعندما غادرت العائلات إلى قبرص ومنها نحو الأميركيتين وأستراليا وأفريقيا كانوا يصلون إلى منازل أقارب لهم من الأصول أو الفروع. وهكذا استقر هؤلاء في تلك الدول بعد أن حصلوا على مساعدة من أقاربهم، كما أن كثيرين منهم حملوا معهم موجوداتهم، وتمكنوا من تأسيس أعمال تجارية أو صناعية في بلدان المقصد.

لم تبد مشكلة اللجوء من لبنان ضاغطة بالنظر إلى ما ذكرناه، وإلى أن حجم اللاجئين لم يزد عن ثلث السكان (أقل من مليون نسمة بقليل) وقد تفرقوا على مختلف القارات.

*أستاذ جامعي


المساهمون