البناء يبدأ بحجر... والهدم أيضاً

البناء يبدأ بحجر... والهدم أيضاً

13 يوليو 2020
الشخصيات التونسية دخلت مرحلة عناد وكسر عظام (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

ما تشهده الساحة السياسية التونسية هذه الأيام مخيف ويدعو إلى الحيرة، فمنسوب التوتر يزيد كل يوم وفي كل مكان؛ في المدن والأسواق، في البرلمان والحكومة والرئاسة، وما بين الأحزاب. صراعات بينيّة ومؤسساتية وشعبية، ومحيط لا أحد يعرف متى يلتهب ويلقي بنيرانه على الجميع، وطبول من الخارج تقرع أناشيد فتنة وتهلل للفوضى وتستبشر بفرضية سقوط لن تحدث كما أثبتت كل الامتحانات السابقة حتى الأشد ضراوة.
إلا أنّ الأحزاب السياسية والشخصيات التونسية دخلت مرحلة عناد وكسر عظام من دون الانتباه إلى خسائرها الممكنة. الكل يحارب الكل، صراع تموقع لا أحد سيكسبه، لأنّ الانتخابات أفرزت أحكامها، ولن تغيّر هذه الأحكام إلا انتخابات جديدة، لا أحد يرغب فيها على ما يبدو، وليس من سبيل غير البحث عن تحالفات ممكنة بأقل الخسائر وبأقل التناقضات.

وبات اليوم من الضروري أن يبحث التونسيون عن عقلائهم، عن بيت يجمع الفرقاء ويعيد إلى كثيرين رشدهم، ويذكّرهم بأنّ السقف إذا سقط، سيشقّ رؤوس الجميع ولن يفرِّق بين هذا وذاك. ولكن يبدو أنّ الضوضاء تطغى، بحيث صار الشعار: "عليّ وعلى أعدائي".

القيادي المستقيل من حركة "النهضة"، عبد الحميد الجلاصي، وهو رجل هادئ ورصين، كتب على صفحته في موقع "فيسبوك" ما يلخص هذا الوضع: "دمِّروا كل شيء... لا تتركوا باباً للتلاقي غداً... نفس الوجوه تعيد نفس المعارك بنفس العقلية. فالتاريخ علم بائس يتمتع الجميع بقراءته، ولكن لا أحد يتعظ من دروسه، وقليلون هم الذين يحملون المسؤوليات، وهذه إعاقة ثقافية". وأضاف "سياسيون غير مسؤولين يدفعون البلاد إلى الاحتراب من أجل معارك صغيرة، للتموقع في البلاد وللتموقع في أحزابهم... لم يملكوا يوماً شجاعة الاعتراف بأخطائهم ومعالجتها. يرتكبون كل يوم كوارث في التقدير والتواصل، ولا يتقنون سوى سياسة الهروب للأمام للتغطية على فشلهم. والحمقى في كل المعسكرات يتحركون، وهم يتبادلون موضوعياً الخدمات، وقد آن للعقلاء، وهم موجودون في كل المعسكرات، أن يرفعوا أصواتهم: كفاية".

وختم بأنه "لا يمكن بناء حديث بقديم، لم ينسوا شيئاً ولم يتعلموا شيئاً، والحل: جلب حكام من خارج البلاد في إطار حماية جديدة، بعد أن تدمر حرب الكل ضدّ الكل الجميع".

وصف الجلاصي بكثير من الأسف والحرقة هذا الوضع، ولكن السؤال من يستطيع أن يهدّئ من وتيرة هذا العنف السياسي المخيف، ويذكر بالثوابت أشخاصاً في غيبوبة سياسية حادة، بينما أصبح رئيس البلاد جزءاً من الصراع السياسي، وكذلك اتحاد الشغل، الخيمة التي يهرب إليها الجميع؟ في زحمة صراعاتهم، يتناسى السياسيون التونسيون أنّ البناء بدأ بحجر، وأنّ الهدم يبدأ أيضاً بحجر.