البحث عن معجزة

البحث عن معجزة

08 سبتمبر 2020
ماذا يعني أن نبحث عن نبضٍ تحت الركام؟ (حسين بيضون)
+ الخط -

لا بد من اعتراف في البداية. ما زلتُ أشاهد بين الحين والآخر فيديوهات السحابة العملاقة التي انفجرت في قلب المدينة. أكثر من شهر ولم أستوعب حتى اللحظة هول الانفجار الذي عصف بمرفأ بيروت. أفكّر أنه لو مرّ هذا الانفجار أمامي في فيلم سينمائي كان سيكون صعباً عليّ أن أصدّق المشهد، وكنتُ سأقول إن المخرج بالغ كثيراً في المؤثرات لدرجة الفداحة. فكيف أصدّق كل هذا في الحقيقة؟
ربما يقول قائل إن كل ما يحدث في هذه المدينة يبدو عصياً على العقل، فبيروت، مثلها كمثل هذه البلاد، مدينة مجنونة بسلوكها وبيومياتها وبفوضوية كانت محببة، لكنها باتت اليوم قاسية ومؤذية.
أكثر من شهر وموكب العزاء ولملمة الجراح لم يتوقف. نفيق كل يوم على قصة جديدة. نتقصّد البحث عنها والتلذّذ بألمها تعويضاً لشعورٍ بالذنب بسبب غيابنا عن مكان الانفجار لحظة وقوعه. تكفيراً عن نجاة عاتبنا أنفسنا لأننا لم نستحقها. نبحث عن قصص هؤلاء الذين كان يمكن أن تستمر حيواتهم لولا أن الإهمال والفساد قرّرا غير ذلك. إهمال وفساد يسارع أبطالهما اليوم لتشكيل حكومة جديدة بـ"أمر" أجنبي. 
ونصير نبحث عن أملٍ ولو كان عصياً على العقل بنجاة ضحية بعد كل هذا الوقت. أو نتواضع فنرتضي بنجاة كائن حي، أي كائن، يُبقي بعض الحياة في نفوسنا التي تخلّعت في ذلك اليوم المشؤوم.
ماذا يعني أن نبحث عن نبضٍ تحت الركام بعد كل هذا الوقت؟ ماذا يعني أن نترك كل شيء وأن نبحث عن أملٍ مرتجى؟ عن بعثٍ لن يحصل؟ عن معجزةٍ لن تكون؟
كان احتمال الحياة من بعد النبض الذي رصدته فرق الإنقاذ الأجنبية ضعيفاً. كنا نعلم ذلك يقيناً. مع ذلك، شيء ما في داخلنا عاكس كل منطق وتمنى أن يكون. تمنّى أن يحصل. تمنّى أن تقع معجزة فتمدّ خيطاً من تحت الركام يصل إلى الأعلى كي يلتقطه هؤلاء الذين تجمعوا فوق الركام المتناثر وحوله يبحثون عن أرواح. خيط ولو كان رفيعاً يؤكد أننا ما زلنا نتمسّك بالحياة وقيمتها وحقّها بالرغم من كل شيء.

موقف
التحديثات الحية

ربما سارعنا في لملمة ركام الأبنية وغسل الدماء عن الإسفلت. فعلنا ذلك كما نفعل في كل مرة وكما سنفعل في كل مرة. ربما، في هذه المرة، ما كان يجب أن نسرع لإعادة المشهد إلى ما قبل الساعة السادسة من مساء ذلك اليوم الذي بات تاريخاً فاصلاً أسوةً بالكثير من أيام روزنامتنا الملطخة بالدماء. وربما نكون قد أخطأنا أو بالغنا مرتين. مرةً بأن نفضنا الغبار سريعاً، ومرةً بأن رحنا نبحث عن معجزة.
فهذا ليس زمن معجزات.

المساهمون