الباركور.. رياضة تنفيس الاحتقان في لبنان

الباركور.. رياضة تنفيس الاحتقان في لبنان

بيروت

عبد الرحمن عرابي

avata
عبد الرحمن عرابي
14 اغسطس 2015
+ الخط -
لم تكن العروض المميزة التي قدمها فريق "الأكاديمية اللُبنانية للباروكور" على الكورنيش البحري لمدينة بيروت وليدة اللحظة. بل أتت نتيجة ساعات طويلة من التمرين قضاها أعضاء الفريق في مقر الأكاديمية في منطقة المكلس في بيروت. استدارت الرؤوس ومعها كاميرات الهواتف المحمولة صوب مكبرات الصوت التي اصطف خلفها "الأناس الطائرون".

اجتازوا مسافات كبيرة بخطوات طويلة وواثقة، قبل أن يقفزوا تباعاً فوق العوائق المُختلفة التي نشروها على الكورنيش. أكمل بعضهم دورة كاملة حول نفسه في الهواء قبل أن يهبط، بثبات، على قدميه على وقع هتافات الزُملاء والمُشاهدين. وتميز الأداء بالتركيز الكبير الذي بدا على وجوه اللاعبين. وسبقت كل حركة ثوانٍ قليلة من تحديق اللاعبين بالعوائق أمامهم قبل تجاوزها بسرعة ودقة.


استمر العرض طوال ساعة كاملة، وكلما ارتفعت العوائق قل عدد الأعضاء المُشاركين وازدادت أعمارهم. كما قدم الفريق ألعابا بهلوانية مُشتركة شكل خلالها الأعضاء هرماً بشرياً سُرعان ما انفض بحركات طائرة أعادتهم إلى الأرض. وقد نجح أحد اللاعبين الصغار في إتمام تجاوز أحد العوائق بعد تشجيع زملائه الأكبر سناً. فتجاوز الخجل عندما انزلقت رجله على العائق ووقع على الوسائد الواقية. لم يلتفت لضحكات بعض المُستهزئين من الجمهور الذين عادوا وصفقوا له بعد إتمام القفزة. وقد حاول عدد من الأطفال الحاضرين تقليد بعض الحركات على وسائد الحماية الإضافية التي نشرها المنظمون حول اللاعبين.

وعلى أرض الأكاديمية يتواصل التمرين بشكل يومي تمهيداً لتقديم المزيد من العروض في مُختلف المُناسبات العامة في لبنان. وفي كُل مُناسبة تُقدم الأكاديمية وجوهاً جديدةً للبنانيين أحبوا "الباركور" وقرروا تعلم مراحلها الخمس في المستودع الذي حوله مؤسس الأكاديمية، جو زغيب، إلى المركز الأول للـ "باركور" في لبنان. يشير زغيب في حديث لـ "العربي الجديد" إلى "إمكانية تعلم الباركور بسهولة لمُختلف الأعمار ومستويات اللياقة البدنية للأفراد". وهي الرياضة التي طورها الفرنسي، دايفيد بيل، واشتهرت من خلال الفيلم الفرنسي "الضاحية 13".

يستخدم بيل، في الفيلم، مهارات "الباركور" لإنقاذ الحي الذي نشأ فيه من طمع المُستثمرين والحكومة التي تريد هدم الحي. وساهم الفيلم في انتشار هذه الرياضة بشكل كبير في مُختلف أنحاء العالم. ويؤكد زغيب أن "بداية التعرف إلى رياضة الباركور كانت من خلال الإنترنت ومُتابعة الفيديوهات المُنتشرة ثم محاولة تقليدها". إلى أن أنهى زغيب تخصص التربية البدنية في إحدى الجامعات وافتتح الأكاديمية.

وتشير إحصاءات الأكاديمية إلى مُشاركة ثلاثة آلاف لبناني في اللعبة منذ سنتين وحتى اليوم. ويعزو زغيب هذا العدد الكبير نسبياً إلى "مزج الرياضة بين روحية الألعاب القتالية والقليل من الانضباط الذي تتطلبه لُعبة الجمباز". فيتولد مزيج فريد من الحركات الحُرة والسريعة المضبوطة ضمن إيقاع الفريق الواحد. وتجذب اللُعبة بشكل خاص صغار السن بسبب "الصورة الشيقة التي تُقدمها. فيستفيد الأهل من تفريغ أطفالهم للكثير من طاقاتهم في لُعبة رياضية تستهويهم بدل تسلق جدران المنزل!".

كما يشير زغيب إلى تميز اللُعبة بـ "فلسفة خاصة تُساهم في تطوير نظرة الفرد للعوائق الحقيقة والنفسية التي تُصادفه في حياته، وينتقل بتفكيره وجسده إلى محاولة تجاوزها دون النظر إلى صعوبة الخطوة". وتتمز اللعبة بتطوير كفاءة اللاعبين، فلا يكتفي اللاعب بسرعة الحركة، بل يحاول أن يصل إلى هدفه بأقل قدر ممكن من الطاقة ليصل إلى هدفه بشكل مباشر. ويحرص المدربون على تحقيق مستوى عال من الكفاءة دون تعريض اللاعبين لخطر الإصابة.​

اقرأ أيضاً: معوّقون يطرقون باب النجاح

كما تتضمن فلسفة اللُعبة "حصر التحدي والمُنافسة بين اللاعب ونفسه وعدم المشاركة في مُسابقات". ويُسجل زغيب أسفه بسبب "تنظيم شركات مشروبات الطاقة لمسابقات في الباركور تسيء للفكرة التي قامت عليها اللُعبة وتُحولها إلى سلعة أُخرى في السوق". ويمتنع فريق الأكاديمية على تلبية أي "تحد" من فرق محلية أُخرى، ويكتفي بتقديم العروض في المهرجانات.

دلالات

المساهمون