الانتخابات الإسرائيلية توصد الباب أمام أي تسوية سلمية

الانتخابات الإسرائيلية توصد الباب أمام أي تسوية سلمية

28 ابريل 2019
تهم الفساد لم تقلل من شعبية نتنياهو(جاك غوز/فرانس برس)
+ الخط -
لم تعكس نتائج انتخابات إسرائيلية في الماضي، حجم قوة وانتشار اليمين الإسرائيلي (التقليدي) بشقيه العلماني القومي والديني القومي كما عكستها الانتخابات الأخيرة التي جرت في التاسع من إبريل/ نيسان الجاري، سواء على مستوى عدد الأصوات التي حصلت عليها هذه الأحزاب، أم على مستوى عدد المقاعد في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست). كما عكست إلى جانب فرز معسكر يمين وسطي، في أحسن حال، معارض لبنيامين نتنياهو، يمثل في البرلمان قوة تصل إلى 30% من مجمل أعضاء البرلمان.

بلغ عدد المصوتين فعليا من أصحاب حق الاقتراع في إسرائيل 4.340.253 (أربعة ملايين وثلاثمائة ألف ومائتان وثلاثة وخمسون مصوتا) من أصل ستة ملايين وثلاثمائة وتسع وثلاثون ألفا وسبعمائة وتسع وعشرون مواطنا هم أصحاب حق الاقتراع. ومع صدور النتائج الرسمية والنهائية تبين أن أحزاب اليمين التقليدي المؤيدة لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، حصلت على مليونين وأربع مائة وثماني وعشرين ألفا ومائتين واثنين وخمسين صوتا، أي 56% من مجمل الأصوات، علما أن نسبة التصويت بلغت هذا العام 68.46% مقابل 72% في الانتخابات التي جرت عام 2015.

لكن هذا لا يعني أن باقي الأصوات ذهبت لمعسكر اليسار، بل ذهب مليون ومائة وخمسة وعشرون ألفا وثمانية مائة وواحد وثمانون صوتا لتحالف "كاحول لفان" بقيادة الجنرال بني غانتس، وهو الحزب الذي يمثل بفعل تعريف قادته له، حزب اليمين المكمل لليكود التاريخي، فيما حصل حزبا اليسار: العمل وميرتس على 247 ألف صوت فقط، وبلغ مجمل الأصوات التي حصلت عليها القائمتان العربيتان 337 ألف صوت. أي أن أحزاب اليسار مجتمعة لم تحصل على أكثر من 584 ألف صوت من أصل 4 ملايين وثلاثمائة وتسعة آلاف ومائتين و270 ألف صوت.

كان لا بد من الإشارة إلى مجمل الأصوات التي حصلت عليها أحزاب معسكر نتنياهو، لأن توزيع المقاعد في الكنيست منح هذا المعسكر 65 مقعدا، مع أن القوة الانتخابية التي تمثلها الأصوات التي منحت لأحزاب اليمين أكثر من ذلك بأربعة مقاعد أخرى على الأقل إن لم يكن ستة مقاعد، إذا أخذنا بالحسبان أن ثلاثة أحزاب يمينية، هي "اليمين الجديد" بقيادة نفتالي بينت وأيليت شاكيد و"زهوت" بقيادة موشيه فيغلين، و"غيشر" بقيادة أورلي ليفي أبو كسيس، حصلت مجتمعة على ثلاثمائة وواحد وثلاثين ألف صوت، تكفي للحصول على7 مقاعد إضافية، لكن حزب اليمين الجديد بقيادة نفتالي بينت فشل في اجتياز نسبة الحسم لافتقاره إلى 1350 صوتا فقط. أي أن معسكر اليمين بقيادة نتنياهو خسر عمليا على الأقل أربعة مقاعد إضافية كانت ستذهب لحزب "اليمين الجديد". كما أدى عدم اجتياز حزب زهوت وحزب غيشر لنسبة الحسم إلى حرق هذه الأصوات وعدم احتسابها في توزيع المقاعد.

وتبين هذه الأرقام الجافة بحسب المعطيات الرسمية للجنة الانتخابات المركزية، أن اليمين الإسرائيلي المنضوي تحت معسكر نتنياهو الذي يتمثل بالكنيست بـ65 مقعدا، حقق فوزا غير مسبوق لجهة تأكيد تغلبه على معسكر اليمين الناعم بقيادة الجنرال بني غانتس، وانهيار مطلق لمعسكر اليسار الصهيوني الذي يمثله حزبا العمل وميرتس مع حصولهما معا على 10 مقاعد فقط من أصل 120 مقعدا في الكنيست، أي أن هذا اليسار الذي بنى دولة الاحتلال، وقادها حتى العام 77، ولفترتين قصيرتين لاحقا لم تتجاوزا الـ7 أعوام، لا يصل تمثيله إلى 10 بالمائة في الكنيست، علما أن قائمة بني غانتس اليمينية التي حصلت على 35 مقعدا تضم في صفوفها عددا لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة ممن يمكن وصفهم بأنهم أصحاب ميول يسارية، أبرزهم الوزيرة السابقة يعيل غيرمان.

هذه النتائج تعكس عمليا فوزا ساحقا لليمين الإسرائيلي في الحكم، وفي المعارضة على حد سواء، إذ سيكون رئيس الحكومة من اليمين، وزعيم المعارضة الرسمي الجنرال بني غانتس من اليمين أيضا، وإن كان الإعلام الإسرائيلي يحاول تصنيفه في خانة يمين الوسط أو وسط اليسار. وهي حالة تتشكل لأول مرة في المشهد الإسرائيلي الحزبي والسياسي. صحيح أن الكنيست السابقة كانت تحوي هي الأخرى أغلبية عددية لأعضاء اليمين، سواء أعضاء الائتلاف الحكومي السابق، أو أعضاء يمين في المعارضة ضمن حزب "ييش عتيد" بقيادة يئير لبيد، الذي انخرط في هذه الانتخابات في تحالف "كاحول لفان" بقيادة بني غانتس، إلا أن هذه المرة هي الأولى التي يكون فيها عدد النواب اليهود المحسوبين على اليسار الصهيوني أقل من عشرين نائبا، ولا سيما أن تحالف حزب العمل مع حركة تسيبي ليفني كان ممثلا في الكنيست الماضية بـ24 مقعدا، كانت تضاف إليها تلقائيا 5 مقاعد لحزب ميرتس و13 مقعدا للقائمة العربية المشتركة، أي أن معسكر اليسار تراجع من 42 مقعدا في الدورة الماضية إلى 20 مقعدا في الدورة الحالية.

قاعدة للتحول في طروحات التسوية مع الفلسطينيين
تكرس هذه النتائج وتعكس في الوقت ذاته حجم اتساع وانتشار معسكر اليمين ويمين الوسط في إسرائيل، بما يعني تلقائيا وجود معارضة واسعة لفكرة التسوية الإقليمية وفق معادلة الأرض مقابل السلام، وانتصار المعادلة التي يطرحها اليمين بقيادة نتنياهو حول سلام إقليمي مع الدول العربية يكون الجسر إلى تسوية على حكم ذاتي ودولة ناقصة للفلسطينيين، وفق تعبير نتنياهو نفسه، ثم إعلانه في الأيام الثلاثة الأخيرة قبل الانتخابات عن اتجاهه لسياسة جديدة تتجه لضم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وتطبيق السيادة على جميع المستوطنات بغض النظر عن موقعها أو حجمها لمنع إقامة دولة فلسطينية.

ويمكن القول إن هذه النتائج هي نتاج عملية وسيرورة تاريخية في إسرائيل لجهة رفض فكرة حل الدولتين والانقلاب على مسارات أوسلو كليا لجهة الاتجاه للحديث عن "الانفصال": نحن هنا وهم هناك، وفق معادلة إيهود براك، وصولا إلى المجاهرة برفض حل الدولتين نهائيا في هذه المعركة الانتخابية. وعكست المعركة الانتخابية شعور اليمين الإسرائيلي بفائض من الثقة بالنفس في هذا المضمار بالركون إلى الدعم المطلق الذي تلقاه حكومة نتنياهو من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

كانت أولى نقاط التحول في هذا المضمار هي اعتراف ترامب في ديسمبر/ كانون الأول 2017 بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، تبعها افتتاح السفارة الأميركية في الشطر الغربي من القدس المحتلة في أيار/ مايو من العام الماضي.

وقد رافق الاحتفال بافتتاح السفارة، في أجواء الحديث عن صفقة القرن والمديح الذي كاله ترامب في خطابه في مراسم افتتاح السفارة في القدس المحتلة لكل من ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز وولي العهد محمد بن سلمان، اعتراف إسرائيلي، مر بشكل عابر، من مدير ديوان نتنياهو ومستشاره المقرب نتان إيشل، بأن خطاب نتنياهو في يونيو/ حزيران من العام 2009 في جامعة بار إيلان، الذي تحدث فيه نتنياهو لأول مرة في قلب جامعة التيار الديني الصهيوني الاستيطاني، كان مجرد مناورة إعلامية وسياسية لا غير للتخلص من ضغوط الإدارة الأميركية تحت قيادة الرئيس باراك أوباما. واتصل هذا التصريح بتصريح سابق لعضو الكنيست من الليكود تسيبي حوطيبيلي، نائبة وزير الخارجية، بأن تعاون نتنياهو مع مبادرة جون كيري هو أيضا في سياق محاولة كسب الوقت وتكريس مزيد من الحقائق على الأرض، ولتفادي إقدام إدارة أوباما على عرض خطة رسمية يدعمها الاتحاد الأوروبي والسلطة الفلسطينية تكرس مبدأ حل الدولتين.

إدارة ترامب في مساندة اليمين الإسرائيلي
تعكس هذه التصريحات أعلاه وما تلاها من خطوات إسرائيلية منذ انتخاب الرئيس ترامب، أن اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو كان يناور طيلة السنوات الأخيرة بانتظار فرصة مواتية تمكنه من الجهر بنظرته الرسمية للحل النهائي مع الفلسطينيين، مع القيام بخطوات على الأرض، ليس فقط على شكل زيادة البناء الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس، وإنما أيضا تعديل سجل القوانين في إسرائيل لتشريع الاستيطان. وقد تجلت هذه العملية بتشريع قانون شرعنة الاستيطان في 6 فبراير/ شباط 2017، الذي يتيح الإبقاء على البؤر الاستيطانية التي أقيمت على أراض فلسطينية خاصة ودفع التعويض لأصحاب الأراضي، أو إعطائهم أراضي بديلة. بموازاة ذلك، أقرت وزيرة العدل السابقة أيليت شاكيد، في 4 ديسمبر من العام، قانونا يمنع الفلسطينيين من التوجه لمحكمة العدل العليا مباشرة للاعتراض على مصادرة الأراضي وإقامة البؤر الاستيطانية، ويلزمهم بداية بالتوجه للمحكمة اللوائية في القدس، عند انعقادها كمحكمة للشؤون الإدارية، وفقط بعد ذلك التوجه للمحكمة الإسرائيلية العليا.

هذه التغيرات في المواقف المعلنة لليمين الإسرائيلي مع ما رافقها من خطوات تشريعية وتنفيذية، والدعم المطلق الذي قدمته إدارة ترامب، وما تبع ذلك من سباق عربي للتطبيع مع إسرائيل وتلقف دول عربية لصفقة القرن حتى قبل طرحها، عزز من طروحات نتنياهو السياسية المتطرفة، ولا سيما مقولته بأن السلام مع العرب قبل الفلسطينيين هو الذي سيأتي بالفلسطينيين لطاولة المفاوضات، من جهة، وأن العرب لن يسلموا بإسرائيل إلا وهي في أوج قوتها العسكرية والسياسية.

عززت الأحداث المختلفة، في هذا السياق، وبلوغ التنسيق الإسرائيلي الروسي أوجه في سورية، مصحوبا بفتح أبواب العالم العربي أمام نتنياهو، سواء زيارته لسلطنة عمان وتشاد والحديث، قبل الثورة الشعبية في السودان أخيرا، عن قرب إقامة علاقات دبلوماسية مع الخرطوم، والتسريبات المختلفة عن تعاون أمني واستخباراتي وثيق مع كل من السعودية والإمارات، من مكانة نتنياهو في إسرائيل، والتفاف اليمين الإسرائيلي بشكل واسع حول قيادته.

لكن أهم ما نتج عن هذا الالتفاف والترويج لصدق طروحات اليمين بقيادة نتنياهو هو تراجع الحديث عن حل الدولتين في الساحة الحزبية الإسرائيلية، ومحاولات الوسط واليمين الناعم التهرب من طرح تصور واضح للحل النهائي. وقد تمثل ذلك بشكل واضح في إصرار المنافس الرئيسي لنتنياهو، الجنرال بني غانتس، على التهرب من أي مقولة واضحة بشأن تصور حزبه للحل النهائي، والتشديد بدلا من ذلك على مقولات "عدم وجود شريك فلسطيني للمفاوضات حاليا" وبالتالي وجوب التركيز على تعزيز الاستيطان في الكتل الاستيطانية، والعمل على إبقاء غور الأردن تحت السيادة الإسرائيلية، وعدم تقديم أي تنازل بشأن القدس والإبقاء على "القدس الموحدة" عاصمة لإسرائيل والإبقاء على هضبة الجولان المحتلة تحت السيادة الإسرائيلية.

تؤكد النتائج الرسمية للانتخابات الإسرائيلية، ليس فقط تكريس فوز اليمين الإسرائيلي التقليدي على اختلاف أطيافه (القومي العلماني المتطرف، الديني القومي والحريدي) بأغلبية في مقاعد الائتلاف الحكومي (65 عضوا في حال نسخ ائتلاف الحكومة السابقة) بل أيضا فوز "اليمين الناعم والليبرالي" بأغلبية مقاعد المعارضة أيضا (35 مقعدا لحزب "كاحول لفان" من أصل 55 في المعارضة). هذا الفوز لا يترك لأنصار تسوية سلمية، سواء مع الفلسطينيين أو مع سورية على قاعدة الأرض مقابل السلام، إلا 20 مقعدا (10 منها للقائمتين العربيتين، و10 لليسار الصهيوني) من أصل 120 مقعدا في البرلمان الإسرائيلي، وبالتالي إقفال الباب الإسرائيلي كليا في وجه أي مبادرة أو فكرة يمكن لها أن تطلق "عملية سلمية" أيا كانت.

المساهمون