يكره جمهور كرة القدم كلمة "التمثيل المشرّف"، لأنها في النهاية تقودهم إلى الخسارة المقبولة، فالشرف الكروي في النهاية كلمة متباينة من شخص إلى آخر، والخسارة تبقى لها مرارتها رغم أنف كل الكلمات المعسولة. لكن ما قدمه منتخب بيرو خلال "كوبا أميركا" يستحق التحية بحق، إنه المنتخب الذي خرج بعد أداء استثنائي، وفرّط في النهائي الكبير برأس مرفوع!
طريقة اللعب
يستخدم المدرب جاريكا عدة تشكيلات خططية حسب ظروف كل مباراة، تبدأ الخطة في الأساس مع 4-2-3-1 التقليدية، رباعي دفاعي صريح، مع ثنائي محوري أمامه ثلاثي هجومي، يدعمهم مهاجم الصندوق المثالي. لكن أثناء المباريات تتم عملية تبادل المراكز بين اللاعبين. على الورق، يلعب فارفان كصانع لعب في المركز 10، لكن مع السيطرة على الكرة، يتحول سريعاً إلى الأطراف بالتبادل مع أندريا كاريلو.
من 4-2-3-1 إلى 4-4-3، بتواجد ثنائي من الأجنحة على الأطراف برفقة المهاجم، وقيام كاريلو بدور لاعب الوسط الثالث أمام الثنائي لوباتون وبالون. ليس فقط الفريق البيروفي مميّز على مستوى الهجوم، لكنه أيضاً يعرف كيف ومتى يدافع، والدليل على صدق هذه المقولة ما قدمه المنتخب الرائع أمام كولومبيا في مرحلة المجموعات.
اللعب بدفاع المنطقة مع إغلاق كافة المنافذ من المنتصف، بعودة الأجنحة إلى الوسط والاكتفاء بمهاجم واحد متقدم، 4-5-1 الدفاعية التي تصبح 4-4-2 أثناء التحولات من الدفاع إلى الهجوم، بتقدم فارفان بجوار جيريرو أمام دفاعات بيكرمان. خايمس رودريغز لم يلمس الكرة كثيراً في تلك المباراة، والسر يعود إلى نجاعة التكتيك دفاعياً وهجومياً في قالب واحد.
المهاجم الأمثل
خوسي باولو جيريرو، هداف منتخب بيرو ونجم الفريق خلال بطولة الـ"كوبا أميركا"، الحدث الذي شهد تألقاً غير طبيعي للنجم اللاتيني المحترف في صفوف كورينثيانز باوليستا البرازيلي. يلعب المهاجم كرقم 9 حقيقي داخل تشكيلة المنتخب، يتحرك بطول الثلث الهجومي الأخير، يسجل الأهداف ويصنع الفرص لنفسه، هو نسخة قريبة من المهاجم المتكامل على طريقة القارة الجنوبية، كما كان فالكاو في السابق مع كولومبيا.
يمتاز جيريرو بمهارة واضحة مع قوة بدنية ملحوظة، لذلك من الصعب جداً خطف الكرة منه حينما يستلمها. ويستخدمه مدرب المنتخب كمحطة أساسية سواء على الأرض أو في الهواء، من خلال الاستلام والتسليم المثالي للكرات القادمة من الوسط والدفاع إلى الأمام. بالإضافة إلى عودته المستمرة لمنطقة الارتكاز الهجومي، حتى يساعد زملاءه في عملية بناء الهجمات.
نجم البيرو هو الرقم 9 "الكروكي"، أي اللاعب الذي يسجل الأهداف أمام المرمى وينطلق بين الجناحين في الصندوق، ويبتعد في جزء من الثانية عن مراقبيه، وينقض على الكرات الساقطة أمام منطقة الجزاء بخفة وسرعة. جزء منه مهاجم صريح، وجزء آخر مهاجم متأخر، وجزء ثالث أقرب إلى الساعد الهجومي على الأطراف أو بعيداً عن الثلث الأخير، إنه لاعب يستحق الفرصة في أوروبا.
نعم يستحق
قالوا عنه مجنون حينما ترك تدريب فيليز سارسفيلد بمحض إرادته، رغم أنه حقق نجاحاً منقطع النظير، وفاز بأربع بطولات خلال خمس سنوات مع الفريق. وتضاعفت الحيرة بعد رفضه تولي مسؤولية منتخب كوستاريكا بنهاية عام 2014، رغم الشهرة غير العادية لهذا الفريق بعد الإنجاز التاريخي في مونديال البرازيل الأخير، ليحط الرحال في بيرو هذه المرة، ويصنع لنفسه ولهذه المجموعة أسلوباً خاصاً وشهرة من نوع آخر.
إنه الأرجنتيني ريكاردو جاريكا، المدرب الذي ترك بصمة حقيقية خلال بطولة الكوبا أميركا 2015. وبعيداً عن الفائز بالكأس في النهائي، يستحق هذا الرجل لقب المدير الفني الأفضل بالبطولة. ليستمر التأثير الأرجنتيني على الكرة في القارة المعزولة، سامباولي، تاتا مارتينو، رامون دياز، وجاريكا، وهم مدربو بلاد الفضة يسيطرون على مفاتيح التكتيك دون أدنى منافسة.
"حينما يتحدث سكولاري، يتظاهر اللاعبون بالاستماع، بينما عندما يتكلم جاريكا، ينفذ اللاعبون التعليمات بالحرف"، هكذا يصف راؤول بيانشي، شخصية إذاعية معروفة في البرازيل، المدرب الأرجنتيني ريكاردو جاريكا بعد تدريبه بالميراس من قبل. صانع شخصية بيرو ليس مدرباً مبتكراً، ولا صانع ثورات كروية، لكنه رجل واقعي يطبق أكثر من 4-5 تكتيكات، مع دراية تامة بكافة التفاصيل الدقيقة، لذلك يحترمه لاعبوه، ويصنعون التفوّق من خلال هذا التقدير