الانتقام من حمورابي

لماذا؟
كل إنسان يعيش في المنطقة العربية يسأل نفسه أسئلة عديدة، متعلقة بالأحداث الجارية فيها، والتي يبدأ غالبها بصيغة لماذا. لكن أهم هذه الأسئلة يحوي، في طياته، جميع مبهماتها، وهو، لماذا تحدث كل هذه الأحداث المعاكسة لإرادة الشعوب ومصالحها، وفي هذه المنطقة دون غيرها من مناطق العالم، وبشكل مستمر؟
الجواب الجاهز لدى كل شخص من هذه المنطقة، هو بسبب الآخرين من غير سكان منطقتنا، وهم الغرباء الذين يساعدون من استعمر جزءاً من أرضنا عنوة، على البقاء فيها، هم السبب الرئيسي في ما يجري.
لكن، لو افترضنا أن نفوذ هؤلاء الغرباء، ورغبتهم في قتل كل ما هو شرعي وقانوني في أرضنا، كأنهم يناصبون حمورابي العداء، عمل ويعمل على إيجاد مزيد من الانحدار والسلبية، والتراجع وتدمير مجتمعات هذه المنطقة، فذلك لم يكن ليتحقق في الواقع، لولا أن بعضاً من أهل هذه المنطقة ساعدوا على حصوله، بموافقتهم وتطبيقهم الفعلي مبدأ التشرذم والتفرقة والفردية والانتقام من الذات، وتسليمهم بواقع التقسيمات القُطرية والحروب المصطنعة بين الأشقاء، وباتخاذ الموقف السلبي الصامت من القوى القائمة على تغذية هذه المشكلات، وخصوصاً الديكتاتوريات التي كانت تحكم، أو التي لا تزال في الحكم أو عادت إليه.
لذلك؛ إذا استمرت المواقف على ما هي عليه، فلن يفضي الحال المأساوي الذي وصلت إليه منطقتنا، من تطبيق كامل لشريعة الغاب، إلى صلاح حالها، وسيرها على طريق الحرية والتنمية الحقيقيتين، بل سوف يؤدي إلى مزيد من الانحدار نحو الهاوية والضعف، وصولاً إلى حالة الاضمحلال، ليصبح هؤلاء الغرباء أكثر سعادة وبهجة وسروراً، بأيدي أهل المنطقة، وبمخططات الغرباء عنها.
إذن؛ الحل الوحيد لإنعاش هذه المنطقة، وإنقاذها من الغرق القريب، ليس سحرياً، ولا يحتاج إلى معجزات، وإنما يكمن في تماسك مجتمعات هذه المنطقة، وتآلفها، وترك التعصب والاصطفافات القروسطية وراء الظهور، والانطلاق في التفاعل الحقيقي، والحر والإبداعي، مع الواقع المعاصر، بناءً على فهم التاريخ والوعد بلقاء المستقبل.