الانتخابات الرئاسية المصرية
على ضوء نتائج استطلاع "بيو"

الانتخابات الرئاسية المصرية
على ضوء نتائج استطلاع "بيو"

01 يونيو 2014

مصرية تدلي بصوتها في مركز اقتراع في إمبابة (Getty)

+ الخط -

قبل أيام قليلة من بدء الانتخابات الرئاسية، (أو بالأصح الاستفتاء الرئاسي)، نشر مركز بيو، "Pew"، نتائج استطلاع للرأي العام في مصر يغطي الفترة من 10 ـ 29 إبريل/ نيسان 2014. وبالطبع، لم ولن يركز الإعلام المصري على هذه النتائج، لأنها تدحض كل الرسائل والصور الذهنية التي يبثّها منذ نحو عام. ذلك أن متابع الإعلام المصري يتوهّم وجود حالة إجماع وطني غير مسبوقة، منذ 30 يونيو/ حزيران 2013، قوامها العداء للإخوان المسلمين، وتأييد كاسح لتدخل الجيش، وانتهاء بتصوير حالة "توافق وطني" حول تصعيد المشير عبد الفتاح السيسي إلى منصب الرئاسة. ولكن، تقدم النتائج التي نشرها التقرير صورة أخرى، مغايرة لما يتم ترويجه ليل نهار. فوفقاً للتقرير، فإن لدى 54% من المصريين نظرة إيجابية عن المشير السيسي، في مقابل 45% ينظرون إليه نظرة سلبية. في المقابل، لدى 42% من المصريين نظرة إيجابية للرئيس المعزول محمد مرسي. صحيح أنه حدث انخفاض في هذه النسبة من 53% في العام الماضي، قبل أسابيع قليلة من عزله، إلا أنه لو وضعنا في الاعتبار الحملات الإعلامية الممنهجة على مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، والتي توجت بإعلانها جماعة إرهابية، فإن نسبة الانخفاض تبدو أقل من المتوقع.
ما يهم في التقرير إبرازه حالة الانقسام التي لا تزال تسيطر على المشهد المصري. وإذا ما وضعنا نتائج التقرير مع نتائج الاستفتاء على دستور 2014، والانتخابات الرئاسية التي أسدل الستار عليها، فإن النتائج "تعضد من بعضهما". في ما يتعلق بالاستفتاء على الدستور، صحيح أن الدستور تمت الموافقة عليه بنسبة 98%، إلا أن نسبة المشاركة كانت 38.6% ممّن لهم حق الانتخاب. إذا ما وضعنا في الاعتبار الحملات الإعلامية المكثفة التي كانت تدفع الناس دفعاً للتصويت.. كذلك، في ظل ترديد بعضهم، في ذلك الوقت، أن الاستفتاء على الدستور في حقيقته استفتاء على شعبية وزير الدفاع، آنذاك، عبد الفتاح السياسي، ويمثل عاملاً مهماً في اتخاذه قرار الترشح للرئاسة، فإن نسبة المشاركة عكست، على غير ما تم ترويجه في التركيز على نسبة الموافقة، حالة من عدم التوافق السياسي. ففي استفتاء يصوّر على أنه مصيري، لإثبات شرعية ثورة مزعومة، ولا يعبأ أكثر من 38% من الهيئة الناخبة، إنما هو دليل على انقسام مجتمعي، ما كان ينبغي أن يتم إغفاله، إذا ما كانت نيات القائمين على الحكم حسنة، وتهدف بالفعل إلى إصلاح مسار ثورة انحرفت عن أهدافها. وجاء استطلاع "بيو Pew" ليؤكد على أن الانقسام لا يزال سيّد الموقف.


انخفاض الثقة في مؤسسات الدولة


ولهذا، أكدت التقارير المختلفة، المصورة والمكتوبة عن ضعف المشاركة في الانتخابات الرئاسية، مثل هذه النتائج. صحيح أنه من المتوقع أن تأتي النتائج الرسمية بنسب تدعم من عملية صناعة الصورة التي بدأت منذ أشهر طويلة، لكن، ستظل مشاهد اللجان الخاوية تطارد شرعية النظام الجديد. لم يعد ممكناً القيام بمسح ردود الأفعال الهيستيرية من إعلاميي الانقلاب من الذاكرة، ولا تبرير القرار غير المفهوم من اللجنة العليا للانتخابات بتمديد التصويت ليوم آخر، على الرغم من عدم وجود أي نوع من الازدحام خارج اللجان. ويجب أن نضع في الاعتبار الحملات المكثفة من ترهيب المتغيبين عن التصويت، في التهديد بتطبيق غرامة مالية، أو قطع المعاش، وكذلك ما تناقله بعضهم من تهديد مباشر لعمال المصانع بالفصل أو الحرمان من الحوافز. وحتى لو سلّمنا بالنتائج المعلنة، والتي بلغت فيها نسبة المشاركة ما يزيد عن الـ47%، فإن هذا لا يغيّر من الوضع شيئاً، ولا يدحض من نتائج استطلاع Pew، حيث تمثل نسبة المقاطع والرافض (من خلال التصويت لحمدين صباحي) والمبطل ما يقترب من 45% من الناخبين، ما يؤكد حقيقة الانقسام الذي يجري التعتيم عليه.
وكشف التقرير عن انخفاض الثقة في المؤسسات الكبرى في الدولة المصرية. على سبيل المثال، انخفضت نسبة تأييد الجيش في نحو عام من 73% إلى 56%، حيث تضاعفت تقريباً نسبة مَن يرون أن الجيش يمارس بشكل عام تأثيراً سلبياً. فبينما كان 24% فقط يرون هذا التأثير السلبي العام الماضي، فإن النسبة ارتفعت إلى 45% في الفترة التي تناولها الاستطلاع الأخير. وتوضح هذه النسب أن انخراط الجيش في الحياة السياسية يؤثر سلباً على التقدير لدور الجيش ومكانته لدى الرأي العام. فعندما تمارس المؤسسة العسكرية أدواراً سياسية، تصبح أكثر عرضة للانتقاد والتدقيق، وهو الأمر الذي سبق حدوثه بعد ثورة 25 يناير، حيث كانت النظرة الإيجابية لدور الجيش مرتفعة، لكنها سرعان ما تأثرت وعانت بعض الانخفاض إبان فترة تولّي المجلس العسكري للحكم، ثم عادت النظرة إلى الارتفاع في عام حكم محمد مرسي. وقد يكون السبب في ذلك ابتعاد الجيش عن صدارة المشهد، على الرغم من استمراره فاعلاً مهماً، إن لم يكن الأهم، من وراء الستار.
وطالت توجهات عدم الثقة هذه مؤسسات أخرى مهمة، مثل مؤسسة القضاء. فقد انخفض التقدير للسلطة القضائية بدرجة ملحوظة في فترة الـ12 شهراً الماضية، فبينما كان 58% من المصريين يعتقدون في 2013 أن المحاكم تمارس دوراً إيجابياً في الدولة، فإن النسبة انخفضت إلى 41% في الوقت الراهن. وقد يكون للأحكام التي أثارت علامات استفهام عديدة، في الفترة الأخيرة، أثراً في اهتزاز الثقة في نظام التقاضي والسلطة القضائية بشكل عام. ومن أبرز هذه الأحكام التي أثارت جدلاً كثيراً، إن لم يكن الاستياء الاجتماعي، الحكم بسجن فتيات في الإسكندرية 11 عاماً لقيامهم بالتظاهر. صحيح أن الحكم خفّف سريعاً، وتم الإفراج عن الفتيات، إلا أن الصدمة التي سببها الحكم الأول تركت أثراً لا يمكن تجاوزه بسهولة سريعاً. وازدادت الصدمة مع أحكام الإعدام الجماعية التي صدرت ضد ما يزيد عن 1200 شخص في فترة قصيرة. وهذان مثالان يفسران لماذا انخفضت الثقة في مؤسسة القضاء بشدة في الفترة التي تلت إعلان الانقلاب في 3 يوليو/ تموز.

مواقف من التنظيمات السياسية


لم يقتصر عدم الثقة على المؤسسات الأساسية فقط، لكنه امتد، أيضاً، إلى الحركات والتنظيمات السياسية التي مارست دوراً بارزاً في الحياة السياسية بعد الثورة، إلا أن الملاحظ أن حركة "6 أبريل"، والتي جرى حظرها أخيراً، ونالها من حملات التشويه ما نالها على مدار السنوات الثلاث الماضية، تتمتع بنظرة أكثر إيجابية لدى الرأي العام، مقارنة بغيرها من الحركات الأخرى، مثل "تمرّد". حيث ينظر 48% من المصريين نظرة إيجابية لحركة 6 أبريل، في مقابل 42% لحركة تمرد، بينما تتمتع جماعة الإخوان بنظرة إيجابية من 38% فقط من المصريين. وبناءً على هذا، لا ينبغي التسرّع في ربط ما ظهر من مقاطعة للانتخابات والدعوات التي أطلقتها جماعات وتيارات سياسية معينة. فعلى ما يبدو، هناك مقاطعون عديدون لا يرضون عن أي من المرشحين، ولا عن سياسات النظام الموجود حالياً، لكنهم، في الوقت نفسه، لا يدعمون مطالب عودة الرئيس المعزول محمد مرسي. على أقل تقدير هناك انقسام بين أوساط الشباب أنفسهم بشأن عزل محمد مرسي، وإن كانت الأغلبية، 56%، تؤيد قرار عزله، في مقابل 43% لا يوافقون على ذلك، وذلك كما جاء في استطلاع Pew، في ما يتصل بفئة الشباب بين سن 18 ـ 29.


الاستقرار أولاً


من الأمور المثيرة للاهتمام في التقرير، كيف أن دعم الحكم الديموقراطي انخفض من 66% في عام 2013 إلى 52% حالياً. من ناحية أخرى، هناك تفضيل عام للاستقرار على الديموقراطية، حيث يرى 54% من المصريين أن وجود حكومة مستقرة أكثر أهمية، ولو كانت هناك مخاطرة بأن تكون غير ديموقراطية بالكامل، في مقابل 44% يعطون الأولوية للديموقراطية، ولو كان ذلك يحمل قدراً من عدم الاستقرار السياسي. هذا التفضيل للاستقرار على الديموقراطية من أكثر التحولات التي شهدها الرأي العام في السنوات الثلاث الماضية. ففي 2011 بعد الثورة مباشرة، كان 54% من المصريين يؤمنون بأفضلية الديموقراطية في مقابل 32% كانوا يفضّلون الاستقرار. وبالنظر إلى الرسائل التي يتلقاها المواطن، وتساوي، في أحيان كثيرة، بين الثورة والفوضى والإيحاء بأن الديموقراطية والمنافسة السياسية مرادفان للحرب الأهلية، فإن هذا التحول في الرأي العام يبدو مفهوماً ومتوقعاً بدرجة كبيرة. فقد عانى المجتمع المصري، على مدار الثلاث سنوات، من انفلات أمني متعمّد، وغير متعمّد، وتدهور في الخدمات وصعوبات في تسيير حياتهم اليومية، ما جعلهم تواقين للاستقرار، قبل أي شيء آخر. ويمكن أن نفهم، انطلاقاً من هذا، حماسة كثيرين لانتخاب المشير السيسي، اعتقاداً منهم بقدرته على تحقيق الاستقرار، نظراً لخلفيته العسكرية.

أجراس خطر

وهكذا، ينبغي قراءة نتائج التقرير مع مشهد الانتخابات الرئاسية باعتبارها أجراس خطر لا يجب تجاهلها. فنحن لسنا بصدد لحظة توافق وطني، لكننا إزاء انقسام سياسي ومجتمعي، في حاجة إلى تكثيف الجهود للتعامل معها. وتزداد أهمية ذلك، في ظل النسبة الكبيرة لعدم الرضى (73%) التي يشعر بها المصريون، وتقترب من النسبة التي سادت قبل ثورة 25 يناير. من هنا، فإن تخفيف المعاناة الاقتصادية عن الشرائح الاجتماعية، الأكثر فقراً، سيكون أحد العوامل الحاسمة في استقرار الأوضاع من عدمه، وهو ما يرتبط بالاستقرار السياسي، وتخطي الأزمة السياسية. ثانياً، إن حالة عدم الثقة إزاء المؤسسات المختلفة في حاجة إلى مزيد من الانتباه، ففقدان الثقة يؤدي إلى العزوف عن المشاركة من ناحية، وهو ما كان جلياً في المشهد الانتخابي، خصوصاً من الشباب. ومن ناحية أخرى، فإن ضعف الثقة في مؤسسات الدولة، وفي العملية السياسية ككل، يؤدي إلى تصاعد العنف. وتظهر هنا معضلة انخفاض التفضيل للديموقراطية، وتقارب نسبة ذلك مع التفضيل لقائد قوي. ما يعني أن الفكرة الديموقراطية في مصر تلقت ضربة قوية، وبدلاً من مأسسة العمل السياسي، هناك ردة للتفكير المرتكز حول شخص، باعتباره "المنقذ" و"المخلّص".
ثالثاً، تترتب على نتائج الاستطلاع ضرورة البدء في التفكير في كيفية الاقتراب من الانقسام السياسي والمجتمعي بأساليب غير أمنية، لأننا لا نتحدث عن نسبة صغيرة من المعارضين، تقف على هامش المجتمع، ولكنها تقترب من نسبة الـ45% من المصريين. وبالتالي، هناك خطورة في استمرار الحديث القائم على منطق "إحنا شعب وانتو شعب"، أو ذلك الذي يتهم كل مَن يغرّد خارج السرب بالعمالة والخيانة، أو الانتماء للطابور الخامس. فهذا من شأنه بثّ مشاعر الاغتراب، وربما الكراهية، بين أطياف المجتمع، إن لم تكن حدثت بالفعل. في ظل بيئة اجتماعية وسياسية غير صحية كهذه، فإن أحلام المصريين بالاستقرار والرخاء والنهوض لن تصبح قريبة المنال.
 
 
 
 

 
 
 
 
 
   
 
5DD7E431-4349-42B0-83FD-54B59540B279
مروة فكري

كاتبة وباحثة وأستاذة جامعية مصرية