الانتخابات التونسية.. امتحان قادم
الانتخابات التونسية.. امتحان قادم

شهد قصر المؤتمرات في شارع محمد الخامس في العاصمة التونسية، السبت الماضي، عملية القرعة الخاصة بالتعبير المباشر للقوائم المترشحة للانتخابات البرلمانية، المنتظر إجراؤها يوم السادس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول 2014، كما أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن انطلاق تسجيل هذه الحصص في مبنى التلفزة الوطنية، بداية من 15 من سبتمبر/أيلول.
1219 قائمة تم قبولها رسمياً، في انتظار قوائم أخرى، قد تنصفها الطعون المقدمة لدى المحاكم في مختلف أنحاء البلاد، رقم كبير في بلد لم يتجاوز عدد سكانه، حسب آخر إحصاء 11 مليون نسمة، كما تم تحديد يوم الرابع من أكتوبر/تشرين الأول موعداً رسمياً لانطلاق الحملة الانتخابية في مختلف وسائل الإعلام.
كل هذا في بلد وصل عدد الأحزاب المعترف بها فيه إلى ثلثي عدد شهدائه، بدأ المترشحون في التواصل مع الناخبين الذين أظهروا أنواعاً عدة من الدلال، وكيف لا والهيئة العليا المستقلة للانتخابات ظلت تستجديهم طوال شهرين، كما بدأ رؤساء القوائم المترشحة، المتفائلون منهم والمتشائلون والمتشائمون، في الحديث عن الموعد الذي ستدخل إثره تونس التاريخ، قول يذكرنا بالمنتخبات الوطنية، أو الأندية المحلية، إثر فوزها في هذه التظاهرة الرياضية أو تلك.
نظرة سريعة إلى برامج الأحزاب المتنافسة، وما يصرح به رؤساؤها في وسائل الإعلام، ومنخرطوها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، تبين لنا أنها برامج لم ترد أصلاً في قاموس الشعارات الثورية التي رددها كل من ساهم في ثورة الياسمين الخالدة، من ذلك التركيز المبالغ فيه على المسألة الأمنية، واعتبارها بوابة العبور إلى الرخاء الاقتصادي المنشود منذ الاستقلال، وهو تركيز تزامن مع حرب على "الإرهاب"، عبر بث ومضات في وسائل الإعلام المرئية، تتشابه شكلاً مع ومضات السلامة المرورية، وتحذر من "الإرهاب" القادم من الأبواب والنوافذ، ومضات تمنينا لو أنها شملت مجالات أخرى غير المجال الأمني.
وفي مشهد مغاير لانتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2011، بدأ الحديث عن تحالفات بين مختلف الأحزاب والتيارات السياسية من ذلك التحالف بين رموز العهد النوفمبري، وهو تحالف لا غرابة فيه، خصوصاً وأن هذه الرموز نالت "ثوابها" قضائياً، وتنتظر ثواباً آخر من ناخبين، رأينا منهم العجب العجاب بعد الثورة.
وإذا كانت الأحزاب ذات "المرجعية الدستورية" واضحةً، منذ حصولها على تأشيرة العمل القانوني، بالسعي إلى التموقع من جديد، فإن أحزاباً أخرى أصبحت تشترط "الثورية" أساساً لأي تحالف انتخابي.
وبين هذا وذاك، تعلو أصوات تتحدث عن المرحلة "الحرجة" التي تمر بها البلاد، حرج عربي بامتياز، كتب علينا منذ عقود، وكان مطية لاستبدادٍ عانت منه الأقطار العربية من أقصاها إلى أقصاها، وأصوات أخرى، تطلب من ناخبيها الاعتذار، وتعدهم بوضع اليد في اليد لبناء "تونس الغد"، من دون تحديد لطبيعة هذه اليد، أو أماكن هذا البناء.
تعالت أصوات المترشحين للانتخابات في تونس، وكمّمت أفواه السائرين الذين غابوا في زحام همومهم اليومية، وهم يدركون جيداً أن الاستحقاق الانتخابي المقبل هو أهم الامتحانات لثورة ليست مثل كل الثورات.