التعديلات الدستورية في موريتانيا: ما لا يحصلُ إلّا عنوةً

التعديلات الدستورية في موريتانيا: ما لا يحصلُ إلّا عنوةً

27 ابريل 2017
(في نواكشوط، تصوير: ميشيل فاي)
+ الخط -

التعديلات الدستورية المقترحة الآن في موريتانيا، هي أساسًا: تغيير العلم والنشيد الوطنييْن، وإلغاء غرفة مجلس الشيوخ. وقد جاءت نتيجةً لفاعليات أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في قصر المؤتمرات، والتي أقيمت تحت عنوان "الحوار الشامل" برعايةٍ من السلطة الرسمية، وقاطعتها قوى المعارضة ممثلةً في المنتدى والتكتل.

كان يتوقع أنّ يُحتّم تصويت الشيوخ يوم 17 مارس/ آذار الماضي، إلغاء مشروع التعديلات، ما دام لم يلقَ تمريرًا برلمانيًا. وجاء تصويت الشيوخ، بعد أسبوعٍ تقريباً من تصويت النوّاب، بأغلبيّةٍ ساحقة، هي 33 من أصل 56 شيخًا. ولكن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، والذي كانت نسبة الـ33 هذه من الأغلبية الداعمة لنظامه، قرّر المضي قدماً في إجراء التعديلات الدستوريّة، كما أعلن في مؤتمرٍ صحافيّ سابق، متكئًا هذه المرّة على آراءٍ لبعض الخبراء الدستوريين غير المُعينين، تُجيز إجراء استفتاءٍ شعبيّ استناداً للمادة 38 من الدستور الموريتاني التي ترى أنّ "لرئيس الجمهورية أن يستشير الشعب في كلّ قضيةٍ ذات أهمية وطنية". وعلى الرغم من اعتراض عددٍ من القانونين والفاعلين السياسيين الموريتانيين على ذلك، معتبرينَ إيّاهُ تعديًّا صارخًا على القانون، نظراً لعدم سماح البرلمان بمرور المشروع مبدئيًا، إلّا أنّ السلطات الموريتانية تابعت إصرارها على إجراء الاستفتاء الشعبيّ، وتأكّد ذلك منذ إعلان الحكومة، في مجلسها الوزاريّ يوم الخميس الماضي، تنظيم الاستفتاء بتاريخ 15 يوليو/ تمّوز المقبل.


الواقع حين يتأزّم
خلّف اقتراحُ التعديلات الدستوريّة، ضجّة هائلة، ليس فقط على المستوى الرسميّ، وإنمّا أيضاً على المستوى الشعبيّ. ففي حين يرى المعارضون لهذه الاقتراحات أنها ثانويّةً ونافلة، فإنّ المؤيدين لها يرون فيها إصلاحًا دستوريًا حان وقتُ تجسيده. وبوصف الاقتراحات أبرز موضوعٍ مُقدّم حاليًا للنقاش في موريتانيا، فقد كسبت تبريراتها الرسميّة تناولًا عامًّا، جعل منها قضيّة رأيٍ عام اختُلفَ في نقاشها. فالسلطات تبرر التعديلات المقترحة، بالنسبة للعَلم والنشيد الوطنيين، بوصفها إعادةَ اعتبارٍ للمقاومين الذي وقفوا في وجه فرنسا، وتقديرًا لتضحياتهم التي بذلوها في سبيل استقلال الوطن.

أمّا بخصوص مجلس الشيوخ، والذي كان قد نشأ في عام 1991، فقد برّرت هذه السلطات اقتراحَ إلغائه بالقول إنه يُكلّف الميزانية أموالاً طائلة، من دون أن يحقق شيئًا مفيدًا، لذلك رأوا وجوب استبداله بمجالسٍ جهويّة محليّة، اعتبرتها السلطات أكثر قرباً من المواطن، وأقدر على تحقيق عملية التنمية.

في مقاربةٍ للمشهد، يرى الباحث الموريتاني بجامعة أريزونا، أبو العباس أبرهام، في حديثه إلى "جيل" أن الأمور تتجه إلى إقامة الاستفتاء حول التعديلات "لارتباطه بماء وجه النظام وبإعادة الهيبة لرئيس الدولة بعد انهزام رغباته السياسية مؤخراً وتقلقل أغلبيته السياسية، وربما تشرذمها في معركة الوراثة.


للاستفتاء تكاليف مالية ليس النظام، باعتباره مغادرًا بعد سنتين، مهتمًا بها. وفي المقابل يمكنه تمرير نتيجة مرغوبة لديه، خصوصًا أن هنالك تاريخًا في الانتخابات المشبهة، وبالأخص في 2009 و2014 الباهتة، والتي ربما جرت فيها زيادة نسبة المشاركة.

ويرجّح أبرهام أن "مجلس الشيوخ قد يتحول إلى تشكيلٍ سياسي معارض، وسيُهدي له الاستفتاء القضية المتمثلة في الدفاع عن المؤسسات الديمقراطية التاريخية في البلد، وعن السلطة التشريعية الوحيدة التي لا يمكن لرئيس الجمهورية أن يحلّها؛ وبالتالي الجهاز الدستوري الوحيد الممثل لتوازن القوى مع المؤسسة التنفيذية" مُشيراً بذلك إلى ما يُتداول عند قوى المعارضة من أنّ قرار إلغاء مجلس الشيوخ هو محاولة رسميّة خفية لتوسيع صلاحيات الرئيس، وموضحًا أنّ "الأمر يتعلق بإنتاج نظامٍ رئاسي مهيمن".

ويضيف أبرهام أنه "على المستوى الاجتماعي من الأرجح أن الأمور لن تصل إلى مستوىً درامي، كما يحللُ بعض المعارضة. إلّا أن الواضح أن العلم الموريتاني التقليدي هو أكثر إجماعي وطني، وبالتالي سيتم استبداله برمزٍ خلافي وتدمير مقامٍ آخر من مقامات الإجماع السياسي، وهذا ربما يفتح معارك رمزية جديدة، لا يبدو النظام مهتماً بها، وإنما هو مهتم بحفظ ماء وجهه بعد فشل محاولته تمرير إرادته عبر الوسائل الدستورية".


من الواضح أنّ هذا الجدل حول التعديلات الدستورية قد بدأ يأخذُ انعكاساتٍ إعلامية واجتماعية قويّة، جعلت منه حديث الساعة الأول، خاصّة مع التجهيزات، المالية والقبليّة، التي قامت بها السلطات مؤخراً من أجل إنجاح الاستفتاء المرتقب في 15 يوليو/ تمّوز. وقد كشفت مصادر خاصة لـ"جيل" أن السلطات الموريتانية طلبت من بعض القانونين المبرزين تقديم استشارةٍ مكتوبة تنص على شرعية استخدام المادة 38 من الدستور، ولكنهم تمّلصوا جميعاً من هذا الطلب الموّجه، الأمرُ الذي اضطرّها، بحسب المصادر، لاستدعاء خبير قانونيّ من دولة بنين غرب أفريقيا. وتتأكّد هذه النقطة أساسًا في ظل مطالبات بعض القانونين المعارضين للسلطة بالكشف عن استشارة قانونية مكتوبة، وهو ما لم تستجب له حتى الآن.


هكذا تكلّم أحد الشيوخ
التفى "جيل" بالشيخ البرلماني، عن مقاطعة بوتلميت، القطب ولد محمد مولود، وناقش معه عدداً من القضايا المرتبطة بالجدل السياسي والقانوني والدستوريّ الجاري حالياً بالبلاد، وقد ردّ الشيخ على سؤالٍ حولَ: مدى قانونية اللجوء للمادة 38 بعد عرقلة مجلس الشيوخ لتمرير التعديل؟ بالقول إنّ: "اللجوء إلى المادة 38 تعسفٌ وتشبث بخلافِ صريح النص الدستوري، لأن التعديلات الدستورية عندها بابٌ خاصٌ بها، وهو الباب الحادي عشر. لذلك فالحديث عن اللجوء لهذه المادة خطيرٌ جداً، وسيتسبّب في التلاعب بالقوانين".

يتساءل الشيخ القطب: "لماذا الإصرار على إلغاء مجلس الشيوخ؟". ويردُّ: "بالنسبة لي، فإنّ ذلك نوعٌ من البحث عن سبيل لغير المُسمّى والمستتر، وهو الولاية الثالثة للرئيس، لأن مجلس الشيوخ هو الغرفة التي لا يتسطيع رئيس الجمهورية حلّها، وهي الغرفة التي تمثل توازنًا، كما أنها تمثل جميع مقاطعات البلد بشكلٍ فعليّ يحقق التنمية. كما أن المجالس الجهوية هي مجالس تابعة للسلطة التنفيذية ومعنية بالتنمية المحلية، وكان يكفي قانون إجرائيّ لتنظيمها، وهذا ما أشارت إليه المادة 98 من دستور يوليو 1991، لذلك فهي لا تحتاجُ، في إقامتها، لتغييرٍ دستوريّ، وربطها بمجلس الشيوخ عبارة عن مغالطة، لأنها غير مرتبطة به أصلًا".

ويختم الشيخ المنتمي لحزب تواصل الإسلاميّ: "لستُ مع من يقولون بأنّ مجلس شيوخٍ غير مفيد، أو إنه مكلف مادياً. فنفقات عدد من الأحزاب الثانوية ذات الضرر البالغ مثلاً أكبرُ من نفقات مجلس الشيوخ، وهو يكلّف ميزانية الدولة أقلّ من 1% من الألف. والضروريّ جداً هنا، ليس إلغاء غرفة مهمة تشريعيًا كمجلس الشيوخ، وإنما هو تخفيف نفقات بعض المؤسسات غير المهمة والقضاء على داء الفساد المستشري بقوة داخل مؤسساتنا الرسمية".


هل يسعى الرئيس للبقاء في السلطة؟
يقدم التفسير السياسيّ المعارض لهذه التعديلات، والذي يركز على مقاصدها السلطويّة الخفيّة، مؤشراتٍ على محاولة ولد عبد العزيز البقاء من خلالها في الحكم لولايةٍ ثالثة، حين انتهاء ولايته الثانية والأخيرة في عام 2019؛ ويشير أصحاب هذا التفسير بريبة إلى النقاش الداخليّ الذي دار أيام "الحوار" حول زيادة عدد المأموريات الرئاسيّة، وما زالت أصداؤه تؤرق غالبية المهتمين بالشأن العام الموريتاني.

ويبدو ما بعد الاستفتاء غامضًا جدًا؛ وهذا ما يؤكدُ عليه الباحث أبرهام بقوله: "من الصعب التكهن بما تعزمُ عليه السطات الحاكمة في موريتانيا، بسبب النزوات والطابع الارتجالي الذي دأبت عليه". مُضيفاً: "من الواضع أن الاستفتاء المُقترح سيتطلب استفتاءً آخر لتنظيف الدستور من المواد المترتبة على مجلس الشيوخ. ويُعتقد أنّ الإلغاء الشامل للدستور سيكون ثغرةً يُحاول النظام التمديد لنفسِه من داخلها بطريقةٍ أو أخرى. هذا معقول؛ ولكنه لم يتجلَّ بعد".

ما لم يُنظّم هذا الاستفتاء، المُعارض قانونياً وسياسياً بشدّة، فلا يمكنُ التنبؤ بمآلات الساحة السياسية الموريتانيّة القلقة، وخصوصًا من زاوية التمديد الرئاسيّ الذي بات يثير مخاوفَ عددٍ لا بأس به من الموريتانيين. فعلى الرغم من تأكيد محمد ولد عبد العزيز مغادرته للسلطة في 2019 عند انتهاء ولايته، إلّا أنّ القوى السياسة المعارضة لا تطمئنُ لتأكيده هذا، مُذكرةً في ذلك الصدد بمسألتين تراهما مانعاً لمنح الثقة: نقضه وعوده في ما سبق من سنوات حكمه، وانقلابه العسكري 2009.

المساهمون