البشير والسيسي وهذه التفاهمات المتقطعة

البشير والسيسي وهذه التفاهمات المتقطعة

06 ابريل 2018

البشير والسيسي في القاهرة (19/3/2018/الأناضول)

+ الخط -
ما لم تُحلُّ القضايا العالقة بين السودان ومصر، ستظلّ الزيارات الاستعراضية للرئيسين، السوداني عمر البشير والمصري عبد الفتاح السيسي، تحركات بروتوكولية غارقة في المجاملات، أو أدوار تمثيلية يؤديانها بإتقان تام إلى درجة الدخول في نوباتٍ من التأثّر والبكاء. ولو أنّ لكلّ طرف أجندته الخاصة التي لم يشأ الإعلام الإعلان عنها، خصوصا في زيارة البشير أخيرا إلى القاهرة، إلّا أنّ عدم الجدية الواضحة أخرجتها عن سياقها، على الرغم من الحفاظ على المظهر الرسمي والمبالغ فيه لأشكال الترحيب بالضيف.
تزاور الرئيسان مرات، احتماء بثكنات بعضهما بعضا، وكلّ منهما يبحث عن شرعية مفقودة عند نظام عسكري مماثل. أبرز زيارات البشير إلى مصر جاءت عقب أزمة بين البلدين، وكان فيها على رأس وفد سوداني للمشاركة في أعمال اللجنة العليا المشتركة، في 5 أكتوبر/ تشرين الأول 2016. وفي أثناء الزيارة، منح السيسي ضيفه وسام نجمة الشرف، تقديراً له لمشاركته بالوحدات العسكرية السودانية التي خدمت على جبهة القتال في حربي الاستنزاف وأكتوبر 1973. وكانت آخر زيارة للسيسي إلى السودان في 10 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2016 للمشاركة في الجلسة الختامية للحوار الوطني السوداني. قام السيسي قبلها بعدة زيارات، أبرزها للمشاركة في حفل تنصيب البشير رئيساً لولاية جديدة في يونيو/ حزيران 2015، وعقب انتهاء مراسم التنصيب، أكّد السيسي استعداد مصر الكامل لتقديم جميع أشكال الدعم للسودان، من أجل تحقيق مزيد من التقدم والاستقرار.
بذلت مصر جهوداً هائلة لإدارة كل تفاصيل زيارة البشير أخيرا، فبعد التعاطي الإعلامي 
المتشنّج في الفترة السابقة، أعلن وزيرا الخارجية السوداني إبراهيم غندور والمصري سامح شكري، في لقائهما في أبريل/ نيسان من العام الماضي، اتفاقهما على وقف التراشق الإعلامي بين بلديهما، وألّا يسمح كل بلد منهما للعناصر المعارضة للبلد الآخر بالعمل من داخل أراضيه، مع إحالة ملف النزاع حول مثلث حلايب وشلاتين إلى قيادتي البلدين. ثم تقابل الرئيسان على هامش القمة الأفريقية أخيرا، ثم أرسلت القاهرة مدير المخابرات بالوكالة، عباس كامل، بهدف وضع اللمسات الأخيرة، واستأنف السودان عودة سفيره إلى مصر عبد المحمود عبد الحليم والذي استدعي للتشاور، على سبيل الاحتجاج على تصعيد قضايا حلايب وسد النهضة الإثيوبي وعسكرة قوات مصرية داخل أراض إريترية متاخمة لحدود السودان.
واضح أنّ النظام المصري عمل على توفير جو لطيف، ولكنه مصنوع، لزيارة البشير، حتى لم يرَ الأخير بُدّاً من الامتثال لقول السيسي إنه ليس لدى مصر خيار غير التعاون، وفقاً للآليات التي أسساها، هو والبشير. وواضح أنّ عددا من مفاتيح حل الأزمة بين مصر والسودان في يد جهازي المخابرات في البلدين، ويبدو أنّ بين رئيسيهما، عباس كامل وصلاح قوش، انسجاما كبيرا، قد يكون ما دعا إلى عودة قوش مديراً لجهاز الأمن والمخابرات السوداني، بعد تفاقم الأزمة في عهد سلفه محمد عطا.
ومن بوابة الأمن، يمكن فك طلاسم أحجية وفاق البشير والسيسي، المبني على أساس التطهير السياسي، فالطلب الأكبر للسيسي كان تسليم أو طرد المعارضة المصرية المتمثلة في الإخوان المسلمين من السودان. ولا تخفي أيّ من الدولتين رغبتها في القضاء على ""، سواء بشكل مباشر كما في حالة نظام السيسي، أو غير مباشر كتجفيف نشاط الحركة الإسلامية واحتواء أعضائها داخل تنظيم المؤتمر الوطني الحاكم، كما في حالة نظام البشير.
ووفقاً لذلك، لم يقدّم البشير مطالب تُذكر، ورشح أنّه طلب منع المعارضة السودانية في مصر 
من ممارسة نشاطها ضده، لكن ذلك ليس دقيقاً، بالنظر إلى أنّ هذه المعارضة ضعيفة أصلاً، وتقتات من أموال المنظمات الدولية، وهي تمثّل صمام الأمان لبقاء النظام، نزولاً عند المثل السائر أنّه بوجود معارضة كهذه لا يحتاج النظام موالين. كما أنّ عملية دخول المعارضة إلى الحكم بالتحالف معه فيما تسمّى حكومة الوفاق الوطني أكبر تكلفةً من وجودها في الخارج لما يقتضيه الأمر من قسمة السلطة وبعض الثروة. أما الطُعم الذي يُلقى به من حينٍ إلى آخر فهو بثّ إعلام النظام إنّ ذلك يسبب قلقاً له، لكن الحقيقة أنّ مكاتب المعارضة، مثل حركات دارفور المسلحة ومكتب الجبهة السودانية العريضة وحزب الأمة الذي بدأ زعيمه الصادق المهدي يقيم اختياريا في القاهرة، ويتحرك منها في سهولة ويسر إلى عواصم أوروبية لعقد اللقاءات مع ما يُسمى "نداء السودان".
من غير المرجّح أن يغيّر أي من السيسي والبشير موقفه بشكل ملموس، فربما تشهد الفترة المقبلة انفراجا لن يدوم كثيراً ويشبه الهدوء الذي يسبق العاصفة، لأنّهما زرعا المؤسّسة العسكرية في الحياة المدنية، ليُعبّرا بذلك عن تشابك العلاقات، وتعقّد مفرداتها، لتداخلها مع أبعاد دينية في حالة مصر، وعرقية قبلية وطائفية في حالة السودان. ولذلك، لا سبيل إلى تجنّب الصراعات المحتملة التي قد تنشأ بسبب سوء الفهم المتبادل وانعدام الثقة. وعلى الرغم من العنف الممنهج لشراء الاستقرار السياسي، ودفن الأزمات إلى حين، فإنّ هذه الطريقة وغيرها تعمل على تغذية الشعبين ببعض أسباب القوة المتولّدة عن الكبت والشعور بالغبن، حتى لو تكلّف النظام في البلدين بالحُسن تجمّلاً.
8615DCBC-E386-43F8-B75E-8FF0C27360A3
منى عبد الفتاح

كاتبة صحفية من السودان. حاصلة على الماجستير في العلوم السياسية. نالت دورات في الصحافة والإعلام من مراكز عربية وعالمية متخصصة. عملت في عدة صحف عربية. حائزة على جائزة الاتحاد الدولي للصحفيين عام 2010، وجائزة العنقاء للمرأة المتميزة عام 2014.