البؤس العربي

البؤس العربي

21 اغسطس 2015
الشعوب في الداخل منقسمة على نفسها (الأناضول)
+ الخط -

تشهد العديد من مناطق العالم صراعات ونزاعات، وتعرف كل دول العالم حوادث متفرقة وأحداث عنف متباينة. البشر بطبيعتهم يختلفون ويتنافسون ويتصارعون، وصولاً إلى أن يعتدي بعضهم على الآخر ربما حد القتل.

لكن العالم العربي يعيش وضعية خاصة، فالصراعات لا تستثني، تقريبا، أياً من دوله. الشعوب في الداخل منقسمة على نفسها بأشكال متباينة، بعضها يعيش عنفاً متبادلاً مثلما هي الحال في سورية وليبيا واليمن والعراق، وبعضها يعاني عنفاً نظامياً ضد الشعب أو فئة منه مثلما هي الحال في مصر. بل إن معظم الدول تتصارع مع جيرانها، أو تعتدي عليها بأشكال مختلفة، وبعض الحالات شهدت عدواناً صريحاً، وبعضها عرفت تدخلات متباينة، صريحة أحياناً وخفية في معظم الأحيان.

يعيش كثير من دول العالم أوضاعا سياسية واقتصادية واجتماعية بائسة لأسباب أبرزها فشل الحكام، لكن البؤس العربي يظل نموذجاً ظاهراً لما يمثله الفشل في إدارة أمور البلاد، أو التعامل مع الجيران، أو إدارة أزمات الإقليم الذي تؤثر مشكلاته في الداخل.

ورغم أن العرب تربطهم وحدة الجغرافيا والتاريخ واللغة، وحتى الدين في الأغلب، وكلها روابط كفيلة بصنع توافق، ولو ظاهرياً، إلا أن تلك الروابط المفترض أن تقوّي الصلات وتزيل الخلافات، تظهر عادة ضمن أسباب الشقاق، أو بالأحرى تعد "شماعة" يلقي الجميع عليها بالمسؤولية، بدلاً من الأسباب الحقيقية المتمثلة في التبعية للخارج، وغياب حرية الرأي والتعبير، وتجاهل قيم المواطنة، والتعامل مع الديمقراطية باعتبارها وباءً مدمراً، واستخدام الدين والقضاء كستار لتبرير كل الموبقات، وتوجيه الإعلام لخدمة أغراض المتنفذين والحكام.
البؤس العربي الظاهر لا يمكن بحال التشدق بكونه مسؤولية الحكام وحدهم، رغم عظم مسؤوليتهم، بل إن المحكومين أيضاً مسؤولون عن استمراره وتفاقمه، سواء كان ذلك عن جهل أو عن تعمّد، وسواء كان خضوعاً وخنوعاً أم خوفاً ونفاقاً وتملقاً. فالمحكوم الذي يرضى بظلم الحاكم له، أو بسرقته لمقدراته، أو بتغييبه عن الواقع؛ مسؤول أيضا عن البؤس الذي يعيشه، ومسؤول كذلك عن مواصلة الحاكم ظلمه وسرقته وتغييبه.

تتدخل كثير من دول العالم في المنطقة العربية، بأشكال مختلفة. كثير من الدول لها مصالح في تلك المنطقة المليئة بالثروات، ويسمح الحكام بتلك التدخلات أملاً بألا يتهدد حكمهم، كما يترك المحكومون الحكام يسمحون للآخرين بالتدخل أملاً بألا يتهدد أمنهم.
إنها متوالية قميئة من الجهل والغباء والقهر والخوف والتضليل. فرضها الغرب على العرب، ويحرص حكام ومحكومون يدورون في فلكهم أن تستمر ليتواصل البؤس العربي.

اقرأ أيضاً: أطفال "رابعة"

المساهمون