البيئة والسياسة

البيئة والسياسة

27 يونيو 2020
رفض لسياسات ترامب (جون ماكدوغال/ فرانس برس)
+ الخط -
ما من مشكلة بيئية في أي مكان، إلا ووراءها تدخّل سافر للإنسان. فمنظومة الكون التي بُنيت على الفعل (كُن) يحرسها ويتهددها في ذات الأوان فعل (دَعْ)، فإما (دع) ما هو طبيعي على حاله، ولا تتدخل فيه أيها الإنسان إلا بالقدر الذي يسدّ حاجتك، ومن دون إخلال بالتوازن، وإما (دع) عنك سفسطة (جادل بالخطأ والتضليل) علماء البيئة الذين يرون في كل حركة للبشر تهديدا للبيئة والحياة.

قد يكون تدخّل البشر في البيئة فعلاً (مضارعاً) يتخذ صفة الاستمرارية، كما هو الحال في الهجمة المنظمة على الغابات والموارد الطبيعية الأخرى دونما وعي، ودونما وازع، تجاوزاً للقوانين، خاصة من قبل أهل السلطة من نظاميين ودستوريين ومنسوبيهم. والشاهد أن معدلات قطع الأشجار لدينا تفوق معدلات الاستزراع كثيراً. وكذا الحال مع الموارد الناضبة من بترول وذهب ومعادن أخرى. أو يكون التدخل في صفة (فعل الأمر) الذي يقضي بعدم الاعتراض تحت ذريعة الاستثمار. وثبت أن من بيده السلطة أكثر إفساداً للبيئة من سواه.

ذهب ابن خلدون (1332 - 1406م) إلى ذات المنحى، حين أورد في مقدمته: "أعلم أن المدن قرار تتخذه الأمم عند حصول الغاية المطلوبة من الترف ودواعيه، فتؤثر الدعة والسكون، وتتوجه إلى اتخاذ المنازل للقرار. ولما كان ذلك للقرار والمأوى وجب أن يراعى فيه دفع المضار بالحماية من طوارقها، وجلب المنافع، وتسهيل المرافق لها". ولعله، كما يشير أستاذ علم الاجتماع عبد الرزاق الزهراني (الجزيرة الثقافية العدد 209)، أنه "ترك عبارته مفتوحة حول احتياجات حياة المدينة، لعلمه أن الاحتياجات تتبدل من عصر إلى عصر".



يؤكد الرئيس الأسبق للجمعية السودانية لحماية البيئة، عيسى عبد اللطيف، في إشارة إلى توجّه الشعب الأميركي وحكومات عدد من الولايات نحو العمل بمقررات اتفاق باريس، أن "ذلك نابع من إدراك هؤلاء أن أكثر البلدان المتضررة من الكوارث هي أميركا نفسها".

في تصنيف ابن خلدون للجماعات البشرية توضيح للدور السياسي في البيئة، وفقاً لما أورده علي خليل حمد (مجلة البيئة والتنمية العدد 9)، فقد ذكر "أن سكان المناطق الحضرية الذين يعيشون على ما تنتجه الأرض هم الأكثر معاناة للظلم والاستغلال، وسكان المدن الذين يعيشون على التجارة والصناعة هم الأكثر ترفهاً وترفاً وفساداً".

ولأن انسحاب الولايات المتحدة يؤذي الاتفاقية نفسها كما يؤذي العالم، فقد حذّر مايكل برون، الذي يعمل في نادي سييرا الأميركي المدافع عن البيئة، من أن "قرار ترامب خطأ تاريخي سينظر إليه أحفادنا بحزن صادم وحيرة، حول كيفية أن يكون زعيم عالمي جاهلاً إلى هذه الدرجة بالواقع ومتخلياً عن الأخلاق". لكنّها السياسة حين تتدخل في البيئة.

(متخصص في شؤون البيئة)

المساهمون