الباب الموريسكي

الباب الموريسكي

12 مايو 2015
+ الخط -
هذا الباب الموريسكي الواقع في سلا، أخت الرباط، واحد من أبواب البيوت المتبقية الشاهدة على أثر نزول الأندلسيين صوب المغرب. فالجصّ الأبيض الموّرق، والقنطرة والإطار الحجري المصفر، وذاك الباب المعدني ذو المسامير المدبّبة، وتلك الحلقة أعلاه، تحيل كلّها إلى ما حمله المطرودون والمهاجرون قسرًا من الأندلس، من أساليب بناء وعمران لا تخطئها عين. هذا باب أحد البيوت الموريسكية القديمة، التي تنفتح باستمرار على قصص وحكايات لا تكفّ عن التوالد.
للمطرودين اسمٌ؛ الموريسكيون.
تغلغل الموريسكيون في ثنايا المكان المغربي. ويُقال إن نصيب سلا منهم، كان من عشيرة ذات امتياز خاص، أعطاها الملك الإسباني فيليب الثاني ترخيصًا بحمل السلاح. لذلك ربّما ترسّخ حبّ السيطرة وبسط النفوذ لدى سكان سلا التي لا يفصلها عن الرباط إلا نهر أبي رقراق. من هنا اكتسبت المدينتان لقب العدوتين. بيد أن سلا تفرّدت بأمر آخر، إذ كانت منبع القراصنة، فرسان البحار الأشدّاء الذين اشتهروا بـ"سبي" السفن التي تجوب البحر الأبيض المتوسط، ومن أسمائهم أيضًا القراصنة السلويون.
كل ما في سلا وقراصنتها ينضح بالإلهام، لكأنها مرفأ وجهته الخيال. كذا قُيّض لأخت الرباط أن تدخل باب الأدب العالمي من خلال أشهر الروايات: روبنسون كروزو، لدانيل ديفو.
فالبطل، الذي خالف وصيّة أهله بعدم الذهاب في رحلة بحرية، عُوقب؛ إذ سطا القراصنة السلويون على السفينة التي كانت متجهة إلى جزر الكاناري، وغدا كروزو عبدًا لمغربي. سيهرب روبنسون عبر الماء من القراصنة، وتتشعّب حكايته المليئة بالرموز والإيحاءات والدلالات المسيحية، قبل أن يستقرّ في جزيرة، شبه وحيد، إلى آخر القصّة الشهيرة.
وفقًا للباحثين، يحمل هذا الباب ذاكرة العمارة الإشبيلية، حيث الإطار المستطيل المزدان بعمودين، يحتضن القوس الحجري المنحني، قبل أن يضمّ إلى داخله قليلًا الباب الأصغر المليء بالمسامير. وقد بقي تصميم هذا الباب مؤثرًا ورائجًا حتّى عشرينيات القرن المنصرم. وإلى وقت قريب كان لسكّان بيوت ذات أبواب مماثلة، أسماء عوائل تشي بالماضي الاجتماعي القائم على اختلاط بشرٍ من أصول مختلفة. وحمل رنين تلك الأسماء رجعًا إسبانيًا، فالتعريب بالمغربية المحكيّة لن يكون نافلًا أو غير ملحوظ. اختلاطٌ يشبه ربّما تلك الوشائج الخفيّة التي تربط بين موسيقى الموشحات وموسيقى الفلامنكو.






المساهمون