التحرر الوطني الفلسطيني... صعود الإسلام السياسي والصراع على السلطة

التحرر الوطني الفلسطيني... صعود الإسلام السياسي والصراع على السلطة

26 يوليو 2020
باتت حماس وفتح جزءاً من المشكلة وليس الحل (سامح رحمي/Getty)
+ الخط -

تمحور المشروع الوطني الفلسطيني، بشأن الصراع مع إسرائيل، بعد العام 1948، حول تحويل اللاجئين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وفي الشتات، شعبا واحدا منظما بقضية وطنية، عبر تأسيس حركة تحرر وطني فلسطيني، أصبح معها التحرير هدفا استراتيجيا، قام عليه حق العودة. وحظي الكفاح المسلح المنطلق من الشتات، وعبر عقود، بالإجماع الوطني الفلسطيني، فكان أكثر الأساليب فاعلية في تحريك الشتات ومنحه التماسك، والوحدة، والحراك السياسي المطلوب، بوصفه أقصر الطرق لانتزاع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. انسجم ذلك مع المناخ العالمي الذي ولدت في رحمه منظمة التحرير الفلسطينية، وهيمنت عليه حركات التحرر العالمية، الساعية إلى الاستقلال عبر الثورة المسلحة، ضمن جبهة عالمية يقودها الاتحاد السوفييتي، وأحزاب وهيئات، ذات وزن داخل المجتمع الغربي، تدعم هذا الاتجاه وتسانده. وكان المناخ العربي لا يزال منشغلا بالمواجهة مع إسرائيل.

بقيادة "فتح"، هيمنت منظمة التحرير الفلسطينية (P.L.O) ذات التوجهات العلمانية طويلاً على الساحة السياسية الفلسطينية، فلم يوظّف الإسلام عامل جذب واستقطاب في خضم الصراع مع إسرائيل. وبديلا عن الانخراط في نشاط سياسي، ركزّ "الإخوان المسلمون" في الأراضي المحتلة، خلال الخمسينيات والستينيات، على النشاط الاجتماعي الدعوي، حيث رأوا، كغيرهم من الإسلاميين، أن خسارة فلسطين تسبّب بها ضعف العالم الإسلامي، وأنه يمكن استرجاعها فقط بعد عودة العرب إلى الإسلام، وإقامة دولة إسلامية فوق وطنية، تهزم الصهيونية. تناقض امتناع الإخوان عن المقاومة المسلحة لإسرائيل مع نهج الكفاح المسلح والتيار الرئيسي للحركة الوطنية الفلسطينية، خاصة بعد حرب 1967، وبدا التناقض على أشده بين المشروعين الإسلامي والوطني مما عطل طويلا الفعل السياسي الفلسطيني.

صعود الإسلام السياسي
تغيّرت طبيعة نشاط الإسلاميين في فلسطين بعد الثورة الإيرانية العام 1979، التي رافقها موجة تسييس للإسلام في عموم المنطقة، ترافق ذلك مع وصول حزب الليكود إلى الحكم في إسرائيل (1977)، ونمو التطرف اليهودي، وانتشار المستوطنات الصهيونية. توّج هذا كله بهزيمة منظمة التحرير عسكريا في لبنان، ليتعزز عربيا وفلسطينيا شعار "الإسلام هو الحل". بدأت الكتل الإسلامية تحقق نجاحات مهمة في انتخابات اتحادات الطلبة ومجالسها في الجامعات الفلسطينية في الأراضي المحتلة، وتصاعد التنافس بين العلمانية والإسلامية في فلسطين، واتخذ شكل العراك بين طلاب الجامعات، علمانيين وإسلاميين، خلال أوائل ومنتصف الثمانينيات، تحولت إلى اشتباكات عنيفة خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى العام 1987، التي رأت فيها الحركة الإسلامية فرصة ذهبية لتقديم نفسها كبديل لمنظمة التحرير وفصائلها العلمانية. 

سعت حماس إلى تقديم نسخة من الوطنية الإسلامية لجذب شريحة أوسع من الجماهير


استلزم نمو الحركة الإسلامية استيعاب الخطاب الوطني والأيديولوجي السائد في المجتمع الفلسطيني. وقد ظهرت علامات هذا الاستيعاب في خطاب "الإخوان المسلمين" حتى قبل الانتفاضة، وقبل ظهور "حماس"، حيث أكد منشور للإخوان وزّع صيف عام 1986 على ضرورة الحفاظ على الهوية الفلسطينية، لأن القضاء عليها، يعني القضاء التام على القضية الفلسطينية، وبدأ العلم الوطني الفلسطيني يظهر في منشورات الحركة. وبالرغم من أن حركة "فتح" وظّفت رموزا ومواضيع إسلامية من أجل حشد الدعم الشعبي للقضية الوطنية، إلا أن أهدافها بقيت سياسية وعلمانية، وأكدت منظمة التحرير الفلسطينية على التحرر الوطني باعتباره سبب وجودها. أما الإسلامية، فكانت مركزية في أيديولوجية "حماس"، التي أخضعت الوطني لأجندتها الدينية.

منذ الإعلان عن تشكيلها أوائل الانتفاضة الأولى، رفضت "حماس" الانضمام إلى الجماعات العلمانية في قيادة الأنشطة اليومية للانتفاضة، وفرضت أجندتها وأنشطتها على الشارع الفلسطيني، وأعلن ميثاقها العام 1988 أنها جزء من حركة "الاخوان المسلمين"، وهدفها النهائي إعلاء كلمة الله فوق كل شبر من فلسطين، عبر المقاومة المسلحة، لا عبر الحلول السياسية. وكجزء من تكتيكها في تحييد منظمة التحرير العلمانية، وتكريسا لنفسها، سعت حماس إلى صياغة موقف أكثر شعبوية تجاه الوطنية الفلسطينية، والقومية العربية، بتقديم نسخة من وطنية إسلامية تجذب شريحة أوسع من الجماهير، فأدخلت العناصر الفلسطينية في المثل الأعلى الإسلامي، وكاملت بين الهويتين الفلسطينية والإسلامية، فقدّمت نفسها حركة إسلامية تستمد "أفكارها ومصطلحاتها ومفاهيمها" من الإسلام، إلا أنها "حركة فلسطينية مميزة"، وتسعى "لرفع راية الله على كل قطعة من أرض فلسطين". وبدمجها الهوية الفلسطينية مع الإسلام أصبح الأخير المكون الرئيسي للهوية الفلسطينية. وإن كان هدف حماس، قريب المدى، التحرير الكامل وإقامة دولة إسلامية في فلسطين، فإن هدفها، طويل المدى، هو إقامة الدولة الإسلامية واستعادة الخلافة. ورأت في الانتفاضة الفلسطينية الأولى فرصة مهمة لإعادة الفلسطينيين إلى هويتهم الإسلامية الكاملة، وحشد المسلمين في جميع أنحاء العالم وراء الكفاح الفلسطيني. 

هذا البديل "الإسلامي الوطني" الذي طرحته "حماس" بدا ردا على إعلان منظمة الحرير الفلسطينية، من الجزائر العام 1988، دولة فلسطينية من جانب واحد على أراضي العام 1967، فأكد ميثاق "حماس" أن فلسطين بأكملها هي "وقف إسلامي" مكرّس للأجيال المسلمة حتى يوم القيامة لا يجوز تجزئته، وأن طريق تحرير فلسطين يكون عبر "الجهاد" لا عبر المفاوضات والحلول السياسية.

المقاومة المسلحة والعملية السياسة
هاجمت "حماس" مؤتمر مدريد للسلام العام 1991 بوصفه صفقة لبيع الأرض الفلسطينية، وفي العام نفسه شكّلت جناحها العسكري "كتائب عز الدين القسام". وفي العام 1993 رفضت حركة حماس اتفاقية أوسلو ورأت فيها خرقا للمقدس الفلسطيني، ورأت في الحكم الذاتي الممنوح للفلسطينيين بموجب "أوسلو" إعادة تنظيم للاحتلال بطريقة أكثر راحة للإسرائيليين. ومع قيام السلطة الوطنية الفلسطينية رفضت الحركة التخلي عن سلاحها، واستمرت ترفع شعار المقاومة. بدا التعارض على أشده بين منطق السلطة ومنطق المقاومة المسلحة، وبدأت حماس تعرّف نفسها، وتكتسب سلطتها على الأرض من خلال معارضة "أوسلو"، وامتلاك إمكانيات عسكرية تسهّل أو تعقّد أي مسار سياسي. وبعملياتها المسلحة ضد إسرائيل ضربت عصفورين بحجر واحد؛ قاومت إسرائيل، وجلبت مزيدا من الضغوط الإسرائيلية والأميركية على السلطة الفلسطينية، وعرقلت المفاوضات.

أثبت فشل مفاوضات السلام بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل بعد قمة كامب ديفيد في يوليو/تموز 2000 مدى التعنت الإسرائيلي

في 20 يناير/كانون الثاني  1996، عقدت السلطة الفلسطينية أول انتخابات للرئاسة والمجلس التشريعي الفلسطيني. وكان السؤال المطروح على "حماس": هل ينبغي عليها أن تشارك في العملية السياسية لتمنح الشرعية للسلطة الفلسطينية، رغم أنها نتاج "أوسلو" الذي رفضته؟ قرّرت عدم المشاركة، ومع ذلك، فاز بعض أعضائها الذين شاركوا بشكل مستقل. 
أثبت فشل مفاوضات السلام بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل بعد قمة كامب ديفيد في يوليو/تموز 2000 مدى التعنت الإسرائيلي بشأن قضايا الحل النهائي الاستراتيجية: العودة والقدس والحدود، ومهّد انهيار مفاوضات السلام الطريق للانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى) في أيلول/ سبتمبر العام 2000. ترددت "حماس" في المشاركة في أنشطة الانتفاضة خلال الأشهر الستة الأولى، وحين بدا عرفات مسيطرا على فعالياتها، ولاعبا رئيسيا في استمرارها، اتخذت قرارها بالمشاركة عبر العمليات التفجيرية، والتسلل إلى المستوطنات، والهجمات الصاروخية على المدن والقرى المحتلة العام 1948. وباحتلال إسرائيل للضفة، وتدمير مؤسسات السلطة، والتخلص من ياسر عرفات في نوفمبر/تشرين الثاني 2004، ثم انسحابها من غزة العام 2005، أصبحت "حماس" أحد اللاعبين الرئيسيين في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. 
قدّم الرئيس الأميركي جورج بوش الابن لرئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون ضمانات تفيد بتأييد الإدارة الأميركية للموقف الإسرائيلي من قضايا الحل النهائي. استنتجت "حماس" أن اتفاق "أوسلو" انتهى عملياً، وأن الانتفاضة الفلسطينية وفرت إمكانيات نضاليةً جديدةً، وأن غياب عرفات سيضعف "فتح" ويفجّر خلافاتها الداخلية، وأن هذه التغيرات تؤثر بصورة نوعية في مجرى العمل الوطني الفلسطيني، وتطرح سقوط المشروع الوطني الفلسطيني كما تصورته حركة فتح. بدت حماس أكثر ثقة بنفسها، وبامتلاكها البنية التحتية اللازمة للتدخل في أي وقت كبديل لقيادة الفلسطينيين سياسيا، وإدارتهم اجتماعيا واقتصاديا، عبر دمج ما تبقى من بنى تحتية للسلطة الفلسطينية مع شبكة الخدمات الاجتماعية الإسلامية الموجودة لديها بالفعل، والتي شملت: المستشفيات، والعيادات، والمكتبات، والمعاهد، ودور الأيتام، والمدارس، وغيرها. وحين وأصبحت الطريق ممهدة للانتخابات الرئاسية الفلسطينية في يناير/كانون الثاني 2005، والانتخابات التشريعية في يناير 2006، قررت الحركة التقدم إلى واجهة المشهد السياسي، وخاضت الانتخابات التشريعية.

من الأيديولوجيا إلى البراغماتية
منذ فوزها بأغلبية المجلس التشريعي الفلسطيني، في يناير 2006، وتشكيلها حكومة فلسطينية عاشرة. بدت "حماس" أكثر براغماتية حين قبلت بحل سياسي للمشكلة الفلسطينية على أساس إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، بموجب تفاهماتها المصالحة مع "فتح" (وثيقة الأسرى)، كما أعلنت الحركة في مناسبات مختلفة عن استعدادها لوقف المقاومة المسلحة، وعرضت هدنة لمدة عشر سنوات مقابل إقامة دولة فلسطينية على أراضي عام 1967. اعتقد العديد من المراقبين أن هدف هذه المناورة السياسية هو امتصاص الضغط الدولي، وسحب البساط من تحت فتح والسلطة الفلسطينية، وترويج حماس لنفسها كطرف في أي مفاوضات مقبلة. وبعد سيطرتها المسلحة على السلطة في غزة العام 2007، ضغط المجتمع الدولي على حماس، واشترط لحصولها على اعتراف دولي نبذها للعنف، والاعتراف بإسرائيل، وبالاتفاقيات السابقة الموقعة من قبل منظمة التحرير الفلسطينية. 

القيود الدولية المفروضة على غزة عزّزت، عن غير قصد، سيطرة "حماس" حين أصبح فقراء غزة أكثر اعتمادا على "حماس"

عند قيام السلطة الفلسطينية، كان دستورها انحرافا عن علمانية ميثاق المنظمة منذ العام 1968، حين أعلن أن الإسلام هو الدين الرسمي في فلسطين، وأن مبادئ الشريعة الإسلامية ستكون مصدرا رئيسيا للتشريع. أما "حماس"، وهنا المفارقة، بصفتها الحاكم الوحيد لغزة، ورغم اتخاذها إجراءات تهدف إلى تحقيق أسلمة تدريجية للمجتمع الفلسطيني، لم تطبّق أيديولوجيتها الإسلامية، ممثلة في إقامة دولة إسلامية، بل ركزت جهودها على البقاء في السلطة، والصمود في وجه المقاطعة الدولية، والحصار متعدد الأطراف. كان الأمن أولوية للحركة، فمارست قبضتها الحديدية على القطاع في وجه العلمانيين والإسلاميين على السواء. هناك من يعتقد أن بإمكان حماس أن تتحول إلى حزب سياسي وتطور برنامجا وطنيا خالصا تحتاجه الساحة الفلسطينية، وهناك من يعتقد أنها رغم كل تلك البراغماتية تبقى حركة دينية أولا وأخيرا.
القيود الدولية المفروضة على غزة عزّزت، عن غير قصد، سيطرة "حماس" حين أصبح فقراء غزة أكثر اعتمادا على "حماس" وحكومتها، قبل تدمير الانفاق بين غزة وسيناء بعد الانقلاب العسكري في مصر على الرئيس محمد مرسي، والتنكيل بـ "الإخوان المسلمين" العام 2013، وتشديد الحصار الاقتصادي والمالي، وتدمير جزء من بنيتها التحتية، بعد عدة حروب شنّتها إسرائيل على القطاع. في يونيو/حزيران 2015 انهارت حكومة الوحدة التي تشكلت بين حركتي فتح وحماس، وفشل الطرفان في المضي في خطوات فعلية للتحضير لانتخابات تشريعية ورئاسية. 

وثيقة العام 2017 
مع تزايد الضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية على الحركة، كشفت "حماس"، في 1 أيار/ مايو 2017، عن وثيقة سياسية جديدة، جعلت من هدفها النهائي المتمثل في التحرير الكامل لفلسطين مؤجلا يمكن الوصول إليه لاحقا، وقبلت حلا مؤقتا قائما على حدود العام 1967. وبذلك حاكت حماس البرنامج المرحلي الذي صادقت عليه منظمة التحرير الفلسطينية، كما حذفت إشارات ميثاقها الأصلي (1988) إلى اليهود، لتصوّر النضال الفلسطيني على أنه نضال قومي وطني لا ديني، مع استمرارها في رفض الاعتراف بدولة إسرائيل (لتلافي ذلك، عرضت أكثر من مرة على إسرائيل هدنة طويلة الأمد)، تمسّكت الوثيقة بالمقاومة المسلحة طريقا للتحرير، ولم تشر إلى ارتباط حماس بجماعة "الإخوان المسلمين". البراغماتية السياسية جعلتها تبدو أقلّ تدينا، وانخفضت اللغة الدينية في خطابها بشكل كبير لصالح التركيز على السياسة العملية. ورغم انسداد الأفق أمام المقاومة المسلحة التي لم تعد لا المعطيات الدولية ولا اللوجستية تسمح بها، وتكلفتها العالية فلسطينيا، لم تتوافر لدى حماس بدائل نضالية أخرى.

بعد محاولتين سابقتين فاشلتين، وقّعت كل من فتح وحماس في 12 أكتوبر/تشرين الأول العام 2017 في القاهرة اتفاقا للمصالحة، يقضي بتمكين حكومة الوفاق برئاسة رامي الحمد الله من إدارة شؤون القطاع. ولكن، وكما في كل مرة، اختلف الطرفان على تأويل بنود الاتفاق وخطواته التنفيذية. تبادلا، الاتهامات، وحمّل كل منهما الطرف الآخر المسؤولية عن الفشل. رفضت "حماس" أي مفاوضات بشأن تفكيك بنيتها العسكرية، وبعد أن وصلت إلى النقطة التي انتهت إليها "فتح" (دولة على حدود 1967) تركزت الخلافات حول المصالح الحزبية أكثر من تعلقها بالأهداف السياسية. 
خاتمة:     

بعد أن انتهى المشروع الوطني الفلسطيني الذي قادت به فتح منظمة التحرير الفلسطينية إلى ما انتهى إليه، وبعد انسداد الأفق السياسي أمام المشروع الوطني الإسلامي الذي قادته "حماس"، لم يحقق الطرفان أيا من القضايا الاستراتيجية الفلسطينية: التحرير، والقدس، العودة، التي تحثّ إسرائيل اليوم، بدعم أميركي، الخطى لتصفيتها نهائيا عبر "صفقة القرن"، مستغلة الانقسام في الساحة الفلسطينية، وتراجع مركزية القضية الفلسطينية عربيا. 

من الصعب في هذه المرحلة أن يتوحد الفلسطينيون خلف مشروع وطني فلسطيني جديد

إن استمرار الصراع على السلطة، بين "فتح" و"حماس"، يجعل من الطرفين جزءا من المشكلة لا طرفين لحلها. ويهدد مستقبل القضية الفلسطينية، في ظروفها الحرجة الراهنة. هناك مشكلة حقيقية تكمن في اختلاف الطرفين حول المرجعيات، والثوابت، والأولويات، والمشروع الوطني، عمّقها التداخل بين الأيديولوجي والاستراتيجي، وعقود من عدم الثقة، في ظل عدم وجود مؤسسة سياسية وطنية جامعة، تمنح كافة الأطراف الفلسطينية حجمها التشريعي والتنفيذي، وفق القواعد الانتخابية والديمقراطية، لضمان تداول سلمي للسلطة، وفي ظل غياب الرغبة لدى الطرفين بمراجعة حقيقية وجادة لتجربتيهما السياسية والنضالية. 

من الصعب في هذه المرحلة أن يتوحد الفلسطينيون خلف مشروع وطني فلسطيني جديد، وربما لا يشكل اليوم من الأهمية ما تكتسبه أهمية برنامج سياسي يضع سلما لأولويات المرحلة، ومعايير واضحة لمسار التسوية، وأشكال المقاومة الممكنة، المتناسبة وطبيعة المرحة، وإمكانيات الشعب الفلسطيني، كما يحدد آلية لاستيعاب كافة القوى الفلسطينية، في الداخل والخارج، لإشراكها فيه، وكسر احتكار الفصيلين، طويلا، للساحة السياسية الفلسطينية. قد يمكن ذلك إن توفرت لدى، كافة الفصائل السياسية، الإرادة الحقيقية، لتحييد المصالح الحزبية الضيّقة، وتبدية المصلحة الوطنية، وفض الاشتباك بين الأيديولوجي والاستراتيجي. 

المساهمون