التخبط في العنف

التخبط في العنف

28 يناير 2015
+ الخط -

لا يكون الحديث عن النفس جامعاً، ولا نافعاً، إن لم يقم على قاعدة الاشتمال على كل ما يتعلق بالنفس بالمعنى الفردي في سياق الجماعة. وكذلك الحال في الحديث عن الدفاع عن هذه النفس/الذات، فرديا وجماعيا. وبضرورة ما، يحيل الحديث عن النفس والدفاع عنها إلى التطرق إلى مفهوم العنف والموقف منه، بما هو "نزعة طبيعية في الإنسان، تستند إلى رغبة تدميرية، تعبر عن نزعة تلقائية لكل كائن عضوي نحو الموت" وفق سيغموند فرويد. بينما يكون العنف "ضرورياً للعالم" لدى هيراقليطس، ويكون العنف "عنصراً أساسياً في العلاقات الاجتماعية" بتعريف توماس هوبز. "وتخفي الدولة الكولينيالية إنسانية الإنسان المقهور/المستعمر، وتلجأ إلى شتى الوسائل لاستعباده، بالتالي يبقى العنف هو الوسيلة الوحيدة الباقية أمام الإنسان المستعبد لاسترجاع ذاته وحريته".

وعلى اختلاف التوصيفات لظاهرة العنف ومفهومه، يبقى من الثابت أن فرقاً رهيباً لا يمكن تجاهله أو التغاضي عنه، عن العنف بما هو انعكاس لحالة نفسية أو لتجربة شخصية، وبما هو رد فعل جمعي على حالة عنف أخرى تتطلب، أو تولد حالة عنف مضادة لها، ويمكن أن يكون رد فعل ملموساً ويمكن رصد آثاره وشكله على عدة ظواهر/حركات تنزع عن ذاتها صفة العنف. فمثلا، يتم الميل سلطويا إلى عدم ربط حالة الفقر/الإفقار، والإقصاء السياسي أو تجميد كل ما هو سياسي وجمعي في المجتمع بمفهوم العنف وممارسته، وكأن تجريف المجتمع ومقدراته وطموحاته ليس عنفاً، ويتم إغفال، سلطويا، أيضا، حالة تنامي الحنق والرغبة في التغير الجذري والملموس، التي تولدها ممارسات الدولة، بما هي جهاز احتكار للعنف، مادياً ورمزياً.

ولا يكون الإشكال في حالة احتكار الدولة وأجهزتها للعنف، بشكليه، كما لا يكون الإشكال، أيضا، شرعنة وقوننة آليات الركون إلى العنف واعتماده، فقط، عندما يكون هذا الاحتكار ساعياً إلى تجميد العنف، أو تحييده والإبقاء عليه من ضوابط تم التواطؤ عليها وفق العقد الاجتماعي القائم في بيئتها. بل إن الإشكال الأساسي والمركزي، يكون حيثما يكون العنف، بمختلف مستوياته وتنويعاته، حكرا على الدولة/السلطة، وتقوم باعتماده وتفعيله مستغلة ما يمكن تحقيقه من غايات قسرية عبره، ويغلَف هذا الاستعمال بما هو خطابي شعاراتي فضفاض وكبير، من نوع شعار "الممانعة" والتصدي للمؤامرة الكونية، أو/ومواجهة التدخلات والعبث بأمن الوطن، في الوقت الذي تتم فيه تهيئة متلقي العنف، أو ضحيته الأولى، أي المجتمع، لأن يقبل بدوره، أو موقعه الذي رُسم له، متلقياً ضربات ممتلك العنف، وراضيا عنها، مستنكرين عليه ألا يكون على علم بأنه "نور عينينا".

وما شهده الربيع العربي، وعمّ أرض العرب من عنف سلطوي، لم يكن وليد لحظة الربيع، بل هي من أفصحت عنه أو فضحته، إذ لطالما أغرقت الأرض العربية بالعنف المضاد لمجتمعاتها، من استعمار، إلى دول قُطرية "لم تبق ولا تذر" ما هو غير متعسف به ومفعول به عنفيا. وعليه، يمكن الادعاء الجازم، بأن ليس من حق من هم في السلطة في الأقطار العربية التي أدميت وأدمي ربيعها، أن يتباكوا من مفاعيل العنف وتفاعلاته، وهم الذين أطلقوه أول الأمر، بل ولم يوفروا منفذا لإدخاله وإقحامه في مشهد الثورات ضدهم، فرجل الشرطة مطلق الأعيرة النارية الحية على جمهور يتظاهر انتصارا لكرامته وعدالة حلم بها في وطنه، ما هو إلا دعوة بالغة الصراحة، لحمل كل ما يمكن من عدائية ورفض للمؤسسة التي ترعاه وتغذيه بالطلقات التي يوجهها إلى حناجر الهاتفين بالحرية. واستدعاء المليشيات والخطاب الطائفي من كل حدب وصوب، لخنق معادلة "الموت ولا المذلة" ما هو إلا تأكيد وتشديد على الدعوة ذاتها، فما اللوم في تنامي العنف وتضخمه في اللحظة العربية الراهنة، إلا على كاهل من أساؤوا إدارة كل ما له علاقة بالدولة والمجتمع، واعتقدوا أن بعنفهم وقمعهم لناس هذه الدول ومجتمعاتها تكمن حلول الاستقرار السحرية.

راسلونا على: Jeel@alaraby.co.uk

المساهمون