التطرف اليميني الغربي: إرهاب بربطات عنق

التطرف اليميني الغربي: إرهاب بربطات عنق

17 مارس 2019
من تظاهرة لمتطرفين يمينيين في هانوفر الألمانية (Getty)
+ الخط -
منذ عام 2015 والخطاب اليميني المتطرف في الغرب يسير في منحى تصاعدي خطير، يتجاوز خطاب الكراهية اللفظية، بالذهاب إلى التحريض على الهجوم على المهاجرين والمسلمين وحتى على غربيين يعارضون الفاشية الجديدة بتهمة "الخيانة". وأخطر ما ولّدته خطابات هذا التيار، المنتشر حتى في دول الشمال الأوروبي، ذهابها إلى اعتبار وجودها مشروعاً، عبر التدرب شبه العسكري، الأقرب لمليشيات تنسق في ما بينها، وتستلهم أعمالاً تعتبرها بطولة ووطنية.

وخلال العقد الأخير سجل التعصّب القومي تركيزاً حول "العرقية"، والانتقال من خطاب معاداة اليهود، إلى المسلمين، ومهاجمة مساجدهم، مثلما حصل في كيبك الكندية عام 2017 والهجمات في السويد والدنمارك وألمانيا وبريطانيا. هؤلاء المتعصبون، وقبل أن يصبح خطابهم ضمن برامج أحزاب سياسية وصل بعضها إلى الحكم اليوم، ينطلقون من اعتبار حركة الهجرة واللجوء "اجتياحاً وغزواً"، وهو الخطاب الذي كانت ترفعه مبكراً حركات قومية متطرفة باتت اليوم جزءاً من المشهد السياسي في إيطاليا والمجر والنمسا وألمانيا والسويد والدنمارك والأندلس في إسبانيا أخيراً، هذا عدا عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فضلاً عن انتشار الحركات الفاشية في وسط وشرق القارة الأوروبية.

وما يثير الانتباه أن ساسة بربطات عنق، يحكمون اليوم في عدد من الدول عبر أحزاب تكشف الصحافة مع مرور الوقت عن ماضيهم الفاشي في ذات الحركات التي أوجدت هذه الأجواء، كما فعلت حركة "بيغيدا" بالنسبة لحزب "البديل لأجل ألمانيا" والحركة النازية في السويد مع "ديمقراطيو السويد أو "البديل لأجل السويد" اليوم.
وشكّل انتخاب ترامب، وتصاعد خطاب الكراهية، دفعة في سياق التحريض وانتهاج خطاب اعتبار المسلمين "تهديداً" كأمر مركزي في سياسات هذه الحركات وأحزابها بما يتجاوز ارتكاب سفاح أوسلو، أندرس بريفيك، في 2011، لمذبحته التي باتت أشبه بحالة إعلان وإلهام.
كذلك الأمر بالنسبة للتطرف اليميني في أستراليا ونيوزيلندا، والذي أسهم به خطاب كراهية وتحريض من اليمين المتطرف، كما فعل عضو البرلمان الأسترالي فرايزر أنينغ بخطاب ضد المهاجرين والإسلام والمسلمين. خطابه بعد هجوم نيوزيلندا، كشف عن مدى عيش أمثاله في التطرف، بتحميله الإسلام والمسلمين مسؤولية ما جرى.

تحذيرات متصاعدة
في تقرير استخباراتي ألماني صدر صيف العام 2017، حذرت الأجهزة الأمنية الألمانية من إمكانية أن يمارس نحو 12 ألف شخص عضو في الحركات الفاشية والنازية الجديدة أعمال عنف وإرهاب في البلد. وتراوحت التحذيرات بين "هجمات فردية، وهجمات خلايا إرهابية". هذا التحذير جاء بعد سنوات من تزايد خطاب التحريض، الذي استلهم منه النرويجي أندرس بريفيك مذبحته التي راح ضحيتها عشرات الشبان من يسار الوسط، إضافة إلى ممارسة العنف بحق مواطنين من أصول مهاجرة. فقد قتلت هذه الحركة النازية الجديدة، اغتيالاً بإطلاق نار عن قرب، عدداً من هؤلاء قبل نحو 12 عاماً.
وحين بدأت حركة "بيغيدا" في ألمانيا، قبل سنوات قليلة، رفع شعار معاداة المسلمين، حذر كثيرون من أنها ستشكل نقلة خطيرة في مشهد السياسة الأوروبية. لم يمضِ وقت طويل حتى تلقف حزب "البديل لأجل ألمانيا" شعارات هذا التيار، فرتّبها في برنامج وخطاب يسمح بتصويت الناس للأفكار ذاتها عبر انتخابات ديمقراطية، ليصبح الحزب واحداً من أهم أحزاب حركات اليمين الراديكالي في القارة.

ما استجد في التطرف اليميني الأوروبي أنه بات أكثر تنسيقاً بين أطرافه، ليشمل شرق ووسط القارة. ويلاحظ مراقبون أن كفّة التطرف التي قادتها الأحزاب اليمينية المتطرفة التقليدية، على الرغم من وصول بعضها إلى الحكم أو التحالف في حكومات متشددة، باتت أخيراً تميل أكثر لمصلحة حركات عنفية تدعو بشكل صريح إلى ما يشبه "عمليات تحرير أوروبا" ممن تسميهم "الغزاة". تعبير الغزاة أطلقه أكثر من سياسي أوروبي، وعلى رأسهم رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، الذي سرق الأضواء بتحريض علني، مع زملاء له من شرق القارة ومن أحزاب تؤيد خطابه، ليشمل المسلمين بالمطلق.
كذلك شهدت بريطانيا عدداً من الهجمات الإرهابية التي نفذها متطرفون بيض. فقد جرى قتل النائبة جو كوكس في 2016 على يد أحد هؤلاء المتطرفين، كما هوجمت مساجد فينسبيري بارك في 2017.

واستشعرت الاستخبارات الغربية منذ مدة أنها "ومع سيطرتها على التشدد الإسلامي"، وفقاً لتقارير متعددة، فثمة تهديد خطير آخر تمثله تلك الحركات المسماة "حركات تطرف البيض". والعام الماضي، حذرت الشرطة الأوروبية، يوروبول، من أنه "على الرغم من تراجع خطر الإرهاب الإسلامي"، إلا أن مخاطر التطرف الأبيض وخصوصاً حركات النازية الجديدة، في تصاعد. وفي الفترة بين 2015 و2017، تضاعف في أوروبا عدد "المتشددين البيض" الذين اعتقلتهم الأجهزة الأمنية من 11 إلى 20 فرداً.
وفي الوقت نفسه، لوحظ أيضاً، بحسب عدد من التقارير الأوروبية المتخصصة، بينها تقرير ليوروبول، أن أعداد الحركات النازية داخل أوروبا ازدادت "على خلفية تزايد التخويف من الأسلمة المفترضة لأوروبا". وذهبت العديد من الصحف الغربية إلى الربط بين خطابات السياسيين المتشددين في الغرب، حول المسلمين والمهاجرين، ونمو الخطاب الفردي والجماعي لمثل هؤلاء المتطرفين.

وأشارت تقارير إعلامية وصحف غربية أخيراً، إلى أنه مع تراجع الأعمال الإرهابية المنسوبة لحركات راديكالية إسلامية، وتحديداً حتى عام 2017، لوحظ أن أجهزة الاستخبارات، التي انشغلت بما يسمى "وقف التوجّه الراديكالي لدى الشبان المسلمين"، تركت مهمة تصاعد التطرف بين مجموعات غربية. وربطت تلك التقارير بين زيادة التشدد وتوجّه الأحزاب القومية المتطرفة إلى عدم التردد بتشبيه الإسلام والمسلمين بالغزاة أو وصف دينهم بالنازي، كما في دول اسكندنافية في دعايات انتخابية. أمر أشارت إليه صحيفة "انفارمسيون" الدنماركية، بعيد مذبحة نيوزيلندا، بالقول إنه تم "تقديم مشروعية في الخطاب للحركات البيضاء المتطرفة، وتركها تحت مسمى حرية التعبير تمارس التحريض والدعوة إلى العنف".



عام التحول

قبل تزايد أعمال الإرهاب اليميني المتطرف، بصورته الحالية، شهد عدد من الدول الأوروبية استهداف ذلك المعسكر الفاشي لعدد من السياسيين في اليسار. واستخدم في أواسط ثمانينيات القرن الماضي متطرفون دنماركيون عبوات ناسفة لاستهداف مكتب مجموعة يسارية ما أدى إلى مقتل شاب. كما سجلت السويد وغيرها في تلك الفترة أيضاً هجمات متطرفة بحق أوروبيين جرى تخوينهم بسبب مواقفهم من قضايا عالمية ومسائل هجرة في تلك الدول.

لكن في العصر الجديد لانتشار الخبر والاطلاع المتسارع على أفكار منفذي الهجمات الجديدة، شكّل الهجوم الذي نفذه أندرس بريفيك في النرويج عام 2011 نقطة أساسية ومحور اهتمام بمدى التحول الذي يشهده الغرب فيما يُطلق عليه "التطرف المسيحي الأبيض"، وهو التعبير الذي استخدمته صحيفة "بوليتيكن" الدنماركية في مارس/آذار 2012. فبالنسبة لمانيفستو بريفيك، تعلّق الأمر بما سماه "الدفاع" عن أوروبا والبيض، موجّهاً خطابه أيضاً باتجاه المسلمين. أراد الرجل المتأثر بخطاب النازية الجديدة في ألمانيا والسويد استدعاء "معركة" بين الديانتين. تبريره عاد أيضاً ليطل في نيوزيلندا من قِبل منفذ العملية الإرهابية، برينتون تارانت، مذكّراً بما ذهب إليه الإرهابي الأميركي تيموثي ماكفاي الذي فجر المبنى الفيدرالي في أوكلاهوما عام 1995 وقتل 168 فرداً، بينهم أطفال. خطاب ماكفاي وتارانت وبريفيك لا يختلف كثيراً عن خطاب الحركات العنصرية البيضاء في السويد وألمانيا وإيطاليا والنمسا والدنمارك. التمحور دائماً حول "تخليص المسيحية من التعدد الثقافي البابلي"، أي افتعال أعمال مروعة وإرهابية بحجة أن المهاجرين الملونين غير البيض هم المتسببون بإقدام هؤلاء الإرهابيين على القتل.

وسبق أن شهدت القارة الأميركية، في تسعينيات القرن الماضي، إلى جانب عمليات الكراهية ضد غير البيض، عمليات من حركة سميت "إعادة بناء اللاهوت" (Reconstruction Theology) و"حركة الهوية المسيحية" (Christian Identity Movement)، وصبّت في أغلبها ضد عدد من عيادات الإجهاض، باستخدام القنابل والحرق ومحاولات قتل، كمؤشر على تغلغل التطرف والتعصب بين البيض الأميركيين. وعلى ذات نسق التطرف، قام سكوت رويدر في 2009 بقتل طبيب الإجهاض جورج تيلر. لم يمض عام واحد على تلك الحادثة، حتى قام مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي)، بحملة اعتقال لثمانية من أعضاء حركة متطرفة مسيحية تسمى "هوراتي"، أو "المحاربون المسيحيون"، وهم الذين خططوا لافتعال معركة كبرى باسم "المعركة الأخيرة للاحتفاظ بشهادة يسوع وجعلها على قيد الحياة".
في النموذج الأميركي للتطرف والإرهاب المتعصب، ووفقاً لمركز قانون الفقر الجنوبي (The Southern Poverty Law Center) فإن جرائم الكراهية القائمة على التطرف اليميني في الولايات المتحدة، وخصوصاً من "مجموعة القوميين"، زادت بين 2008 و2010 بنحو 250 في المائة، ومعظم هؤلاء المنفذون للجرائم ينتمون ويشاركون أفكار "حركة الهوية المسيحية".

وسجل مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية في الولايات المتحدة العام الماضي، تزايد أعمال العنف بين 2007 و2011، واستمرت الزيادات بين 2012 و2016. وأكدت "إف بي آي" ارتفاع العمليات الارهابية داخل البلد من قبل متطرفين بيض إلى 31 عملية في 2017 على يد جماعات يمينية متطرفة، مع توقع أن يستمر التصاعد في الأعوام المقبلة، خصوصاً ضد المسلمين واليهود. وتتحمل جماعة sovereign citizens المؤيدة لترامب مسؤولية أكبر الهجمات والتحريض عليها.

تحالف عابر للقارات
من الملاحظ أن رسائل مرتكبي المذابح من المتطرفين في الغرب وتبريراتهم القائمة على التعصب الديني والعرقي، تربط مبرراتهم بأحداث تاريخية، بمن فيهم بريفيك في النرويج، فهذا الشاب الذي اختار تاريخ 22 يوليو/تموز لتنفيذ جريمته، برر في مانيفستو بعناوين "فرسان المعبد" و"الصليبية"، وصف اليوم الذي اختاره لتنفيذ عمله الإرهابي بأنه بمناسبة ذكرى "الحملة الصليبية الأولى حيث جرى الانتصار على المسلمين في 1099 لحماية المقدسات في القدس". ومثل تارانت، ذكّر بريفيك بضرورة استعادة أوروبا المسيحية كما كانت عليه قبل 400 سنة، وربط بين الدولة العثمانية ومعركة حصار فيينا.
ولا تختلف طقوس الإرهاب المتواصل من قبل هؤلاء المتطرفين في أوروبا عن تلك التي مارستها حركة "كو كلوكس كلان"، ولا عن المليشيات المسلحة التي تبرر أفعالها باسم إنقاذ البيض.

أوروبياً أيضاً، وفي السنوات السابقة لاختيار دونالد ترامب رئيساً لأميركاً، ظهرت في عدد من الدول معسكرات أشبه بالعسكرية أقامها النازيون الجدد في عدد من غابات السويد وألمانيا. في تلك المعسكرات، كان التدريب على القتال جارٍ، وعلى الرغم من كشف الصحافة في 2012 و2013 عن عدد منها، ادعت حركات "مقاومة الشمال"، العنيفة التي تضم اسكندنافيين وأوروبيين وروساً، أنها "مجرد معسكرات كشافة".

الانتقادات التي وُجهت بعد مذبحة كريست تشيرش النيوزيلندية لترامب، على خلفية تجنّبه تسمية الضحايا، أو وصف هويتهم الدينية كمسلمين في تقديمه العزاء لحكومة وشعب نيوزيلندا، تزيد الربط بين خطاب الرجل وتزايد خطاب التطرف في الغرب. ففي أوروبا نفسها اعتبرت العديد من القوى والحركات المتطرفة أن وصول ترامب إلى البيت الأبيض بمثابة قوة دفع لها. ولاحظت بعض التقارير، المتخصصة بالتطرف، والصحافة الأوروبية الراصدة لعلاقة الحركات على ضفتي الأطلسي، ارتفاع منسوب خطاب الكراهية، والذهاب نحو ما يشبه حالة من التعاضد في أكثر من مكان. ويُلاحظ أيضاً أن تقدّم اليمين القومي المتطرف، بما فيه نشوء تحالف بين حركات فاشية، في إيطاليا على سبيل المثال، يسير بالتوازي مع نشوء حالة تشريع لخطاب العداء للأعراق الأخرى، ورفع لافتات وبرامج ودعوات علنية للعنف والتطهير في أكثر من مكان في أوروبا.

المساهمون