الانتخابات المصرية تشعل أسعار البلطجية

الانتخابات المصرية تشعل أسعار البلطجية

18 أكتوبر 2015
انتخابات البرلمان فرصة كبيرة للبلطجية لجمع المال(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

تهدد ظاهرة البلطجية الانتخابات البرلمانية المصرية، التي تنطلق في جولتها الأولى التي تشمل 14 محافظة مصرية اليوم الأحد وغداً الاثنين، وسط ارتفاع أسعار هؤلاء البلطجية و"الهتيفة" من الرجال والنساء معاً، مع سعي الكثير من المرشحين لإحاطة أنفسهم بعدد من هؤلاء لحسم المعركة الانتخابية لصالحهم باستخدام "البلطجة".

ويعتبر الكثير من الخارجين عن القانون في مصر أن الانتخابات البرلمانية "موسم لجمع الأموال"، لاعتماد المرشحين عليهم بشكل أساسي، من أجل الدعاية والحماية والفتك بخصومهم في بعض الأحيان، إذ يتجولون معهم في كل مكان، ويصل الأمر بهم إلى السطو على اللجان وإجبار الأهالي على الإدلاء بأصواتهم لشخص يعملون لمصلحته. ومعظم هؤلاء يستخدمون الأسلحة المختلفة في حماية نشاطهم غير المشروع، وعادة ما يدخلون في شجارات دامية تنتهي بقتلى ومصابين.

وهناك مهام معروفة لدى البلطجية اعتادوا على القيام بها أيام الانتخابات، إذ يركزون على تفريق وإفساد أي مسيرة للمرشح المنافس لمن يعملون لصالحه، سواء باستخدام أسلحة بيضاء أو بإشاعة الخوف والرعب في أنصار المنافس، إضافة إلى المهمة الدائمة بإفساد المؤتمرات الانتخابية للمرشحين، والاعتداء على أنصار المنافسين بالضرب. ومن المهام التقليدية لعمل البلطجي أيضاً في الانتخابات، تلفيق التهم للمرشح، ونشر الفضائح الأخلاقية بين أبناء الدائرة. وفي يوم الاقتراع يقف هؤلاء أمام اللجان يحاولون إقناع الناخبين بالتصويت لمرشح بعينه، ويتولون مهمة شراء الأصوات سواء بالمبالغ المالية أو بالمواد المخدرة أحياناً للتابعين لهم، ولوقف عملية التصويت أو إلغاء نتيجة لجنة بعينها.

وتُعتبر محافظة القاهرة الأولى في انتشار البلطجية فيها، إذ تقوم بعض المناطق في تصدير عدد من هؤلاء إلى شخصيات معينة. ومن أبرز المناطق التي يتمركز بها الخارجون عن القانون في القاهرة: منشأة ناصر، مصر القديمة، دار السلام، الباطنية، الزاوية الحمراء، عزبة أبو حشيش، أبو قرن، والمطرية، بولاق أبو العلا، السيدة زينب، المقطم، عزبة الهجانة، ومدينة نصر.

فيما تحتل محافظة الجيزة المركز الثاني بعد القاهرة من حيث انتشار البلطجية فيها، لا سيما مع توافد أعداد كبيرة من مواطني الأقاليم عليها واستقرارهم فيها، وهو الأمر الذي أسهم في ارتفاع الكثافة السكانية فيها، ومن ثم ظهور بعض المناطق العشوائية والشعبية. وتضم الجيزة الكثير من المناطق المتطرفة ولها ظهير صحراوي، ما أسهم في ظهور عصابات البلطجية بكثافة في تلك المحافظة. وتُعد مناطق إمبابة، وبولاق الدكرور، وأرض اللواء، وكرداسة، والبدر شين، وأوسيم، والعياط، والوراق، من أشهر المناطق التي يظهر فيها البلطجية، وتنتشر معهم الأسلحة النارية، ويلجأ بعضهم لاستخدام الكلاب المدربة في ترويع المواطنين وفرض سيطرتهم على الشوارع.

اقرأ أيضاً: المقاطعة واستشراء المال السياسي يهددان الانتخابات المصرية

وتختلف أسعار "البلطجة" حسب مكانة وقيمة المرشح والعائلة التي ينتمي إليها، إذ من الممكن أن تصل إلى مائة ألف جنيه (نحو 12 ألفاً و500 دولار)، وهناك أسعار تبدأ من 5 آلاف جنيه (630 دولاراً) و20 ألفاً (2500 دولار) و25 ألف جنيه (3150 دولاراً). أما "الهتيفة" فتتراوح أسعارهم ما بين 5 و10 آلاف جنيه عن اليوم الواحد. أما الأطفال فتتراوح أسعار خدماتهم ما بين 500 (63 دولاراً) و1000 جنيه سواء في الهتافات أو أعمال البلطجة مثل استخدامهم في "جلب الطوب" إذا كانت هناك خلافات مع طرف آخر.

ويبدأ الاستعداد في أول يوم انتخابات مبكراً من قِبل هؤلاء البلطجية، إذ يوزع المسؤول عنهم "البلطجية الصغار" على لجان الدائرة بمعدل اثنين، يحضران في أهم اللجان التي يشعر المرشح بضعف تصويتي فيها، في مقابل قوة تصويتية لمنافسيه، وإذا احتاج البلطجية إلى تعزيزات تكون حاضرةً لهم بدقائق قليلة جداً.

ويتبع البلطجية عدداً من القواعد لا يخالفونها عادةً طوال فترة الانتخابات إلا في الحالات الاستثنائية، منها أنه لا يجوز الجمع بين مرشحين على المقعد نفسه في الدائرة الواحدة، خشيةَ تضارب المصالح، والقاعدة الثانية هي أن أغلب النواب القدامى لديهم البلطجية المخصصون لهم. والكل يعرف بلطجية المرشحين الآخرين، فلا يتم الاعتداء على مرشح آخر في حالة وجود البلطجي الخاص به. ويتفق البلطجية على الوقت المناسب للاعتداء على المرشح المنافس في الوقت الذي لا يكون البلطجي مع مرشحه، فيتم افتعال مشكلة وإن لم تكن حقيقية.

ويتوقف المبلغ الذي يحصل عليه البلطجي على عدة عوامل، أولها وأهمها سخاء المرشح ورغبته في الوصول إلى كرسي البرلمان، يليها مباشرةً البلطجي نفسه من حيث اسمه وخبرته ومدى تأثيره، والعامل الأخير الذي يحدد الأسعار هو نوع العملية نفسها، من ضرب، أو تلفيق تهمة، أو فضيحة، أو سرقة وغيرها. وقد يبدأ الاتفاق مع البلطجي على 50 ألف جنيه طوال فترة الانتخابات، تزيد مع طلبات العمليات المكلَّف بها كتفريق مسيرة، أو إفساد مؤتمر.

وعن تلك الظاهرة، يقول الأستاذ في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، إمام حسين، إن مشكلة البلطجة الخاصة بالانتخابات ظهرت بكثافة في المجتمعات المصرية، وأصبحت جزءاً من الحياة السياسية في مصر، ولا تبتعد عن الانتخابات البرلمانية مطلقاً، وأصبحت أداة من أدوات أي نظام، مؤكداً أن البلطجة باتت جزءاً من أسباب انتشار ثقافة العزوف عن الصناديق الانتخابية، لكون هؤلاء يقومون بدور كبير في إفساد العملية الانتخابية، ويجعلون الكثير من المواطنين يخشون الذهاب للإدلاء بأصواتهم، وينتهي الأمر بالامتناع عن المشاركة في الانتخابات تماماً.

ويوضح حسين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تلك الطبقة تستخدم القوة المفرطة لكسب رزقها، إذ إن هؤلاء يرون أن البلطجة مصدر رزقهم الوحيد، مضيفاً أن البلطجي يرى في عمله فرصة ذهبية للحصول على المال بأي وسيلة وإن كان من حرام، وأن انتخابات البرلمان "فرصة كبيرة لجمع المال".

ويشير إلى أن انتشار البلطجة الانتخابية دليل على مدى التراجع الديمقراطي في مصر على الرغم من ثورة 25 يناير التي قامت بسبب انتشار الفساد، مؤكداً أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في الانتخابات وحدها، بل في انتشار ظاهرة الإجرام والخروج على القانون، بين شتى فئات وطبقات المجتمع، بحيث يصبح عملاً رئيسياً وأساسياً.

من جهته، يرى المرشح في محافظة الأقصر أحمد فرشوطي، أن ظاهرة البلطجية في الانتخابات ينمّيها المحيط الأمني في المجتمع، وليس المرشحون أنفسهم، قائلاً إن المرشح من المفترض أن يعرض نفسه وبرنامجه على المواطنين بشكل حيادي وودي، مؤكداً أن عدداً من رجال الأعمال ونواب الحزب الوطني المنحل الذين عادوا بقوة يستخدمون البلطجة من أجل إرهاب منافسيهم.

ويعتبر فرشوطي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن البلطجية في الانتخابات يتحركون بأوامر رجال الأمن، الذين يقومون بتوجيههم في مقابل إسقاط الأحكام الجنائية الصادرة في حقهم، والتهديد بتنفيذها في حال مخالفة تعليمات الأمن، مشدداً على ضرورة عودة مصر إلى الانتخابات الحقيقية، وابتعاد الأمن عن تزوير الانتخابات، وترك الساحة للمجتمع للتعبير عن رأيه، والسماح للمواطنين بمزاولة حقهم في اختيار ممثليهم.

اقرأ أيضاً: ‏"فاينانشال تايمز": رجالات مبارك يطمحون للعودة إلى البرلمان المصري

دلالات

المساهمون