التحرّش الجنسي لا يغادر شوارع مصر

التحرّش الجنسي لا يغادر شوارع مصر

18 يوليو 2015
حملات كثيرة بلا نتيجة (الأناضول)
+ الخط -

كانت م.ع. تسير في وضح النهار باتجاه منزلها في العاصمة المصرية القاهرة، عائدة من مركز للدروس الخصوصية لمراجعات ما قبل الثانوية العامة. اقترب شاب على دراجة نارية في الاتجاه المعاكس لها، وأمسك بأجزاء من جسدها، وألقى بها أرضاً.

لا تعرف م.ع. إذا كان سقوطها من جراء الدفعة القوية والاصطدام بالدراجة، أم أن قواها خارت في اللحظة التي شعرت فيها بأيدٍ خبيثة تتحرّش بها بينما يروح الناس ويجيئون من حولها. أما ردود أفعال من حولها فتراوحت ما بين "ما بكِ يا ابنتي؟"، "ماذا جرى لكِ؟"، "هل أنتِ بخير؟". ومن جهتها، دخلت منزل أهلها بملابس متسخة ووجه شاحب، واكتفت بالقول لهم: "صدمتني دراجة ووقعت أرضاً". لم تستطع إخبارهم بما جرى.

لم تكن تلك هي المرة الأولى التي تتعرض فيها م.ع. لحادث تحرّش جنسي في الشارع. تقول: "الشارع مليء بألفاظ وإيحاءات جنسية وشتائم.. لم يعد بإمكاني إلا أن أحمل حقيبتي وأضمّها لصدري طوال سيري في الشوارع، وألا أتواجد في أي مكان مزدحم، وألا أمضي وقتاً طويلاً في الشارع، وأتلافى المشي كلما استطعت".

إذاً، فقد قلّصت م.ع. من أوقات تواجدها في الشارع، وفرضت على نفسها سياجاً قاسياً، لكنّ ذلك قد لا يمنع عنها المزيد من المضايقة والتحرّش في أي وقت.

لا تخلو الشوارع المصرية، من حوادث التحرّش الجنسي الفردية والجماعية، على مدار العام. وتكثر هذه الحوادث في الأعياد والتجمعات العامة، على الرغم من عدة مبادرات أطلقت منذ سنوات لمناهضة الظاهرة. ومن ذلك ما رصدته مبادرة "شفت تحرّش" النابعة من المجتمع المدني، والتي أشارت إلى أنّ المائة يوم الأولى من حكم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نهاية العام الماضي شهدت 498 حالة تحرّش جنسي.

كما أعلن المجلس القومي للطفولة والأمومة المصري عن استقبال خط نجدة الطفل الموضوع في الخدمة، 206 وقائع تحرّش أو اغتصاب للأطفال، وذلك خلال الفترة من 2011 وحتى 2014، كان ضحيتها أكثر من 370 طفلاً وطفلة.

تشير ل. أ. بسخرية إلى أنّ مقولة "الشعب المصري متديّن بطبعه، التي يتمسك الكثيرون بها، أثبتت فشلها وكذبها". وتتساءل: "كيف يكون الشعب متديناً، وهو يبيح لنفسه أقذر الشتائم والسباب الجنسي وأغلبه متعلق بالمرأة وخصوصاً الأم؟ وكيف يكون متديناً وهو لا يكفّ عن سبّ الدين في أتفه المواقف؟ وكيف يكون متديناً وهو دائماً ما يلوم الضحية، ويعلق أزمة التحرّش الجنسي على شماعة ملابس الفتيات".

ل.أ. هي الأخرى لم تسلم من حوادث تحرّش جنسي، معظمها تحرّش لفظي. تفسّر: "لم تعد المعاكسات تقف عند حد يا جميل يا مبقلظ... لكنها أصبحت كالكرباج لا علاقة لها بدين أو حياء أو حتى إنسانية". وتضيف: "في المترو تتعرّض الفتيات للتحرّش، وفي المواصلات العامة، وفي العمل، وفي الجامعة، وفي كل مكان.. ومن حولنا يكتفي بقول: خلاص يا بنتي استهدي بالله واستري على نفسك، إذا ما صرخت في وجه المتحرّش.. أي أنّهم يضعون اللوم علينا".

تؤكد "شفت تحرّش" أنّ جرائم التحرّش الجنسي باتت تزداد وتكثر وقائعها خلال إجازات الأعياد والاحتفالات الجماهيرية. وبخصوص أيام العيد الحالية، أعلنت المبادرة عن عملها الميداني في عدد من الشوارع والأحياء المصرية، منذ الثانية عشرة ظهراً وحتى العاشرة مساءً. وشدّدت على أن منطقة وسط البلد في القاهرة "منطقة موبوءة بجرائم التحرّش الجنسي، والاعتداءات التي تستهدف النساء والفتيات".

كما طالبت المبادرة وزارة الداخلية بالدفع بضابطات شرطة لمواجهة مرتكبي جرائم العنف الجنسي، على أن يتم نشرهن بكثافة في الأماكن العامة والمتنزهات والحدائق، وأمام دور العرض السينمائي. وطلبت من الوزارة وضع تدابير وآليات استثنائية لتحرير محاضر التحرّش في أماكن الحوادث من دون إجبار النساء والفتيات على الذهاب إلى دواوين وأقسام الشرطة حفاظاً على خصوصيتهن.

في المقابل، شجّعت المبادرة الفتيات والنساء في مصر على الخروج "للتنزه، والابتهاج بالعيد من دون خوف أو تردّد، مع التشديد على ضرورة مواجهتهن مرتكبي جرائم العنف الجنسي، والاستعانة بالشرطة والجماهير في ملاحقتهم ومحاسبتهم وفقاً للقانون.. وضرورة الإبلاغ عن أي وقائع عنف جنسي قد يتعرضن لها، والإصرار على أخذ حقوقهن وفقاً للقانون". كذلك حثتهن على حفظ الأرقام الساخنة للتبليغ عن أيّ حادثة من هذا النوع.

اقرأ أيضاً: عيد بلا تحرّش في مصر

المساهمون