الانتخابات الفلسطينية بين حاجة عباس وعوائق "حماس"

الانتخابات الفلسطينية بين حاجة عباس وعوائق "حماس"

16 ابريل 2014
+ الخط -

يواجه الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، عدة مآزق، بعد تأزم المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، ومع الأزمة الوطنية المتمثلة في الانقسام الجغرافي والسياسي مع قطاع غزة، وفي ظل الأزمة الداخلية لحركة فتح التي يقودها، وقد تصاعدت حدتها بسبب القيادي السابق المفصول من الحركة محمد دحلان. ولهذه الأسباب وغيرها، لن يكون أمام عباس إلا إصدار مرسوم رئاسي، يعلن فيه استحقاق الانتخابات العامة، التشريعية والرئاسية، لتحقيق شرعيةٍ له، تمكنه من التعامل مع هذه الأمور، خصوصاً أن ولايته القانونية انتهت منذ أربع سنوات، ومدد له، في عام 2009، المجلس المركزي، التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولاية جديدة إلى حين إجراء انتخابات، تشريعية وعامة، جديدة.
ويدرك متابع تصريحات مسؤولي "فتح" أخيراً، من تركيزهم على موضوع الانتخابات، أن النية مبيتة، وأن قراراً مركزياً في الحركة تبلور لإجراء هذه الانتخابات. ويؤكد المسؤولون الفتحاويون، أيضاً، على أن تحقيق المصالحة مرهون بموافقة حركة المقاومة الإسلامية، حماس، على موعد إجراء انتخابات عامة جديدة. وكان عباس نفسه قد صرح، على هامش القمة العربية في الكويت في مارس/ آذار الماضي، أن لديه مطلباً واحداً من "حماس"، هو إعلان موافقتها على إجراء الانتخابات بعد ستة أشهر.

ولا ينظر الرئيس الفلسطيني إلى الانتخابات غطاءً لشرعيته فقط، بل إن حركته "فتح" تعمل على استعادة شرعيتها، وقيادتها، وتصر على أنها الأقوى على الأرض، وأن الأمور تغيرت عما أفرزنه نتائج الانتخابات العامة عام 2006، والتي أفضت إلى تظهير "حماس" قوة أكبر من قوة "فتح"، وكانت مفاجأة للجميع. كما أن المخاوف الفتحاوية من توسع نفوذ حركة المقاومة الإسلامية قد تكون من أسباب أخرى. وتستند "فتح" في شعورها بأنها الآن أقوى، وأن شعبية "حماس" تراجعت في الضفة، على استطلاعاتٍ للرأي، تشير إلى تفوق حركة "فتح" أمام منافستها، وخصوصاً في الضفة الغربية. ويوضح أحدث استطلاع للرأي العام الفلسطيني، نفذه معهد العالم العربي للبحوث والتنمية "أوراد"، ونشرت نتائجه مطلع إبريل/ نيسان الجاري، أن "فتح" الأكثر شعبية في صفوف الرأي العام، بحصولها على 42%، وتتبعها "حماس"، بحصولها على 12%، وأن هناك تأييداً كبيراً لعقد الانتخابات التشريعية والرئاسية فوراً، فقد قال 83% من المستطلعين إنهم يؤيدون إجراء الانتخابات فوراً، في مقابل 14% يعارضون ذلك.
وإضافة إلى ذلك كله، إن وضع عباس حرج في المفاوضات مع إسرائيل، وعلى الرغم من تعقدها، يبدو أن الجانب الأميركي يصر على طرح مواقف جديدة، لحث الجانبين، الإسرائيلي والفلسطيني، على قبول صيغةٍ ما، وهذا يدفع عباس إلى محاولة تقوية وضعه، بغطاء الشرعية وصناديق الاقتراع التي ستعمل لصالحه، ولصالح حركته، أمام أي حلٍّ، يتم التوصل إليه مع الإسرائيليين. 
ويبدو أن طريق المصالحة بين رام الله وغزة ما زال مسدوداً، والقناعة الفلسطينية أصبحت راسخةً أنه ليس سهلاً تحقيقها، ومهما خرجت أصوات تنادي بإنهاء الانقسام، أو دخول وساطات جديدة للمصالحة، فإن الطريق إليها شائك وصعب. وفي ظل هذه الوضعية، يدرك عباس أن لا مناص أمامه إلا تنفيذ استحقاق الانتخابات، وجعل صناديق الاقتراع الحكم في عملية ديموقراطيةٍ، تؤهله لمواجهة الاستحقاقات كافة، بأريحية أكبر.
موقف "حماس"
وترفض "حماس" في غزة تناول بند واحد فقط من بنود المصالحة، هو الانتخابات، والتنصل من تنفيذ البنود الأخرى، فللمصالحة خمسة ملفات، بالإضافة إلى الانتخابات، هي تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة صياغتها في الإطار القيادي، وفق ما يضمن الشراكة الفلسطينية، وتشكيل الحكومة المؤقتة التي تحضر للانتخابات على مستوى المجلسين، الوطني والتشريعي، إضافة إلى المصالحة المجتمعية، وتهدئة الخواطر بين أبناء الشعب الفلسطيني.
تؤيد "حماس" إجراء الانتخابات، خصوصاً وأنها سهلت عمل لجنة الانتخابات المركزية في قطاع غزة سابقًا، وهي موافقة على ذلك في إطار رزمة فلسطينية، وتعتبر أن المصالحة أكبر من قضية تصيد انتخابات، وأن ذلك لن يتحقق، من دون توفير أجواء الحرية في الضفة الغربية لأبناء حركة حماس، وتعزيز للشراكة السياسية الحقيقية التي يشارك بها الجميع، بل تعتبر أن السلطة و"فتح" غير جادتين في تحقيق المصالحة الوطنية، بدليل انفرادهما بالقرار الفلسطيني، وتصفية القضية من دون إجماع وطني أو مشاورة داخلية. وتنتقد حركة "فتح" بدعوى أنها تسعى إلى المصالحة، من أجل إجراء الانتخابات، وبشكل انتقائي.
انتخابات في الضفة فقط
وتحدثت تسريبات صحفية أخيراً عن إمكانية إجراء الانتخابات في الضفة الغربية فقط، ولم يصدر نفي من قيادة "فتح"، ما يتطابق مع ما يتم تداوله وراء الكواليس ومع أحاديث المسؤولين الفلسطينيين في "فتح" واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وفصائل أخرى في جلسات خاصة، وهو وجود إمكانية إجراء الانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية في الضفة الغربية، بدون القدس وقطاع غزة.
والحديث عن إجراء انتخابات عامة في الضفة الغربية وحدها ليس جديداً. وكان هذا الطرح يتكرر، في كل مرة، ينهي الطرفان المتخاصمان، "فتح" و"حماس"، محادثاتهما الفاشلة من دون التوصل إلى اتفاق، حيث يخرج مسؤول فتحاوي للتلويح باللجوء إلى خياراتٍ صعبةٍ، تحمل ضمنياً معنى إجراء انتخابات في الضفة وحدها. وقد أعلنت حركة المقاومة الإسلامية رفضها هذه الخطوة، وكرر مسؤولوها، في تصريحاتهم، قبل أيام، أنه لا انتخابات تشريعية، أو رئاسية، في الضفة الغربية تستثني قطاع غزة والقدس المحتلة. وتعتبر الحركة أن الأمور يجب أن تُناقش بشكل أوسع، ومسؤولية أكثر، بدلاً من تقاذف التصريحات السياسية التي قد تقود إلى مزيدٍ من سوء التفاهم، أكثر من أن تقود إلى التفاهم والوحدة.
معارضة في "فتح"
غالبية منتقدي إجراء انتخابات في الضفة الغربية وحدها، في "فتح"، هم من قطاع غزة، أو المتعارف عليهم فلسطينياً، ممن يتبعون تيار محمد دحلان، فهم يرددون في مجالسهم أن عباس لم يهتم يوماً بغزة، وقد تركها من دون استراتيجية، منذ أحداث الانقسام الذي شارف دخوله العام الثامن، وأنه معني بإجراء الانتخابات في الضفة الغربية، ليحكم سيطرته على الأرض، وإزاحة منافسيه في "فتح" أو في خارجها، ومنها "حماس" والتي ستمتنع، بالضرورة عن المشاركة.

وبعيداَ عن مواقف "فتح" و"حماس"، ثمة من يعتبر الخطوة ضروريةً، في ظل تعطل المجلس التشريعي الفلسطيني، وانعدام الرقابة على أداء السلطة الوطنية ورئيسها، وهي السلطة التي تقودها حركة "فتح". وفي قناعتهم، أيضاً، أن العملية الديموقراطية ستساهم بإنهاء تفرد عباس بالسلطة. وهو الذي كان قد أقدم، على إجراء انتخابات المجالس المحلية في عام 2012، وإن لاقت، في البداية، معارضة واسعة، منها معارضة "حماس". وقد استند عباس، في حينه، إلى أن تجديد الشرعية للمجالس البلدية بات ضرورة ملحة، وأن آثار شلل المجالس المحلية تنعكس على الخدمات المقدمة للمواطن الفلسطيني في الضفة، ولا يدخل في إطار تعزيز الانقسام، وشرذمة الوطن. مر عامان على تلك الانتخابات، ولم تؤثر على جهود المصالحة، سلباً أو إيجاباً، أي، بمعنى آخر، لم تكن سبباً في امتناع "حماس" عن جلسات الحوار، من أجل المصالحة، بل استمرت اللقاءات ومحاولات الاتفاق من دون التطرق إليها.
ومع دعوة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية لانعقاد المجلس المركزي، وهو الجهة المخولة بالبت بأمور وقضايا عاجلة وطارئة في منظمة التحرير، في الشهر الجاري، تحدثت تسريباتٌ عن احتمال المصادقة على قرار الانتخابات العامة التي سيدعو إليها عباس، دعماً له، وإن كان مرسوم الانتخابات رئاسيّاً، يصدر عن عباس، بصفته رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، ولا دخل للمنظمة بها. ويؤكد الواقع على الأرض أن الرجل لن يشمل في دعوته انتخابات المجلس الوطني في منظمة التحرير، وسيترك الأمر إلى ما بعد تحقيق المصالحة، وانضمام حركتي حماس والجهاد الإسلامي للمنظمة.
في كل الأحوال، مهما كانت نتائج اللقاءات والمفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، وما سيتمخض عنها، أو ما سيطرأ بخصوص مسألة الانقسام، أو ما سيتمخض عن مشكلاتٍ داخليةٍ تعصف بحركة "فتح"، من المؤكد أن عباس سيصدر قريباً مرسوماً رئاسيا، يحدد فيه موعد إجراء الانتخابات العامة. وقد لا يكون المرسوم خاصاً بإجرائها في الضفة الغربية، لكن ظروف الانقسام وامتناع "حماس" عن المشاركة، ورفض الحكومة الإسرائيلية هذه الانتخابات، سيمنعان إجراءها في غزة والقدس، وسيكون مبرراً لعباس، أمام الشعب الفلسطيني والعالم كله، إجراءها في الضفة الغربية فقط.
 
4412F2FC-6F1B-433A-8247-F5C993F0BEED
تغريد سعادة

صحافية وكاتبة فلسطينية ومخرجة أفلام تسجيلية ووثائقية، مقيمة في رام الله