بخلاف وحدة الموقف والفعل الميداني، وتناغم الجماهير الثائرة في شعاراتها التي صبغت الشكل العام لمسيرات العودة وكسر الحصار، فإن التعاطي الإعلامي الإقليمي والدولي والإسرائيلي تمايز سواء من ناحية الشكل أو المضمون، بما ينسجم مع رؤية كل طرف للقضية الفلسطينية، والحالة النضالية الجديدة ممثلة بمسيرات العودة بطابعها السلمي على المنطقة شرقي قطاع غزة، وما نقصده بالإعلام الدولي بالتحديد هو الإعلام الأميركي والأوروبي المهتم أكثر بالقضية الفلسطينية والمنطقة من أي أطراف دولية أخرى، بحكم اهتمامها بدولة الكيان ولمصالح أخرى في المنطقة، والإعلام الدولي ليس كتلة مصمتة يعبر في إعلامه بلغة واحدة، فالدول الأوروبية لا تنطلق من رؤية مشتركة في نظرتها للقضية الفلسطينية، ولا الإعلام العربي المفترض أن يكون له موقف مساند موحد في توصيفه الإعلامي، فهناك الإعلام الرسمي التابع للأنظمة، وغير الرسمي المعارض في المنافي والشتات.
أولاً: الإعلام الإسرائيلي
يتحول الإعلام الإسرائيلي من حياديته النسبية في مخاطبته للجمهور الإسرائيلي إلى أداة وظيفية عندما يتعلق الأمر بالصراع ببعده الفلسطيني أو العربي أو الإسلامي، فالإعلام الإسرائيلي في تعامله مع الشعب الفلسطيني وكل ما يتعلق بحركته الوطنية يتحول إلى أداة مكملة لأدوات الحرب الأخرى العسكرية والسياسية والنفسية، وينسحب هذا على مسيرات العودة كنمط نضالي مقاوم أبدعه الشعب الفلسطيني، ومنذ اليوم الأول لمسيرات العودة وحتى قبلها بأسابيع تجند الإعلام الإسرائيلي الى جانب الجيش الإسرائيلي وأجهزته الأمنية بما يخدم هدف المعركة، وفي بعض الأحيان فرضت القيادة السياسية توجيهاتها على وسائل الإعلام في ما يخص مسيرات العودة في سياق حسابات داخلية حزبية بحتة والصراع بين اليمين، واليمين الديني الاستيطاني الأشد تطرفاً.
لجأ الإعلام الإسرائيلي الى سرد رواية تشوه حقيقة الحراك الشعبي، وتشكك في دوافعه، وتستهدف الروح المعنوية للجماهير المشاركة ومن خلفة الحاضنة الشعبية، والتغطية على جرائم القتل أمام الرأي العام الدولي من خلال عدة أساليب:
- نزع صفة الجماهيرية عن حراك مسيرات العودة، واختزاله في مساريب الحزبية، على اعتبار أن حركة حماس بعناصرها هي من تتصدر الحراك، مع بعض الفصائل الثانوية الأخرى، بينما الجماهير الفلسطينية تنأى بنفسها خوفاً أو قناعةً.
- خلط الأوراق بتشوية الحالة السلمية والصورة الجماهيرية، والادعاء بعسكرية الحراك، وليس المشاركين سوى مجموعة من أعضاء الجهاز العسكري لحركة حماس والجهاد الإسلامي وفصائل أخرى بلباس مدني.
- إقحام إيران وحزب الله في توصيف الحراك الجماهيري وأهدافه، وتكرار أن أوامر من الحرس الثوري الإيراني للفصائل بإحداث حالة اشتباك مع إسرائيل خدمة للأهداف الإيرانية الجيوستراتيجية.
- تقديم أرقام واحصائيات دورية مضلله عن أعداد الجماهير المشاركة أيام الجمعة، ومحاولة الإيحاء بتراجع الاعداد، وانخفاض في مستوى الفعاليات السلمية بأشكالها المختلفة.
- خلق انطباع بان الجماهير تتحرك باتجاه الحدود لاختراقها لاستهداف القاطنين السلميين اليهود في مناطق غلاف غزة والتعدي على سيادة دولة أخرى هي إسرائيل.
- تجاهل معاناة مليوني فلسطيني محاصرين في بقعة جغرافية ضيقة منذ حوالي عقد، وإبراز تأثير الأطباق الطائرة والبالونات الحارقة والعبوات الصوتية على مستوى حياة الإسرائيليين على جانب الآخر من السلك الشائك.
وقد حظيت وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد باهتمام خاص من أبواق الإعلام الإسرائيلية كأداة لاستهداف الروح المعنوية وزعزعة ثقة الجماهير في سياقات وأهداف مسيرات العودة، وقد تصدر هذه الحملة الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، وما يسمى بمنسق شؤون المناطق، ووزراء في حكومة نتنياهو، وبعض القادة الأمنيين والعسكريين السابقين، وبرز من هؤلاء الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي الذي ضمن دعايته آيات قرآنية وأحاديث نبوية وأمثالا شعبية، والمتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي أوفير جندلمان الذي استخدم مصطلحات ذات صبغة تاريخية إسلامية عندما استدل من القرآن الكريم وبطريقة عبثية بأن المشاركين في مسيرات العودة هم من "الخوارج"، أما الوزير في حكومة نتنياهو قبل استقالته ليبرمان فقد انضم إلى الدعاية الإعلامية من خلال تغريداته باللغة العربية على تويتر التي تمحورت حسب زعمه على خداع واستغلال حركة حماس الجماهير لتحقيق مصالحها الحزبية، وقد ابتكر رئيس جهاز الشاباك السابق آفي دختر وسيلة إعلامية خاصة به عندما نشر مقطع فيديو على اليوتيوب باللغة العربية بمحتوى مبتذل لتحريض الجمهور الفلسطيني عن الإعراض عن المشاركة في مسيرات العودة.
ثانياً: الإعلام العربي
انقسم الإعلام العربي في تعاطيه مع مسيرات العودة بين إعلام متفاعل من منطلقات وطنية أو قومية أو إسلامية، وإعلام فاتر لا تتمايز تغطيته عن أن أي إعلام في دولة خارج السياق العربي أو الإسلامي، وعليه اختلفت التغطية كماً ونوعاً وفقا لهذا التقسيم، وقد مثل وسائل الإعلام المتفاعل؛ بعض وسائل الإعلام الرسمية القليلة، ووسائل الإعلام المعارضة سواء في المنافي أو في بعض الدول العربية التي تعطي هامشاً من الحرية في وسائل الإعلام، وهي بذلك تقاطعت مع وسائل إعلام فلسطينية محلية في حماستها للتعاطي بإيجابية مع مسيرات العودة.
أما الاعلام الرسمي العربي، وغير الرسمي الممول الذي يمثل أنظمة تقليدية محافظة مثل (السعودية والإمارات) أو إعلام الثورات المضادة والانقلابات (مصر)، فكانت تغطيته خاضعة لضوابط صارمة محكومة باعتبارات ذات أبعاد أمنية وسياسية، فهذه الأنظمة ترى في حركة حماس وقطاع غزة خصماً أو حتى عدواً، باعتبار الحركة امتدادا لحركات الإسلام السياسي العدو الاستراتيجي لهذه الأنظمة، وأي إنجاز لقطاع غزة حتى ولو في سياقه الوطني يبعث برسالة تشجيع وبارقة أمل للإسلام السياسي، كما أن أنظمة الثورات المضادة تتوجس من حركة الشعوب العربية التي ما زالت تتنسم عبق الربيع العربي الذي انطلق عام 2011، والشعوب العربية الرازحة تحت قبضة الأنظمة الثقيلة تهفو قلوبها الي قضية العرب الأولى، وإلى دولة العدو الإسرائيلي المارقة، تستلهم من شعبها المحاصر المقاوم بأدواته البسيطة القوة والثقة، والوقوف في وجه الظلم والثورة على الاستبداد.
ثالثاً: الإعلام الدولي
لم يتجاوز الإعلام الغربي بشكلٍ عام نظرته الإعلامية لأحداث مسيرات العودة، والتغطية الإعلامية التقليدية عن القضية الفلسطينية، وقد تراوحت بين العداء البارز بما ينسجم مع رؤية اللوبيات الصهيونية المنتشرة في الولايات المتحدة وعموم القارة الأوروبية ونفوذها الإعلامي الصارخ، وبين التجاهل والنظر في بعض الأحيان من منطلقات إنسانية وحقوقية بحتة مع تجاوز الأبعاد السياسية عمداً أو سهواً، وبين تغطية متعاطفة وقريبة إلى الواقع وهي الاستثناء في ذلك.
ولكن لا بد من الإشارة بشكلٍ عام إلى حجم التفاعل الإعلامي الكبير على المستوى الدولي مع بعض أحداث بارزة لمسيرات العودة بغض النظر عن المحتوى، خاصة الجمعة الأولى لانطلاق مسيرات العودة في 30 مارس/آذار، وفي يوم الاحتفال بنقل السفارة الأميركية إلى القدس في اعتراف أميركي بيهودية القدس كعاصمة لإسرائيل يوم 14 مايو/آيار، وهذه التغطية بحد ذاتها تصب في خانة مكاسب القضية الفلسطينية، لأن مجرد طرح القضية الفلسطينية وإبراز بعض معاناة الشعب الفلسطيني وحالة الحصار هو أمر إيجابي في سياق مخططات تصفية القضية الفلسطينية ومحاولات طمس هوية الشعب الفلسطيني وتغييب حقوقه.
وقد حظيت قصة المسعفة رزان النجار التي قتلت بنيران قناص إسرائيلي في الأول من يونيو/ حزيران 2018 شرقي منطقة خان يونس بتغطية إنسانية واسعة ليس في الإعلام الغربي فقط بل الإعلام الدولي بشكلٍ عام، وهو مثال على التغطية الموسمية ومن البوابة الإنسانية، فقد غطت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية الحدث أكثر من مرة وقامت بإجراء تحقيق نشرته في ديسمبر/ كانون الأول 2018، مع أن هناك عشرات القصص لأطفال ونساء وإعلاميين قتلوا بنيران القناصة بما لا يحتاج لتحقيقات كلها تصنف ضمن انتهاكات للقانون الدولي وربما جرائم حرب، إلا أنها لم تجد لها مكاناً في التغطية الإعلامية الغربية.
شكلت وسائل الإعلام المعادية، والمتجاهلة مع استبطان التشكيك وخلط الأوراق وتقديم صورة مشوشة، غالبية وسائل الإعلام الغربية، ومن نافل الحديث الخوض في تغطية وسائل الإعلام المعادية أمثال فوكس نيوز الأميركية أو تايمز، والصن البريطانية لأنها تتقاطع مع تغطية وسائل إعلام الاحتلال مع بعض التباينات الشكلية، أما وسائل الإعلام المتجاهلة فتتناول أحداث أو منعطفات موسمية خاصة بالمسألة الفلسطينية فرضت نفسها على العالم وعلى وسائل الإعلام العالمية يصعب معها تجاهلها، في الغالب فإن الجانب الإنساني حظي بالأولوية مع بعض الإضافات السياسية المتكلفة من باب إضفاء نوع من الموضوعية المصطنعة، وبالإضافة إلى نمط التجاهل فإن صيغا مشوشة بمصطلحات مضللة تتكاثر في المضمون بحيث تخرج الحدث من سياقه الطبيعي، من قبيل الإشارة إلى سقوط قتلى في اشتباكات أو مواجهات في إيحاء بوجود طرفين متكافئين بشرياً وتسليحياً مع اعتماد صيغة المبني للمجهول وكأن القاتل غير معروف أو أن القتلة من الطرفين، كذلك استخدام مصطلح "على الحدود" في إشارة الى كيانين أو دولتين بسيادة كما هو متعارف عليه في القانون الدولي وليس دولة محتلة وأقل من كيان واقع تحت الاحتلال.
أولاً: الإعلام الإسرائيلي
يتحول الإعلام الإسرائيلي من حياديته النسبية في مخاطبته للجمهور الإسرائيلي إلى أداة وظيفية عندما يتعلق الأمر بالصراع ببعده الفلسطيني أو العربي أو الإسلامي، فالإعلام الإسرائيلي في تعامله مع الشعب الفلسطيني وكل ما يتعلق بحركته الوطنية يتحول إلى أداة مكملة لأدوات الحرب الأخرى العسكرية والسياسية والنفسية، وينسحب هذا على مسيرات العودة كنمط نضالي مقاوم أبدعه الشعب الفلسطيني، ومنذ اليوم الأول لمسيرات العودة وحتى قبلها بأسابيع تجند الإعلام الإسرائيلي الى جانب الجيش الإسرائيلي وأجهزته الأمنية بما يخدم هدف المعركة، وفي بعض الأحيان فرضت القيادة السياسية توجيهاتها على وسائل الإعلام في ما يخص مسيرات العودة في سياق حسابات داخلية حزبية بحتة والصراع بين اليمين، واليمين الديني الاستيطاني الأشد تطرفاً.
لجأ الإعلام الإسرائيلي الى سرد رواية تشوه حقيقة الحراك الشعبي، وتشكك في دوافعه، وتستهدف الروح المعنوية للجماهير المشاركة ومن خلفة الحاضنة الشعبية، والتغطية على جرائم القتل أمام الرأي العام الدولي من خلال عدة أساليب:
- نزع صفة الجماهيرية عن حراك مسيرات العودة، واختزاله في مساريب الحزبية، على اعتبار أن حركة حماس بعناصرها هي من تتصدر الحراك، مع بعض الفصائل الثانوية الأخرى، بينما الجماهير الفلسطينية تنأى بنفسها خوفاً أو قناعةً.
- خلط الأوراق بتشوية الحالة السلمية والصورة الجماهيرية، والادعاء بعسكرية الحراك، وليس المشاركين سوى مجموعة من أعضاء الجهاز العسكري لحركة حماس والجهاد الإسلامي وفصائل أخرى بلباس مدني.
- إقحام إيران وحزب الله في توصيف الحراك الجماهيري وأهدافه، وتكرار أن أوامر من الحرس الثوري الإيراني للفصائل بإحداث حالة اشتباك مع إسرائيل خدمة للأهداف الإيرانية الجيوستراتيجية.
- تقديم أرقام واحصائيات دورية مضلله عن أعداد الجماهير المشاركة أيام الجمعة، ومحاولة الإيحاء بتراجع الاعداد، وانخفاض في مستوى الفعاليات السلمية بأشكالها المختلفة.
- خلق انطباع بان الجماهير تتحرك باتجاه الحدود لاختراقها لاستهداف القاطنين السلميين اليهود في مناطق غلاف غزة والتعدي على سيادة دولة أخرى هي إسرائيل.
- تجاهل معاناة مليوني فلسطيني محاصرين في بقعة جغرافية ضيقة منذ حوالي عقد، وإبراز تأثير الأطباق الطائرة والبالونات الحارقة والعبوات الصوتية على مستوى حياة الإسرائيليين على جانب الآخر من السلك الشائك.
وقد حظيت وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد باهتمام خاص من أبواق الإعلام الإسرائيلية كأداة لاستهداف الروح المعنوية وزعزعة ثقة الجماهير في سياقات وأهداف مسيرات العودة، وقد تصدر هذه الحملة الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، وما يسمى بمنسق شؤون المناطق، ووزراء في حكومة نتنياهو، وبعض القادة الأمنيين والعسكريين السابقين، وبرز من هؤلاء الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي الذي ضمن دعايته آيات قرآنية وأحاديث نبوية وأمثالا شعبية، والمتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي أوفير جندلمان الذي استخدم مصطلحات ذات صبغة تاريخية إسلامية عندما استدل من القرآن الكريم وبطريقة عبثية بأن المشاركين في مسيرات العودة هم من "الخوارج"، أما الوزير في حكومة نتنياهو قبل استقالته ليبرمان فقد انضم إلى الدعاية الإعلامية من خلال تغريداته باللغة العربية على تويتر التي تمحورت حسب زعمه على خداع واستغلال حركة حماس الجماهير لتحقيق مصالحها الحزبية، وقد ابتكر رئيس جهاز الشاباك السابق آفي دختر وسيلة إعلامية خاصة به عندما نشر مقطع فيديو على اليوتيوب باللغة العربية بمحتوى مبتذل لتحريض الجمهور الفلسطيني عن الإعراض عن المشاركة في مسيرات العودة.
ثانياً: الإعلام العربي
انقسم الإعلام العربي في تعاطيه مع مسيرات العودة بين إعلام متفاعل من منطلقات وطنية أو قومية أو إسلامية، وإعلام فاتر لا تتمايز تغطيته عن أن أي إعلام في دولة خارج السياق العربي أو الإسلامي، وعليه اختلفت التغطية كماً ونوعاً وفقا لهذا التقسيم، وقد مثل وسائل الإعلام المتفاعل؛ بعض وسائل الإعلام الرسمية القليلة، ووسائل الإعلام المعارضة سواء في المنافي أو في بعض الدول العربية التي تعطي هامشاً من الحرية في وسائل الإعلام، وهي بذلك تقاطعت مع وسائل إعلام فلسطينية محلية في حماستها للتعاطي بإيجابية مع مسيرات العودة.
أما الاعلام الرسمي العربي، وغير الرسمي الممول الذي يمثل أنظمة تقليدية محافظة مثل (السعودية والإمارات) أو إعلام الثورات المضادة والانقلابات (مصر)، فكانت تغطيته خاضعة لضوابط صارمة محكومة باعتبارات ذات أبعاد أمنية وسياسية، فهذه الأنظمة ترى في حركة حماس وقطاع غزة خصماً أو حتى عدواً، باعتبار الحركة امتدادا لحركات الإسلام السياسي العدو الاستراتيجي لهذه الأنظمة، وأي إنجاز لقطاع غزة حتى ولو في سياقه الوطني يبعث برسالة تشجيع وبارقة أمل للإسلام السياسي، كما أن أنظمة الثورات المضادة تتوجس من حركة الشعوب العربية التي ما زالت تتنسم عبق الربيع العربي الذي انطلق عام 2011، والشعوب العربية الرازحة تحت قبضة الأنظمة الثقيلة تهفو قلوبها الي قضية العرب الأولى، وإلى دولة العدو الإسرائيلي المارقة، تستلهم من شعبها المحاصر المقاوم بأدواته البسيطة القوة والثقة، والوقوف في وجه الظلم والثورة على الاستبداد.
ثالثاً: الإعلام الدولي
لم يتجاوز الإعلام الغربي بشكلٍ عام نظرته الإعلامية لأحداث مسيرات العودة، والتغطية الإعلامية التقليدية عن القضية الفلسطينية، وقد تراوحت بين العداء البارز بما ينسجم مع رؤية اللوبيات الصهيونية المنتشرة في الولايات المتحدة وعموم القارة الأوروبية ونفوذها الإعلامي الصارخ، وبين التجاهل والنظر في بعض الأحيان من منطلقات إنسانية وحقوقية بحتة مع تجاوز الأبعاد السياسية عمداً أو سهواً، وبين تغطية متعاطفة وقريبة إلى الواقع وهي الاستثناء في ذلك.
ولكن لا بد من الإشارة بشكلٍ عام إلى حجم التفاعل الإعلامي الكبير على المستوى الدولي مع بعض أحداث بارزة لمسيرات العودة بغض النظر عن المحتوى، خاصة الجمعة الأولى لانطلاق مسيرات العودة في 30 مارس/آذار، وفي يوم الاحتفال بنقل السفارة الأميركية إلى القدس في اعتراف أميركي بيهودية القدس كعاصمة لإسرائيل يوم 14 مايو/آيار، وهذه التغطية بحد ذاتها تصب في خانة مكاسب القضية الفلسطينية، لأن مجرد طرح القضية الفلسطينية وإبراز بعض معاناة الشعب الفلسطيني وحالة الحصار هو أمر إيجابي في سياق مخططات تصفية القضية الفلسطينية ومحاولات طمس هوية الشعب الفلسطيني وتغييب حقوقه.
وقد حظيت قصة المسعفة رزان النجار التي قتلت بنيران قناص إسرائيلي في الأول من يونيو/ حزيران 2018 شرقي منطقة خان يونس بتغطية إنسانية واسعة ليس في الإعلام الغربي فقط بل الإعلام الدولي بشكلٍ عام، وهو مثال على التغطية الموسمية ومن البوابة الإنسانية، فقد غطت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية الحدث أكثر من مرة وقامت بإجراء تحقيق نشرته في ديسمبر/ كانون الأول 2018، مع أن هناك عشرات القصص لأطفال ونساء وإعلاميين قتلوا بنيران القناصة بما لا يحتاج لتحقيقات كلها تصنف ضمن انتهاكات للقانون الدولي وربما جرائم حرب، إلا أنها لم تجد لها مكاناً في التغطية الإعلامية الغربية.
شكلت وسائل الإعلام المعادية، والمتجاهلة مع استبطان التشكيك وخلط الأوراق وتقديم صورة مشوشة، غالبية وسائل الإعلام الغربية، ومن نافل الحديث الخوض في تغطية وسائل الإعلام المعادية أمثال فوكس نيوز الأميركية أو تايمز، والصن البريطانية لأنها تتقاطع مع تغطية وسائل إعلام الاحتلال مع بعض التباينات الشكلية، أما وسائل الإعلام المتجاهلة فتتناول أحداث أو منعطفات موسمية خاصة بالمسألة الفلسطينية فرضت نفسها على العالم وعلى وسائل الإعلام العالمية يصعب معها تجاهلها، في الغالب فإن الجانب الإنساني حظي بالأولوية مع بعض الإضافات السياسية المتكلفة من باب إضفاء نوع من الموضوعية المصطنعة، وبالإضافة إلى نمط التجاهل فإن صيغا مشوشة بمصطلحات مضللة تتكاثر في المضمون بحيث تخرج الحدث من سياقه الطبيعي، من قبيل الإشارة إلى سقوط قتلى في اشتباكات أو مواجهات في إيحاء بوجود طرفين متكافئين بشرياً وتسليحياً مع اعتماد صيغة المبني للمجهول وكأن القاتل غير معروف أو أن القتلة من الطرفين، كذلك استخدام مصطلح "على الحدود" في إشارة الى كيانين أو دولتين بسيادة كما هو متعارف عليه في القانون الدولي وليس دولة محتلة وأقل من كيان واقع تحت الاحتلال.