التحدي الإيراني

التحدي الإيراني

21 يوليو 2019
+ الخط -
لم تفلح كل التهديدات الأميركية، ولا التحالفات الدولية، ولا الاتصالات الثنائية، في ضبط درجة التوتر في الخليج العربي، سيما في ما يخص الملاحة في مضيق هرمز، بعدما بدا أن إيران، أو على الأقل أطرافاً داخل الجمهورية الإسلامية، مصرّة على رفع سقف تحدّي الغرب، مرتكزة على اقتناع بأن كل الحديث عن "مشارف الانفجار"، أو عن "حرب"، ليس إلا كلاماً فضفاضاً لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع. التحدّي الذي أعلنه الحرس الثوري الإيراني قبل يومين، والمتمثل باحتجاز ناقلة النفط البريطانية، كان من شأنه، لو حصل في منطقة غير الخليج، ومع طرف آخر غير إيران، أن يؤدي مباشرة إلى مواجهة مسلحة حاسمة، غير أن الإيرانيين يدركون أن عوامل عدة تحول دون تحول مثل هذه المناوشات إلى مواجهة حقيقية، أو ضربة تؤدي إلى ضربةٍ تستهدف الداخل الإيراني، أو بنية النظام القائم. على أساس هذه القناعة، يبدو أن طهران بإجراءاتها الأخيرة، ومواجهتها بشكل مباشر القوات الأميركية في الخليج والناقلات الغربية ترفع شعار: من منكم يجرؤ على إطلاق الصاروخ الأول. 
في المقابل، الشعار مقروءٌ بشكل واضح في الدول الغربية، ولا سيما في واشنطن التي تدرك أيضاً أن أي مغامرة عسكرية بمواجهة إيران في المنطقة لن تكون نزهة، ولن تحصل على موافقة الكونغرس، ولا حتى جنرالات الجيش الأميركي، لما يترتب عليها من مخاطر تهدّد المنطقة بأكملها والنفوذ الأميركي فيها. ومن خلال قراءة التصريحات بعد احتجاز الناقلة البريطانية، يمكن استبيان حال انعدام الخيارات الذي تعيشه الدول الغربية في مواجهة إيران، إذ لا يبدو أن سياسة العقوبات تأتي بنتيجة، وتضييق الخناق الاقتصادي على إيران سيجعلها في وضع الجندي المسلح المحتجز في ركن ضيق، ولا مفر أمامه سوى الانقضاض إلى الأمام. وهو فعلياً ما تفعله طهران اليوم، في ظل انسداد أفق العودة إلى مسار الاتفاق النووي، وفشل الرهان على الدول الأوروبية المؤيدة لاستمرار الاتفاق أن تكسر الكلمة الأميركية، وكذلك عدم جدوى الدخول في حوار مع الولايات المتحدة وفق الشروط التي يريدها ترامب وإدارته. على هذا الأساس، يحمل الانقضاض الإيراني إلى الأمام في طياته رسالتين واضحتين: الأولى تحدّي إشعال الحرب، والتي في حال حصلت، فسيكون نموذج "هدم الهيكل على الجميع" هو الاستراتيجية الإيرانية فيها. أما الرسالة الثانية، والمرتبطة بإدراك صعوبة إشعال حرب، فهي إعادة رسم خريطة التوازنات العسكرية في منطقة الخليج، والتي ستكون قائمة على قاعدة أن الغلبة لن تكون دائمة لصاحب الترسانة الأكبر.
هذه الرسالة اليوم هي محل قراءة متمعنة في الدول الغربية، فلم يعد تسجيل النقاط كافياً في مواجهة إيران، واعتماد أسلوب ناقلة بناقلة أو طائرة بطائرة، ليس الوسيلة المثلى للرد على التحدي الإيراني. ولعل القصف الذي تعرّض له مركز للحرس الثوري، ومليشيات عراقية من طائرة مسيرة مجهولة في العراق، قد يعطي فكرة عن ماهية التحرك الغربي في المرحلة المقبلة. تحرّك من الممكن أن يتمحور حول تركيز المواجهة بعيداً عن منطقة الخليج، وتحديداً بعيداً عن مضيق هرمز، وخصوصاً في الأماكن التي يوجد فيها الحرس الثوري بشكل مباشر.
الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة وحلفاؤها المقربون، لن يكون في وسعهم غض الطرف عن التحدّي الإيراني، وأيضاً لا يمكنهم مواجهته بشكل مباشر، قد تحمل الأيام المقبلة شكلاً من الحروب بالوكالة، مع الدخول المباشر لواشنطن والدول الراغبة في عمليات عسكرية تستهدف الوجود الإيراني بعيداً عن إيران، سيما في العراق وسورية واليمن. حروب بالوكالة، دائماً الدول العربية ستكون مسرحاً لها، إلى أن يحين موعد التحدّي الجديد.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".