الانتخابات التركية: السباق الأزلي على أصوات الأكراد

الانتخابات التركية: السباق الأزلي على أصوات الأكراد

02 يونيو 2015
مناصرون لـ "الشعوب الديمقراطي" الكردي (getty)
+ الخط -
تشير التقديرات إلى أنّ نسبة أصوات المواطنين الأكراد في تركيا تتراوح ما بين 14 و15 في المائة من عموم أصوات المواطنين الأتراك المقدرة بـ 56 مليوناً. غير أنها تشكّل فسحةً لتنافس محموم بين مختلف الأحزاب السياسية التركية في الانتخابات البرلمانية المقبلة في يونيو/ حزيران الجاري.

وتتنافس على هذه الكتلة الانتخابية أحزاب رئيسية عدة، وهي "العدالة والتنمية" الحاكم و"الشعوب الديمقراطي" (الجناح السياسي للعمال الكردستاني) و"الدعوة الحرة" السلفي الكردي (وريث حزب الله الكردي) و"الشعب الجمهوري" المعارض، بينما يبقى حزب "الحركة القومية" (قومي تركي متطرف) خارج السباق.

****************
ويشارك أكراد تركيا بشكل فاعل في الحياة السياسية التركية، إذ إن سبعة وزراء في الحكومة الحالية هم من أصول كردية، كما أنه يوجد في البرلمان أكثر من مائة نائب كردي من بينهم 75 عن العدالة والتنمية و35 عن الشعوب الديمقراطي وبعض النواب عن الشعب الجمهوري. لكن على خلفية التاريخ الطويل من التتريك، طيلة 90 عاماً من تاريخ الجمهورية، يقتصر عدد من تشكل اللغة الكردية لغته الأم ويتحدثها بطلاقة على 37 نائباً فقط.
*********************
اقرأ أيضاً: استراتيجية "العدالة والتنمية" لـ330 مقعداً: إفشال "الشعوب الديمقراطي"


تراجع حظوظ "الشعب الجمهوري"

وبعدما كان أحد الجاذبين الأساسيين لكتلة واسعة من المصوّتين الأكراد، تراجعت حظوظ حزب "الشعب الجمهوري" بشدة بعد المواقف المتشنجة التي اتخذها أول الأمر من عملية السلام. وتراجعت نسبة المصوّتين له من الأكراد، بحسب الاستطلاعات، إلى أقل من 1.5 في المائة، على الرغم من أن زعيم الحزب، كمال كلجدار أوغلو، يتحدر شخصياً من جذور كردية. وعلى الرغم من محاولات الأخير في سبيل إعادة استقطاب الأكراد عبر إعلان مواقف مؤيدة لعملية السلام، ومنتقدة ماضي الحزب والحكم العسكري في قمع الأكراد، فإنه لم يجد من يترشح عنه في بعض الولايات ذات الغالبية الكردية، ولم يقم بأية حشود جماهيرية فيها كبقية الولايات.

***************
ويعتبر حزب الشعوب الديمقراطي، الذي تأسس عام 2012 ، الحزب التاسع في تاريخ المشاركة السياسية للعمال الكردستاني في العملية السياسية التركية، التي بدأت مع حزب "عمل الشعب" عام 1990، الذي استطاع الحصول على 22 مقعداً في البرلمان التركي خلال انتخابات عام 1991، حيث تم حظر الحزب من قبل المحكمة الدستورية عام 1993، لتدخل الحركة السياسية للعمال الكردستاني في مسيرة من إنشاء وحلّ مجموعة من الأحزاب السياسية التابعة له بقرارات من المحكمة الدستورية، بتهمة دعم "المنظمة الإرهابية"، أي العمال الكردستاني، وكان آخرها حزب المجتمع الديمقراطي، الذي تم حله عام 2009. أما الحزب الثامن، أي حزب السلام والديمقراطية الذي حقق نجاحاً كبيراً عام 2011 بحصوله على 37 نائباً في البرلمان، فقد تم حله بقرار من عبد الله أوجلان بعد الانتخابات البلدية العام الماضي بافتراض انتهاء مهمته، التي كانت تنحصر في العمل على إيجاد حل ديمقراطي للقضية الكردية في تركيا، لصالح ما يطلق عليه عملية "تتريك الحركة القومية الكردية"، بالبحث عن حل ديمقراطي للقضية الكردية بوصفها إحدى مشاكل المجتمع التركية الذي يحتاج إلى عملية دمقرطة واسعة على جميع المستويات.

وبترشُّح الشعوب الديمقراطي في قائمة حزبية، تكون المرة الثانية التي يحاول فيها أي من أجنحة العمال الكردستاني السياسية ذلك. فقد اعتادت هذه الأجنحة على الترشح بقائمة مستقلين بسبب العتبة الانتخابية الكبيرة، التي تطرد أي حزب لم تتجاوز نسبة أصواته العشرة بالمائة خارج قبة البرلمان، وخصوصاً بعد تجربة حزب الشعب الديمقراطي الذي بقي خارج البرلمان عام 2002 رغم حصوله على أكثر من ثلاثة ملايين صوت أي ما يقارب نسبة 7 بالمائة من عموم الأصوات. وعبرت هذه الأحزاب عن المراجعات الكبيرة التي قامت بها قيادات العمال الكردستاني، خصوصاً أوجلان خلال وجوده بالسجن، بالانتقال من مطلب إقامة دولة كردية مستقلة، إلى الإدارة الذاتية، ومن ثم قرار التحول من معارضة كردية إلى معارضة يسارية تركية، بمعنى الانخراط الكامل في الحياة السياسية التركية والدفاع عن مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية عبر الحوار مع مختلف القوى السياسية في تركيا، ليقوم بخطوة يمكن اعتبارها خرقاً كبيراً في أدبيات العمال الكردستاني برفع الأعلام التركية في حشوده الجماهيرية، وحتى السماح برفع أعلام طبعت عليها صور أتاتورك من قبل التيارات اليسارية التركية التي تدعمه.
********************

وريث حزب الله

على الرغم من أنه تأسس عام 2012 كحزب إسلامي كردي، لكن يبقى حزب "الدعوة الحرة" الوريث الشرعي لحزب الله الكردي، والذي لعب دوراً هاماً خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي في الحرب إلى جانب الدولة التركية ضد حزب "العمال الكردستاني"، والذي يتهم "الدعوة" بارتكاب مجازر في حق أنصاره، وحتى بالإشراف على علميات التعذيب التي كانت تطال معتقليه في سجن دياربكر سيئ السمعة. 

وفي ظل الموقف المتشدد الذي اتخذه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أخيراً، من عملية السلام، وبعدما أثبت "الدعوة الحرة" الفتي وجوده في الانتخابات البلدية الماضية بحصوله على 0.19 من عموم الأصوات (كان له حضور قوي خصوصاً في دياربكر وبيتلس وباتمان)، يرجح مراقبون توجه أصوات المتدينين الأكراد الذين اعتادوا التصويت لـ "العدالة والتنمية" نحو "الدعوة الحرة" الذي ترشح بقائمة مستقلين. 

على الرغم من ذلك، فإن جزءاً كبيراً من الأكراد المتدينين لا يزالون يشعرون بالريبة من تاريخ الحزب الدموي في التسعينيات، إضافة إلى أن شريكي عملية السلام، أي "الشعوب الديمقراطي" و"العدالة والتنمية"، نجحا في تحييد الحزب عن السياسة وعملية السلام بشكل كلي؛ الأول بسبب عداوته التاريخية مع "الدعوة"، ولرغبته في البقاء ممثلاً وحيداً لحقوق الأكراد، أما الثاني فكي لا يخسر صفته كممثل شرعي للأكراد المتدينين الموالين لأنقرة، مع العلم بأن قيادات "الدعوة الحرة" طالبت، دوماً، بتمثيل الحزب في المفاوضات كأحد المعنيين المباشرين وأحد الأطراف التي أدّت دوراً أساسياً في النزاع.

يسار ويمين

يمكن تقسيم الناخبين الأكراد إلى كتلتين أساسيتين: الأولى هي الكتلة اليسارية، وتعتبر القاعدة الشعبية لحزب "العمال الكردستاني"، المضمونة بالنسبة للشعوب الديمقراطي، وتتراوح ما بين 5.5 و6.5 في المائة من نسبة الناخبين الأكراد، وذلك اعتماداً على نسبة أصوات حزب "السلام والديمقراطية" (أحد أجنحة العمال الكردستاني السياسية، والذي تم حله لصالح الشعوب الديمقراطي) في الانتخابات البلدية في مارس/آذار الماضي. أما الكتلة الثانية فهي اليمينية، وتتراوح نسبتها ما بين 8 و9 في المائة من نسبة الأصوات، وهي الحصة المتبقية للأكراد من عموم أصوات المواطنين الأتراك، والتي عادة ما تذهب أصواتها لحزب "العدالة والتنمية". وتتحكم في خياراتها أسباب دينية وعشائرية. على سبيل المثال، تعرف عشيرة (الرامان) الكردية في ولاية باتمان شرق البلاد بتأييدها الواسع لـ "العدالة والتنمية"، إذ إن عدداً كبيراً من أبنائها ما زالوا في مليشيات "حماة القرى" التي شكلتها أنقرة في الثمانينيات لمحاربة "العمال الكردستاني"، كما أن بعض الجماعات الصوفية معروفة بتأييدها  لـ "العدالة والتنمية"، مثل الجماعة السليمانية وجماعة سعيد نورسي وبعض التيارات السلفية.

تشارك الكتلة اليمينية الكردية "العمال الكردستاني" في بعض أهدافه، من ناحية الرغبة في الحصول على اعتراف دستوري بوجود الأكراد، ومنحهم المزيد من الحريات الثقافية والتعليم باللغة الكردية. ونادراً ما شكّلت هذه الأهداف حافزاً لتحول الأصوات الكردية لصالح أجنحة "العمال الكردستاني" السياسية. ولتغيير ذلك، بغرض تجاوز العتبة الانتخابية، عمد "الشعوب الديمقراطي" إلى اتخاذ خطوات كبيرة في مجال التصالح مع الكتلة اليمينية الكردية على عدد من المستويات، فاعتمد سياسات أكثر مرونة حيال المتدينين، وعمل على جذب الشخصيات الدينية البارزة للانضمام إلى صفوفه، ودعم جماعات المجتمع المدني الإسلامي في مدينة دياربكر. كذلك نظم ورش عمل حول الإسلام والمعاناة القومية الكردية، ورشح على قائمته محجبات وشخصيات دينية كردية، كما نظم احتفالاً ضخماً بمناسبة عيد المولد النبوي في مدينة دياربكر وعشرين بلدة ومدينة أخرى.

وحقق الحزب نجاحاً كبيراً بالتحالف مع حركة "أزادي"، وهي حركة مجتمع مدني كردية إسلامية لها ثقل كبير في الكتلة اليمينية الكردية، وقامت بدور هام في الوساطة بين "العمال الكردستاني" و"الدعوة الحرة"، وهي تساند عملية السلام وتطالب بالاعتراف بالشعب الكردي كأحد مؤسسي الجمهورية، مع إبقاء فكرة إنشاء برلمان محلي على طاولة الحوار. ونتيجة هذا التحالف، رشحت الحركة خمسة مرشحين على قائمة "الشعوب الديمقراطي"، من بينهم مفتي دياربكر، نعمة الله إردوغموش.

"العدالة والتنمية"

من جهته، يعتمد "العدالة والتنمية" على رصيده الكبير في المناطق الكردية لجهة زيادة نسبة الاستثمارات، وتحويل المنطقة إلى خط عبور تجاري مهم نحو كل من إيران وإقليم كردستان العراق، ورفع المستوى الاقتصادي لتلك المناطق التي بقيت مهملة منذ تأسيس الجمهورية، والعمل على تشييد بنية تحتية كالمستشفيات والمدارس والمطارات، والتي كان آخرها افتتاح مطار صلاح الدين في ولاية هكاري، والذي تأخر عامين بسبب فرار المتعهدين بعد تهديدات "العمال الكردستاني"، إضافة إلى الانفتاح الثقافي الذي تمثل في الاعتراف اللفظي بوجود الأكراد وإقرار دروس اختيارية باللغة الكردية وافتتاح أقسام اللغة الكردية في الجامعات، ومنها جامعة أرتوكلو في ماردين، وإنشاء محطة تركية رسمية ناطقة باللغة الكردية، والسماح باستخدام الأحرف اللاتينية الموجودة في الأبجدية الكردية غير الموجودة في الأبجدية التركية، وطباعة قرآن مترجم للغة الكردية، بل واعتماد اللغة الكردية في الحملة الدعائية للحزب.

ويعول "العدالة والتنمية" على نفور المتدينين الأكراد من الخطاب المنفتح الذي اتبعه "الشعوب الديمقراطي" تجاه العلويين الأتراك والمثليين وترشيحه عدداً من المساندين لهم على قائمته، إضافة إلى ما ورد على برنامج الأخير من بنود تتعلق بإزالة دروس الدين الإجبارية والحد من مدارس الإمام الخطيب (الثانويات الشرعية التركية) وإلغاء إدارة الشؤون الدينية التي تعتبر بمثابة وزارة الأوقاف، إلى جانب التشكيك في نيّات "الشعوب الديمقراطي" تجاه المتدينين بعد الاشتباكات التي حصلت بينه وبين "الدعوة الحرة" أثناء احتجاجات عين العرب السورية (كوباني بالكردية) ومقتل أربعين شخصاً، ثم الاشتباكات الأخيرة قبل أيام، والتي قتل في إثرها اثنان من أنصار حزب "الدعوة الحرة".

هكذا يبقى الصراع على أصوات الأكراد محتدماً، بل ويمكن اعتباره الصراع الأهم في الانتخابات الحالية، والذي ستكون له تأثيرات هامة على مستقبل وخطط كل من الحزبين.

اقرأ أيضاً: الأحزاب التركية الصغيرة والفرصة "المستحيلة" لدخول البرلمان

المساهمون