التربية الإعلامية المدرسية

التربية الإعلامية المدرسية

02 ابريل 2020
+ الخط -
يتميّزُ الإعلام بعددٍ من المميّزات جعلتهُ وسيلة مؤثرة في النّاس؛ حيث استطاع بوسائله إدارة الحياة اليومية، واختلط مع جميع مكوّناتها تقريبًا، وأصبح جزءًا أساسيًا من أجزائها، فانعكس أثره بطبيعة الحال على كثيرٍ من الأشياء الأخرى، كالثقافة العامة التي شارك في صناعتها بواسطة الأخبار، والمعلومات المتداولة والمنشورة في المنصات الإعلامية المتنوّعة، والتي تتطوّر مع تعاقب السنوات، فاختلفت أشكالها من المكتوبة إلى الرقمية، ولا نعلم ما هي الوسائل الجديدة التي سوف تحمل رسالة الإعلام وتنقلها في شتى أرجاء الكرة الأرضية.

منذ ظهور الإعلام واكبته مجموعة مصطلحات ومفاهيم، وانبثقت معظمها كجزءٍ من منظومات فكرية أخرى، ومنها منظومة التربية التي تَشَاركَ الإعلام معها بشكلٍ واضح جدًا، وأدّى ذلك إلى بناءِ مصطلح جديد، وهو "التربية الإعلامية" ذات التأثير الملحوظ في الوقت الراهن، وقد ارتبطت لاحقًا مع دور المدرسة الأساسي في العملية التربوية، لتظهر "التربية الإعلامية المدرسية" التي حصلت على أكثر من مفهومٍ يتوافق مع طبيعة مرحلة وجودها أو خصائصها أو العوامل المحيطة بها، ويمكن القول إن التربية الإعلامية عبارة عن مهارات التعامل مع الإعلام ووسائله المكتوبة، والمطبوعة، والصوتية، والمرئية باستخدام واحدة من التقنيات الخاصة بكلٍ منها، كما ترتبط بدور المدرسة في مجال الإعلام المقدّم لطلابها، من خلال تمكينهم من فهم وسائل الإعلام المنتشرة في المجتمع، وأساليب عملها، ودعمهم لاكتساب مهاراتها، عن طريق توظيف الإذاعة المدرسية بأفضل صورة ممكنة.


تعود النشأة الأولى للتربية الإعلامية إلى ستينيات القرن العشرين، فاهتم الإعلاميون والخبراء آنذاك بتوظيف الإعلام ووسائله في التربية، لاستخدامه كأداةٍ من أدوات التعليم. ومع تعاقب العقود، أصبحت النظرة نحو التربية الإعلامية أكثر انفتاحًا وقبولًا؛ حيث باتت نمطًا من أنماط الدفاع الذي يوفّر الحماية الكافية لطلاب المدارس بمختلف أعمارهم، من المخاطر التي قد يترتب عليها استخدام وسائل الإعلام بطرق غير صحيحة، وأيضًا يساعدهم ذلك على تجنّب الإشاعات وحالات التنمّر والاحتيال وغيرها، وانتقاء الأخبار ذات المصادر الموثوقة وحُسن التعامل معها ومشاركتها في أماكنها الصحيحة، والذي يساهم في تعزيز انتشار التربية الإعلامية بين الطلاب وداخل المدارس.

تقبّلت الكثير من المجتمعات بسهولة التربية الإعلامية المدرسية، كالمجتمع العربي؛ حيث استفادت العديد من الدول العربية من تطبيقها ضمن الأنظمة التربوية والتعليمية؛ إذ إن لها دورًا في تمكين الدافعية نحو التعلّم، من خلال لفت انتباه الطالب وتشجيعه على الاكتشاف والبحث والاستقصاء، وارتباطها مع الواقع؛ لأن الإعلام يعكس صورةً بارزةً عن حياة الإنسان، وينقل جميع الأحداث والأخبار، كما يعتبر مرجعًا تاريخيًا يسجّل ويوثّق التاريخ البشري مع تعاقب السنوات، وأيضًا يعزز عند الطلاب الثقة بالنّفس والقدرة على حل المشكلات بإتقانهم لأدوات الإعلام ومهارات التعامل معها، وغيرها من المميّزات التي جعلت التربية الإعلامية المدرسية أساسًا من أساسات التربية والتعليم.

تتحقق من التربية الإعلامية المدرسية مجموعة كفايات ترفد البيئة التعليمية عند تطبيقها كمنهاجٍ دراسيٍ ضمن المقررات المدرسية، فيتوقع منها أن تشارك في نمو العمليات العقلية المرتبطة بالإدراك، والمعرفة، والتحليل، والتقييم، بهدف الحصول على نتائج منطقية، باستخدام عدد من المهارات، مثل مهارة التفكير الناقد التي تنمّي قدرات الطالب على اكتشاف مدى صحة الأخبار والمعلومات. وأيضًا تُوجّه التربية الإعلامية المشاعر والقيم لدى الطلاب بشكلٍ إيجابي، وتجذب انتباههم باتجاه الموضوعات المهمة في حياتهم، كما تؤثّر في سلوكهم وتساعدهم على تعديله، وتحفزهم على المشاركة والتعبير عن الذات.

إن منح الاهتمام الكافي والمتابعة الحثيثة لتطبيق التربية الإعلامية المدرسية، يساهم في توظيف أدواتها بما يخدم العملية التعليمية في مراحلها المختلفة، ولكن قبل ذلك يجب الالتفات إلى عددٍ من التوصيات، مثل الاطلاع على تجارب الدول التي أخذت زمام المبادرة في تنفيذ برامج التربية الإعلامية داخل مدارسها، وجعلتها جزءًا من جدول الحصص الدراسية، تمهيدًا لاعتمادها ضمن المنهاج المقرر، ووفّرت جميع الإمكانات اللازمة لنجاح هذه العملية، بالتزامن مع تفعيل الورشات والدورات التدريبية المختصة بالإعلام والتعامل مع وسائله، من أجل تدريب المعلمين على أساليب تدريس مادة التربية الإعلامية وفقًا لخططٍ مدروسة؛ وهو ما يضمن بناء جيلٍ يمتلك الوعي بالإعلام وقضاياه ومسؤولياته، وأهميته كعنصرٍ متكاملٍ مع جميع عناصر المجتمع.

دلالات