البرازيل تنتخب: صراع امرأتين يهزّ عرش حزب العمّال

البرازيل تنتخب: صراع امرأتين يهزّ عرش حزب العمّال

05 أكتوبر 2014
تعدّ روسيف التلميذة العنيدة للرئيس الأسبق لولا(نلسون ألميدا/فرانس برس)
+ الخط -
لم تتوقّع الرئيسة البرازيلية المنتهية ولايتها، ديلما روسيف، التي تعدّ من الحرس القديم في حزب العمال، أن تجد نفسها، قبل أسابيع من موعد الانتخابات الرئاسيّة، مضطرة إلى شنّ حملة إعلامية دفاعيّة، للحدّ من شعبيّة خصمتها المتصاعدة، المرشّحة مارينا سيلفا، الوافدة بدورها إلى عالم السياسة من بوابة حزب العمال. 

بغضّ النظر عن نتائج الانتخابات الرئاسيّة في البرازيل، وهويّة الرئيس الذي سيحظى بثقة العدد الأكبر من الناخبين، الناقمين بمجملهم على الفقر والفساد في عملاق أميركا اللاتينية، فإنّ صورة الرئيس الأسبق لويس انياسيو لولا دا سيلفا، صانع أمجاد حزب العمال البرازيلي، لا تغيب عن اعتبارات الناخبين في حسم خيارهم الرئاسي، مع انحصار المنافسة بين مرشحتين شغلتا مناصب قيادية في حزبه، ووزارية في حكومته.

تجد القاعدة الشعبيّة البرازيليّة نفسها اليوم، برغم تعدّد الطامحين للرئاسة، منقسمة بين تأييد الرئيسة المنتهية ولايتها ديلما روسيف، مرشّحة حزب العمال، وتلميذة لولا العنيدة، وبين التعاطف مع مرشّحة الحزب الاشتراكي البرازيلي، مارينا سيلفا، المناضلة البيئيّة الشرسة، التي كانت حتى أمس القريب من أبرز كوادر حزب العمال وفريق لولا الحكومي، قبل أن تختلف في الرؤية معه.

نحو 142,8 مليون برازيلي، مدعوون اليوم الأحد، للإقبال على صناديق الاقتراع، للمشاركة في انتخابات عامة، تشمل إلى جانب انتخاب رئيس جديد للبلاد، لولاية من أربعة أعوام، انتخاب 27 حاكم ولاية و513 نائباً و1069 من نواب الأقاليم، فضلاً عن ثلث أعضاء مجلس الشيوخ (27 مقعداً). ومن المرجّح ألا تحسم نتيجة الانتخابات الرئاسيّة في الجولة الأولى، والتي تفرض حصول أحد المرشحين على أكثر من 50% من مجمل الأصوات، ما يعني الذهاب إلى جولة اعادة ثانية، حدّدتها السلطات البرازيليّة في السادس والعشرين من الشهر الحالي.

وتضمّ قائمة المرشحين للرئاسة أحد عشر مرشّحاً، أبرزهم إلى جانب روسيف وسيلفا، مرشح الحزب الاجتماعي الديمقراطي البرازيلي، الاقتصادي المعروف إيسيو نيفيس. وترجّح استطلاعات الرأي البرازيلية، وآخرها استطلاع أجراه معهد (MDA/CNT)، في التاسع والعشرين من الشهر الماضي، حصول روسيف على 40,4 في المائة من أصوات الناخبين، مقابل حصول سيلفا على 25,2 في المائة، على أن يحلّ نيفيس في المرتبة الثالثة بحصوله على 19,8 في المائة من الأصوات.

وتحتّم هذه النتائج التقديريّة الذهاب إلى جولة إعادة ثانية. ويظهر استطلاع رأي أجرته مؤسّسة "داتافولا"، يومي 25 و26 سبتمبر/أيلول الماضي، أن سيلفا قد تقلّص الفارق بينها وبين روسيف، بحصولها على 43 في المائة من الأصوات، مقابل حصول الأخيرة على 47 في المائة.

وتمكّن مراجعة استطلاعات الرأي في الشهرين الأخيرين (أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول)، من رصد تحوّلات الرأي العام البرازيلي بشكل واضح. قبل 13 أغسطس/ آب الماضي، كانت روسيف، وهي وزيرة الطاقة السابقة في حكومة الرئيس لولا، الأكثر حظوظاً للفوز على خصومها الذين لا يتمتّعون بشعبيّة كبيرة. لكنّ مقتل المرشّح الاشتراكي إدواردو كامبوس، بحادثة تحطّم طائرته، دفع حزبه إلى تبنّي ترشيح سيلفا للرئاسة، علماً أنها كانت مرشّحة لمنصب نائب رئيس على قائمة كامبوس.
وعلى الرغم من أن الأخير كان يحتّل المرتبة الثالثة في استطلاعات الرأي، التي أُجريت قبل وفاته، إذ نال وفق استطلاع لـ"داتافولا" نشرته في 22 يوليو/تموز الماضي، 8 في المائة من الأصوات، مقابل حصول روسيف على 38 في المائة، أي بفارق كبير جداً، لكنّ تبني الحزب الاشتراكي ترشّح سيلفا للرئاسة، خلط الأوراق وأعاد توزيع الأصوات والمعطيات، وهو ما بدا وكأنه تهديد حقيقي لروسيف، التي كانت تظن أنها ستكون الرئيسة بلا منازع.
وارتفعت شعبيّة سيلفا على حساب روسيف ونيفيس، إذ أظهر استطلاع رأي نشر في 29 أغسطس/آب تعادلها وروسيف، بحصول كل منهما على تأييد 34 في المائة من الأصوات، قبل أن يتراجع تأييد سيلفا على حساب روسيف، التي قادت حملة اعلامية مضادة، ستثمر تقدّمها المحسوم في دورة الانتخابات الأولى.
ومع ذلك، لا يستبعد محللون سياسيون وخبراء برازيليون، أن تتمكّن سيلفا من الوصول إلى سدّة الرئاسة، لأسباب عدّة ليس أوّلها تعهّدها بسياسة جديدة ومساعدة الحكومة على اعادة الاستقرار الاقتصادي الى البلاد، في وقت فقدت فيه شريحة واسعة من الناخبين ثقتها بالسياسة الاقتصادية لحكومة خصمتها.
وإذا كانت سيلفا تستمدّ شعبيتها من الكاريزما التي تتمتّع بها ومن كفاحها النقابي الطويل ونشاطها المستميت في الدفاع عن البيئة، وهي المتحدّرة من ولاية الأمازون والعاملة في حقول المطاط فيها، فضلاً عن اضاءتها على مكامن الخلل في أداء حكومة روسيف، في ظل حالة ركود يشهدها الاقتصاد البرازيلي منذ بدء العام الحالي، وتباطؤ في النمو خلال السنوات الأربع الأخيرة، فإن الرئيسة المنتهية ولايتها لا تجد الكثير لتسجيله على خصمتها، باستثناء تحذيرها الفقراء من توجّهها إلى إلغاء البرامج الاجتماعية التي يستفيد منها الملايين وانتقادها لعدم امتلاك حزبها نفوذاً برلمانياً، ما يجعل ترشّحها "مغامرة". وكانت روسيف قد عمدت خلال سنوات عهدها إلى زيادة نسبة التقديمات والمساعدات المالية المقدّمة إلى الفقراء والمحتاجين، ما يقرأه خصومها على أنّه بمثابة رشى غير مباشرة للإبقاء على شعبيتها في صفوف الفقراء، وهم الأكثريّة الساحقة في البرازيل.
وفي سياق متّصل، حذّرت روسيف في مناظرة تلفزيونية، الشهر الماضي، من الشلل السياسي الذي قد ينتج اذا انتخبت خصمتها. وقالت: "في نظام ديمقراطي، لا أحد يحكم بدون حزب، هل تعلم قاعدة دعم مارينا سيلفا اليوم تتمثل في 33 نائباً، كم هو عدد الأصوات التي ينبغي أن تحصل عليها للمصادقة على مشروع قانون؟ 129، ولتعديل دستوري؟ 308، هل هي مؤهلة للتفاوض؟".
في المقابل، لا تجد سيلفا حرجاً في توجيه الانتقادات لخصمتها، انطلاقاً من الوضع الاقتصادي السيئ ومعدلات التضخّم ونسب الفوائد التي بلغت مستويات مرتفعة، فضلاً عن صفقات الفساد والمحسوبيّة، وآخر فصولها فضيحة شركة بترول البرازيل (Petrobras)، التي هزّت حكومة روسيف مطلع الشهر الماضي، ويتورط فيها عدد من وزرائها ونواب ومسؤولون رسميون، تلقوا عمولة تبلغ ثلاثة في المائة من عقود شركات النفط المرمة مع أطراف ثالثة في الفترة الممتدة بين عامي 2004 و2012. وكانت روسيف ترأست مجلس إدارة هذه الشركة العملاق في الفترة الممتدة بين 2005 و2010.
وفي الإطار ذاته، يركّز نيفيس، المرشّح الثالث للرئاسة، حملته الانتخابية على انتقاد أخطاء الإدارة والتدخل الاقتصادي لحكومه روسيف، التي يعتبرها مسؤولة عن التباطؤ الكبير للنمو في البرازيل وارتفاع معدلات التضخم.
ولم تتمكن روسيف التي حصدت نقمة كبيرة من البرازيليين، بسبب النفقات الباهظة على مونديال 2014، من تحقيق إنجازات اقتصاديّة، ومن تحسين الواقع الاجتماعي والمعيشي، بناءً على الازدهار الاقتصادي الذي حقّقه سلفها لولا، ودفعه بشريحة كبيرة من الفقراء، تُقدّر بنحو 40 مليون برازيلي، للخروج من تحت خط الفقر.
أمام ذلك كلّه، تصارع روسيف، الحرس القديم في حزب العمال، للحفاظ على مكاسب حزبها واستمراريته في الحكم، فيما تلقى تعهدات سيلفا بسياسة جديدة وأداء اقتصادي مكمّل لما كان لولا قد بدأه، أصداء إيجابيّة واسعة لدى البرازيليين، لا سيما المتعبين والفقراء منهم، وهم أكثريّة.

كادر: لعنة المونديال
لم تقتصر خسائر البرازيل في مونديال 2014، على سقوط فريقها المدوّي فحسب، بل تعدّتها إلى تداعيات اقتصادية وسياسيّة. أنفقت البرازيل 14 مليار دولار، لاستضافة مونديال 2014، وهي التكلفة الأعلى في تاريخ البطولات العالمية لكرة القدم. وسبق انهاء الاستعدادات لاستضافة المونديال، انطلاق تظاهرات غاضبة في شوارع المدن الكبرى، العام الماضي، طالبت بصرف هذه المبالغ على تحسين الخدمات الأساسية، واتهمت روسيف والحكومة بصفقات فساد وسرقة. وأدت خسارة منتخب البرازيل المدوية في المونديال الى نقمة شعبيّة واسعة ضد روسيف.

كادر: انكماش الاقتصاد
يعدّ الاقتصاد البرازيلي الأكبر في دول أميركا اللاتينية، والسابع في العالم، لكنّه يشهد حالة انكماش اقتصادي بعد فصلين متتاليين من تراجع اجمالي الناتج الداخلي، الذي عزاه المعهد البرازيلي الرسمي للاحصاء والجغرافيا، إلى أزمة الانتاج الصناعي وأيام العطل الكثيرة خلال مبارايات المونديال. وعززت الشكوك حول نتيجة الانتخابات الرئاسية تراجع الاستثمارات (5,3%-)، التي اعترف وزير الاقتصاد البرازيلي غيدو مانتيغا بأنها "أقل من التوقّعات"، مشيراً الى أنّ الحكومة ستخفض تقديراتها الحالية للنمو وهي 1,8 في المائة لعام 2014، علماً أنّ السوق لم تعد تعوّل على أكثر من 0,7 في المائة". يُذكر أنّ البرازيل، تعتمد في اقتصادها، على إنتاج المزيد من النفط والغاز بعدما تم اكتشاف احتياطيات نفطية في السواحل البرازيلية.