غياب أعضاء مجلس النواب المصري عن جلساته بات أمراً مُعتاداً طيلة الأشهر الماضية، ولطالما تأجل التصويت النهائي على مشاريع القوانين لعدم اكتمال النصاب، مثلما حدث خلال تمرير موازنة الدولة للعام المالي 2016-2017، وقانوني الخدمة المدنية ومد دورة مجلس النقابة، الذي تأجل خمس مرات حتى اكتمل النصاب في جلسة سادسة. وتتأخر جلسات البرلمان عن الانعقاد لمدة ثلاث ساعات في المتوسط، لحين اكتمال نصاب الحضور المحدد بنصف الأعضاء (298 نائباً). ويخالف رئيس المجلس، علي عبدالعال، الأعراف البرلمانية المستقرة بعقد جلستين صباحية ومسائية في اليوم ذاته، إذ يعقد جلسة واحدة ممتدة، لتأكده من عدم اكتمال نصاب الحضور مجدداً في حالة رفعه الجلسة، نظراً لاعتياد أغلب النواب على الانصراف قبل انتهاء الجلسة. وخصصت الدولة موازنة سنوية للبرلمان ناهزت المليار جنيه (997 مليوناً)، استحوذ منها باب الأجور والتعويضات على 708 ملايين جنيه، بزيادة 133 مليون و930 ألف جنيه عن موازنة العام السابق. ووزعت كمكافآت وبدلات نوعية للنواب، إضافة إلى العلاوات الاجتماعية والخاصة، والمزايا العينية الخاصة بتكاليف الخدمات الطبية، وما يُعرف بـ"نفقات أعباء العضوية". ويتقاضى عضو البرلمان مكافأة شهرية تصل في حدها الأقصى إلى 20 ألف جنيه، وفقاً لقانون مجلس النواب. بالتالي، يمكن القول، إن عبدالعال يتسبب في إهدار المال العام من جراء تستره على النواب المتغيبين، إذ أعطى أوامره لأمانة البرلمان بصرف مستحقات جميع النواب كاملة، على الرغم من أن العشرات منهم لم تطأ أقدامهم بوابات المجلس منذ عدة أشهر. ولوح مراراً بمعاقبة النواب المتغيبين، وإعلان أسمائهم أمام الرأي العام، بهدف الاستهلاك الإعلامي، وهدد في جلسة الثلاثاء الماضي، بخصم 50 في المائة من قيمة المكافآت التي يحصل عليها النائب، حال عدم الالتزام بحضور الجلسات مرتين متتاليتين، وهو أمر مُخالف للائحة المنظمة. وتنص المادة (263) من لائحة البرلمان على أنه "إذا تغيب العضو عن حضور جلسات المجلس أو لجانه بغير إجازة أو إذن، أو لم يحضر بعد مضي المدة المرخص له فيها، اعتبر متغيباً بدون إذن، ويسقط حقه في المكافأة عن مدة الغياب".
مؤسس حركة "تمرد"، محمود بدر، المعروف إعلامياً بـ"محمود بانغو"، غاب عن الجلسات العامة لأربعة أشهر متتالية (يونيو/حزيران، ويوليو/تموز، وأغسطس/آب، وسبتمبر/أيلول)، ليعود في الجلسة الافتتاحية لدور الانعقاد الثاني في 4 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ويختفي بعدها مجدداً، لانشغاله في تأسيس مصنع مواد غذائية ببلدته شبين القناطر بمحافظة القليوبية. ولم يحضر اجتماعاً واحداً بلجنة القوى العاملة، العضو فيها، خلال دوري الانعقاد.
وبعد اختفاء دام ثلاثة أشهر متصلة، عاد رئيس نادي الزمالك، مرتضى منصور، ليظهر بقاعات المجلس في 28 أغسطس/آب الماضي، على خلفية مناقشة اللجنة التشريعية لحكم محكمة النقض الخاص ببطلان عضوية نجله، أحمد، في مجلس النواب، وتصعيد البرلماني السابق عمرو الشوبكي، بدلاً منه. وتشاجر منصور خلال الاجتماع مع عدد من أعضاء اللجنة، ثم أظهر دفوعاً واهية عن قضية نجله في جلسة تالية، ليغيب بعدها مجدداً، بعدما أيقن حسم المجلس لقراره بالرضوخ لحكم إسقاط عضوية نجله. ومن المنتظر إعلان ذلك في إحدى جلسات الأسبوع الأخير من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بعد موافقة اللجنة التشريعية في المجلس على تعيين الشوبكي.
قائمة المتغيبين
وقال مصدر مُطلع في أمانة البرلمان لـ"العربي الجديد" إن أبرز من اعتاد الغياب عن الجلسات هم: النائب عن كتلة حزب "مصر الحديثة" (جزء من ائتلاف دعم مصر)، ألفت كامل، والنائب عن حزب مصر بلدي (ائتلاف دعم مصر)، إبراهيم خليف، وعضو كتلة "المصريين الأحرار"، أشرف جمال، والنواب المستقلين، أبو المعاطي مصطفى وأحمد شعرواي وأبو العباس التركي. وشملت القائمة التي بحوزة عبدالعال، ويرفض توقيع العقوبة عليها، أو إعلانها للرأي العام، كما وعد سابقاً، كلاً من: الحفني عبدالمعز (دعم مصر)، وحسام الصيرفي (مستقل)، وخالد أبو طالب (مستقل)، وخالد عزت (دعم مصر)، ورأفت أبو الخير (المصريون الأحرار)، وسارة صالح (حزب المحافظين). وشملت الأسماء أيضاً: سامر التلاوي (دعم مصر)، وصلاح الدين مخيمر (دعم مصر)، وعلاء الدين مازن (المصريون الأحرار)، وكارولين ماهر (مُعينة)، ومحمود يحيى (مستقبل وطن)، والإعلامي المُقرب للأجهزة الأمنية، عبدالرحيم علي، وفقاً للمصدر نفسه.
عدم التفرغ
وعمدت لجنة إعداد اللائحة، المُشكلة من أعضاء المجلس، إلى عدم وضع عقوبة شديدة بشأن تغيب الأعضاء عن حضور الجلسات، وهو ما يثير تساؤلاً مشروعاً عن مخالفة النواب للائحة والدستور بعدم التفرغ لأعمال المجلس، وانشغالهم بأعمالهم عوضاً عن الحضور إلى البرلمان. ونصت المادة 103 من الدستور على أن "يتفرغ عضو مجلس النواب لمهام العضوية، ويحتفظ له بوظيفته أو عمله وفقاً للقانون"، وهو ما لم يلتزم به رجال الأعمال، الذين يمثلون شريحة واسعة تحت القبة، وجاؤوا إلى مقاعدهم النيابية من خلال شراء أصوات الناخبين، بحسب ما رصدته منظمات المجتمع المدني في الانتخابات المنقضية. ونصت المادة (375) من لائحة المجلس على "اتخاذ عضو مجلس النواب، فور اكتسابه العضوية، الإجراءات اللازمة لفصل ملكيته في أسهم أو حصص الشركات عن إدارة أي أسهم أو حصص في هذه الشركات، خلال مدة لا تتجاوز مائة وعشرين يوماً من أدائه اليمين". ونصت المادة (380) على أن "تُخصص بالأمانة العامة وحدة تسمى (تجنب تعارض المصالح)، تتكون من عناصر قانونية وفنية ومالية، تتولى تقديم المشورة في أي شأن يخص تطبيق مواد اللائحة بطلب يُقدم إلى رئيس المجلس".
نواب "البيزنس"
ورفض عبدالعال مطالبات بعض النواب بتشكيل لجنة لمراجعة الوضع القانوني لجميع الأعضاء، لا سيما، أن أغلب رؤساء اللجان النوعية هم من كبار رجال الأعمال، وأصحاب الشركات المتعاملين مع الشركات والهيئات الحكومية، ما يجعلهم من أصحاب المصالح. وهذا التصرف من رئيس البرلمان يخالف نصوص اللائحة والدستور. وكان النائب محمد أنور السادات، تقدم بطلب إلى عبدالعال يطالبه فيه بتطبيق نصوص اللائحة المتعلقة بتضارب المصالح على النواب قبل إجراء انتخابات رئاسة اللجان. لكن عبدالعال لم يلتفت إليه، بل بارك، في المقابل، ترشح وفوز زملائه في ائتلاف الأغلبية، إرضاءً للدائرة الاستخباراتية لرئيس النظام، عبدالفتاح السيسي، والتي شكلت الائتلاف، وأوصلت عبدالعال إلى منصبه.
ويواجه السادات اتهامات تُنذر بإسقاط عضويته في وقت قريب. ووجهت له هيئة مكتب المجلس، يوم الخميس الماضي، اتهامات بتسريب مشروع قانون الحكومة للجمعيات الأهلية إلى سفارات أجنبية، استناداً لشكوى مقدمة من وزيرة التضامن الاجتماعي، غادة والي، فضلاً عن تزويره توقيعات بعض النواب على مقترح بديل للقانون السابق. وطالب السادات عبدالعال في وقت سابق، بمراجعة موقف رؤساء اللجان، ومدى تطابق المادتين (354) و(372) من اللائحة في شأن تعارض المصالح، نظراً لتعاملهم مع بعض الوزارات من خلال أنشطة شركاتهم، وتقلد بعضهم وظائف يساهم فيها المال العام بنسبة كبيرة، بما يتعارض صراحة مع الدستور، الذي اشترط تفرغهم. وينص القانون في مادته رقم (40) على "فصل ملكية الأسهم والحصص لعضو مجلس النواب، من خلال إبرام عقد لإدارة هذه الأصول مع شخص مستقل من غير أقاربه حتى الدرجة الرابعة، أو شركائه في النشاط التجاري"، وهو ما لم يحدث مع أغلب النواب، الذين يمارسون أعمالهم علناً، وفي تحد واضح للدستور والقانون.
أصحاب المصالح
ويشغل رئيس لجنة الثقافة والإعلام في البرلمان المصري، القيادي بائتلاف "دعم مصر"، أسامة هيكل، منصب رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي. ويحظى رئيس لجنة الشباب والرياضة، محمد فرج عامر، بمنصبي رئيس نادي سموحة، ورئيس جمعية مستثمري برج العرب، فضلاً عن كونه مالك ورئيس مجلس إدارة شركات "فرج الله" للأغذية. كما يشغل رئيس لجنة الطاقة والبيئة، طلعت السويدي، رئاسة مجلس إدارة مجموعة "السويدي" للصناعات الكهربائية. ويتولى رئيس لجنة المشاريع الصغيرة، محمد علي يوسف، رئاسة مجلس إدارة مجموعة شركات "المهندسون المتحدون". أما رئيس لجنة الإدارة المحلية، أحمد السجيني، فهو رئيس مجلس إدارة شركة "نفرتاري" للمقاولات. وكل هذه الأمثلة الجلية تشير إلى تضارب المصالح. وتشغل رئيسة لجنة السياحة والطيران في البرلمان، سحر طلعت مصطفى، عضوية مجلس إدارة شركة الإسكندرية للإنشاءات (مجموعة طلعت مصطفى). ويملك وكيلها أحمد إدريس، شركة "فارندبيوند ترافل" للسياحة. ويرأس وكيل لجنة الصحة، أيمن أبو العلا، مجلس إدارة شركة "كير" للرعاية الطبية. ويملك رئيس لجنة التعليم، جمال شيحة، شركة "الهانوف" للسياحة.
كذلك، يتولى رئيس لجنة الصناعة في البرلمان المصري، أحمد سمير، منصب رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات "القناة" الصناعية. ورئيس لجنة الإسكان والتعمير، علاء والي، يرأس مجلس إدارة شركات "الوالي" للإنشاء والتعمير، فيما يعتبر رئيس لجنة الشؤون الإفريقية، مصطفى الجندي، من أكبر المستثمرين المصريين في دولتي السوادن وأوغندة. ويشغل رئيس ائتلاف الأغلبية، محمد زكي السويدي، رئاسة اتحاد الصناعات المصرية، ويملك شركة "السويدي" للصناعات الهندسية. ويملك أمين عام الائتلاف، وزير الرياضة السابق، طاهر أبو زيد، شركة "النسر العربي"، ويشغل منصب العضو المنتدب للمجموعة المصرية السعودية للاستشارات.
وشملت قائمة أصحاب المصالح من النواب: محمد مصطفى السلاب، الذي يشغل منصب رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات "السلاب"، ومصانع "سيراميكا رويال"، ومحمود فريد خميس، الذي يمتلك أسهماً بشركة "النساجون الشرقيون" لصناعة السجاد، وتاجر الأعشاب سعيد حساسين، الذي يملك فضائيتين تحت اسم "العاصمة". ويملك وكيل لجنة الشؤون العربية، أحمد فؤاد أباظة، الشركة الشرقية للتجارة والتوزيع، والنائب إيليا ثروت هو رئيس مجلس إدارة شركة "ألفاكيور" للأدوية، ورزق راغب هو رئيس مجلس إدارة شركة "عمران مصر" للتنمية العقارية. والنائب رشاد شكري يرأس مجلس إدارة شركة "روش" للسياحة، في حين يتولى النائب رفعت داغر، رئاسة مجلس إدارة شركة "إيجبكو فارما" للأدوية. وجميعهم من المنتمين لائتلاف "دعم مصر".
ويشغل رئيس كتلة حزب الحركة الوطنية، محمد بدراوي، منصب رئيس مجلس إدارة شركة "يونايتيد إيجيبت" للاستثمارات الصناعية. ونائب حزب الوفد، السيد موسى، يملك شركة "صحارى" للأمن الغذائي. والنائب حسين خاطر هو صاحب شركة "آمون" للمقاولات، أما زمليهما أحمد الجزار، فيتولى رئاسة شركة "الجزار ستون" لصناعة الرخام والغرانيت. وشملت القائمة أيضاً النواب: محمد شيمكو، صاحب الشركة المصرية للإسكان والتعمير، وعبد الهادي بعجر، صاحب شركة الهادي للمقاولات العمومية والمتكاملة، ومحمد زكريا محي الدين، رئيس مجلس إدارة الشركة الأهلية للصناعات الكيمائية، وسمير البطيخي، مالك شركة "السالمية" للتجارة والتوزيع. كما ضمّت النائب، سيد موافي، صاحب شركة "نور الهدى" للتوريدات الكهربائية، ومحمد الشورى، صاحب شركة الشورى لحديد التسليح والإسمنت، ومحمود عثمان، رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات عثمان أحمد عثمان.