التحدّي والاستجابة العربية

التحدّي والاستجابة العربية

11 يوليو 2019
مضيق هرمز ناقلة نفط حرس ابريل 2019 فرانس برس
+ الخط -



أمام الجدل الدائر عن نية الولايات المتحدة الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط، وتهافت الدول الأوروبية على أن يكون لها حضور في المنطقة يعيدها، بطريقةٍ ما، إلى ما كانت الأمور عليه إبّان الحرب العالمية الأولى، وتقاسم إرث الإمبراطورية العثمانية ومعاهدة سايكس/ بيكو، يثور السؤال: وماذا يمكن للعرب والمسلمين في المنطقة أن يفعلوا؟

يبذل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مساعي وجهوداً كبيرة، من أجل التوسط في الأزمة المتوترة بين جمهورية إيران الإسلامية والولايات المتحدة. وهو يتصل بالرئيس الإيراني، حسن روحاني، من أجل إقناع إيران بتأجيل رفع درجة تخصيب اليورانيوم إلى أكثر من ستين يوماً، ويرسل مستشاره إلى طهران للحديث مباشرة مع الجانب الإيراني.

وبذل رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، جهوداً، وزار طهران، ولكن وساطته رفضها المرشد علي خامنئي، ورفض كذلك استلام رسالة ترامب التي حملها آبي معه.

وتبذل فرنسا وألمانيا جهوداً واضحة منسّقة في الصراعات الدائرة في اليمن وليبيا، ويزيدان من مساعداتهما لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وقد يقدّمان مساعدات للسلطة الفلسطينية.

وقد رأينا أن روسيا لم تتردّد في تعزيز وجودها مكان الولايات المتحدة في سورية، وصارت اللاعب الرئيسي على الساحة هناك. ورأينا كيف عزّز الروس وجودهم أيضاً على حساب أوروبا في كل من شبه جزيرة القرم التي استعادوها من أوكرانيا، وفي شرق أوكرانيا، حيث يعيش عددٌ من أصول روسية هناك.
أما المملكة المتحدة التي يقول محللون على المحطات الفضائية الدولية إنها مشغولة بخروجها من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، وليس لديها متسع من الوقت أو التفكير في غير ذلك حالياً.

ولكن هذا كلام ليس صحيحاً، بل إن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي قصد من جملة ما قصد أن يقنع إدارة الرئيس ترامب والكونغرس الأميركي بأن تعهد إليها بمهام في المنطقة.

وأكثر ما يزعج المؤرخين والمحللين السياسيين البارزين في بريطانيا قرار رئيس وزراء بريطانيا الأسبق (العمالي)، هارولد ويلسون، الخروج من الساحل العماني، وتنفيذ ذلك القرار من خَلَفِه المحافظ إدوارد هيث، في نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات من القرن الماضي.

إذن، نحن نرى أن الدول الكبرى وتكتلاتها تسعى إلى أن يكون لها دور في المنطقة، في وقتٍ تروج فيه نظريات لتقسيم الوطن العربي، وحتى منطقة الشرق الأوسط، بما فيها إيران وتركيا، إلى دويلات عرقية أو إثنية دينية.

وبحسب نظرية المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي، يتحرّك التاريخ وفقاً لقدرة الدول والتكتلات على الاستجابة للتحديات التي تواجهها، فإن هي نجحت، تقدّمت وتعزّزت مكانتها، وإن هي فشلت ذوت وغابت. والوطن العربي خصوصا بحاجة، في الظروف الراهنة، إلى الفكر الذي يدفع المنطقة لكي تستجيب للتحديات.
ويضع الأمير الحسن بن طلال منذ سنوات تصوّره لما يمكن أن تكون عليه استجابة الوطن العربي لتحدّي الشرذمة والتفتيت الذي تسعى القوى الدولية إلى فرضه من أجل ابتلاع المنطقة وتقاسمها، خصوصا في ظل الانقسام العربي الحاصل، والواصل إلى حد التفريط في كل ما هو ثمين مثل المُشتَرَكات العربية، والثروات العربية، وقضية فلسطين، وتبديد الثروة الكبرى الماثلة في الطاقات البشرية المبدعة والشبابية.

يبدأ الأمير الحسن بالسعي إلى وضع تصور لتعزيز العلاقات العربية البينية، لا بين الدول وحسب، وإنما على أساس خلق تكتلات منطقية قادرة على أن تتماسك وتصمد، وأن تتبنى معايير تمنعها من التفتت والانفلات عند أول تحدٍ يواجهها.

وعلى الرغم من الخصومات الداخلية بين دول الخليج العربية، فإن مجلس التعاون قد صمد أمام خلافات وتحديات كثيرة واجهته منذ نشأته عام 1981. ولذلك، يجب أن تتبنّى دول المجلس معايير تمنع إعاقة التعاون والتبادل الاقتصادي فيما بينها، على الرغم من الخلافات في الاجتهادات والسياسات والرؤى.

وعلى الرغم من الانقسام الحاد في الآراء، فإن أحداً من الدول الأعضاء لم يبدِ رغبة في الخروج منه. ولذلك، على المجلس أن يعيد ترتيب أموره الداخلية، حتى يعود إلى ألقه، ويصبح أعسر منالاً على خصومه وأعدائه.

وينطبق التحليل نفسه على الاتحاد المغاربي العربي الذي أنشئ عام 1989، وواجهته مشكلة الصحراء التي سعّرت الخلاف بين أكبر دولتين أعضاء فيه، المغرب والجزائر. ولو توصلت هاتان الدولتان المتميزتان إلى تفاهم في هذا الشأن، سوف تتمكن الدول الخمس الأعضاء من إيجاد طاقة كبيرة وفعالة.
وبالطبع، هنالك المشرق العربي، أو ما كان يسمّى منطقة الهلال الخصيب التي تضم بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين (العراق). وتشكل هذه الدول الخمس: العراق، سورية، الأردن، لبنان وفلسطين، كتلة متفاهمة متجاورة متقاربة.

وقد سبق أن أنشئ عام 1986 مجلس التعاون العربي الذي ضم مصر والعراق والأردن واليمن، ولكنه لم يشكل التجانس المطلوب، فانهار عند أول امتحان صعب واجهه، عندما احتل العراق دولة الكويت عام 1990.

التكتل الرابع هو تكتل وادي النيل بين مصر والسودان، وهو تجمع كبير بشرياً ومساحة، وفيه ثروات، ويمكن للبلدين إن تعاضدا رسم دور واضح لهما مع جيرانهما في أفريقيا.
التكتل الخامس هو شرق أفريقيا، ويضم اليمن وجيبوتي والصومال وجزر القمر، ومستقبلاً إرتيريا وتشاد إن شاءتا ذلك.

وحتى تتعزّز الروابط بين هذه المجموعات، لا بد من توفر شروطٍ ثلاثة: أولها أن تكون لكل تكتل دولة واحدة تنسق مع مجموعة أو تكتل آخر، فالسودان ينسق مع مجموعة شرق أفريقيا، واليمن ينسق مع مجموعة دول مجلس التعاون، ومصر تنسق مع دول المشرق، وحتى مع دول الاتحاد المغاربي. وهلم جرّا. وبذلك نضمن أن هذه التكتلات تتعاون إلى أقصى حد مع بعضها.

الأمر الثاني هو ضرورة المراجعة الشاملة والصادقة والأمينة لدور جامعة الدول العربية والمنظمات المشتركة، بحيث تعاد صياغة الميثاق، ليضمن استمرارية التعاون العربي في وجه التحديات، ويقوّي من دور المنظمات العربية في مواجهة منظماتها الدولية المثيلة. ويقترح أن تدار الجامعة من مجلس تنفيذي على مستوى عالٍ، يضم ممثلاً عن كل مجموعة من المجموعات الخمس.
وأخيراً، لا بد أن يجري الاتفاق على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية المشتركة، بحيث لا تنفرد أي دولة باتخاذ قراراتٍ قد تؤذي مصالح الدول الأخرى. ولعل التحدّيين، الإسرائيلي والإيراني، يقدّمان المثال الناصع على ذلك. ولا يجوز أن يصبح حل أي منهما على حساب الآخر.

هذا الاقتراح الأميري أضفتُ إليه ملاحظات بسيطة، ولكنه جدير بالدراسة والمتابعة فهو نابع عن شخصٍ مثقف رفيع المستوى وله في الفكر العربي وثقافة الوحدة صولات وجولات.

المساهمون