الانتخابات الإسرائيلية: الكراهية والعنصرية لتوحيد المعسكر... وكورونا لخفض التصويت

الانتخابات الإسرائيلية: الكراهية والعنصرية لتوحيد المعسكر... وكورونا لخفض التصويت

01 مارس 2020
نحو ستة ملايين ناخب يحق لهم الاقتراع(مناحيم كهانا/فرانس برس)
+ الخط -


يتوجّه، اليوم الإثنين، أكثر من خمسة ملايين وتسعمائة ألف ناخب إسرائيلي، بينهم نحو مليون ناخب عربي فلسطيني، إلى صناديق الاقتراع في إسرائيل، للمرة الثالثة خلال أقل من عام، في محاولة لحسم وجهة إسرائيل وتحديد هوية الحكومة المقبلة، ولمعرفة ما إذا ستكون بقيادة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أم سيتمكّن خصمه رئيس حزب "كاحول لفان" الجنرال بني غانتس، من تحقيق المستحيل والتغلّب على حاجز عنصرية عدم الاعتراف بـ"شرعية الشراكة" وبشرعية الاستعانة بالقائمة المشتركة للأحزاب العربية، ولو من خارج الائتلاف، لتشكيل حكومة جديدة في إسرائيل.

وتأتي الانتخابات الإسرائيلية، بعد أن عجز كل من نتنياهو وغانتس، على مدار معركتين انتخابيتين، جرت الأولى في التاسع من إبريل/نيسان الماضي والثانية في 17 سبتمبر/أيلول الماضي، عن تشكيل حكومة ائتلاف لكل منهما بمفرده عبر تشكيل ائتلاف حكومي من 61 نائباً من أصل 120 نائباً في الكنيست الإسرائيلي، أو حتى تشكيل حكومة وحدة وطنية.
وعلى مدار العام الماضي، هيمنت العنصرية والتمييز وعدم الاعتراف بشرعية النواب العرب في القائمة المشتركة على المعارك الانتخابية، مصحوبة بتحريض مستمر ضد الأحزاب العربية، سواء من قبل زعيم "الليكود" رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أم من قبل خصمه الجنرال غانتس، لجهة وصم الأحزاب العربية بأنها مؤيدة للإرهاب، من جهة، والتأكيد على أن كلاً منهما يعتزم تشكيل حكومة يمين قومية وصهيونية من دون مشاركة النواب العرب، من جهة أخرى، على الرغم من أن معسكر غانتس لا يصل حتى في حال تحالف مع حزب "يسرائيل بيتينو" بقيادة أفيغدور ليبرمان ومع قائمة حزب "العمل ميرتس-غيشر"، إلى أكثر من 50 مقعداً، بينما يراوح معسكر نتنياهو مكانه مع 55-57 مقعداً من أصل 120 مقعداً.

وكشف تسجيل سري، أمس الأول، لأحد أكثر المقربين من نتنياهو، ويدعى نتان إيشيل، ليس فقط البُعد العنصري في سياسات نتنياهو واستراتيجيته، بل أيضاً توظيف نتنياهو لعنصر "الكراهية" المتجذر في أوساط اليهود الشرقيين لكل ما هو "يسار" وغير يهودي، عندما أعلن إيشيل في التسجيل المسرب أن الكراهية هي أكثر ما يميز "غير الإشكنازيين"، وهي التي توحّد معسكر اليمين المناصر لنتنياهو، والوقود الذي يغذي ماكينته الإعلامية والدعائية. ولم يقف تصريح إيشيل عند هذا الحد، بل أنه "وبكونه من اليهود الإشكنازيين الغربيين"، وصف الوزيرة الإسرائيلية المغربية الأصول، من اليهود الشرقيين، ميريت ريغيف، بأنها "بهيمة" لكنها تقوم بعمل جيد، في إشارة واضحة إلى أسلوبها الشعبوي التحريضي ضد اليسار في إسرائيل وضد العرب والأحزاب العربية.

لكن آفة التحريض العنصري، التي جاءت من قبل أحد مقربي نتنياهو، لم تكن الوحيدة في الكشف عن مكنونات النظرة الغربية الاستعلائية تجاه العرب في الداخل وتجاه اليهود الشرقيين، فقد سبقها قبل شهر تقريباً أحد أبرز أعضاء قائمة "كاحول لفان"، الصحافي المستوطن يوعاز هندل، الذي تحدث بعنصرية سافرة، خلال مقابلة مع صحيفة "هآرتس"، معلناً أن في إسرائيل أناساً جاؤوا من رحم ثقافة الكونسيرت الموسيقي في فيينا، مقابل من جاؤوا ومعهم ثقافة "الدربكة"، في إشارة إلى يهود الشرق السفاراديم، مضيفاً أن العرب لم يتطوروا (بحسب نظريات النشوء والارتقاء) إلى مرحلة الوصول إلى حمل ثقافة حقوق الإنسان.

التصريحان العنصريان، جاءا من رجلين كانا من أقرب المقربين لنتنياهو، ويعكسان عملياً حقيقة النظرة الاستعلائية للإشكناز في إسرائيل تجاه اليهود السفاراديم، لكن تصريح هندل قوبل بحرب عاصفة وردود فعل كبيرة بفعل كونه من خارج معسكر نتنياهو، اليوم، بينما سارع الوزير السفرادي الشرقي أريه درعي، زعيم حركة "شاس"، إلى التلويح بموقف نتنياهو، الذي سارع إلى توبيخ إيشيل، فيما كان درعي نفسه غذى ووظف تصريح هندل في سياق التحريض على معسكر غانتس وباقي أحزاب اليسار في إسرائيل.

الانتخابات الإسرائيلية الثالثة، تهدد عملياً بقطع "الخيط" الرفيع الذي يربط بين أطراف معسكر اليمين، تحت قيادة نتنياهو، الذي أجاد، مثله مثل مناحيم بيغن في انتخابات عام 1981، توظيف تصريح معادٍ لليهود الشرقيين أطلقه الفنان الإسرائيلي، دودو طوباز، عندما وصف أنصار "الليكود" من أبناء الشرقيين بأنهم "تشاحتشاحيم" وهو تعبير يمكن أن يقابله بالعربية التعبير المصري "جرابيع"، لكنها في الوقت ذاته ترفع إلى السطح حجم الهوة الهائلة في نظرة اليهود الإشكناز، حتى بعد سبعين عاماً على قيام دولة الاحتلال، والاستعلاء تجاه اليهود الشرقيين، لا سيما إذا أخذنا بالحسبان أن أحد عوامل انهيار حزب العمل في الانتخابات الإسرائيلية، بدأ عملياً منذ 2006 عندما تفوّق الشرقي المغربي الأصول عمير بيرتس على شمعون بيرس، وانهيار الحزب إلى 14 مقعداً. وكان الانهيار الأخير الأكبر في انتخابات إبريل/نيسان الماضية، بعد أن تغلب أفي غباي، الشرقي أيضاً، على يتسحاق هرتسوغ، الذي كان قد تمكّن بقيادة مشتركة مع تسيبي ليفني من أن يعيد حزب العمل إلى المرتبة الثانية من حيث حجم الحزب بحصوله في انتخابات 2015 على 24 مقعداً. وتحوّل اليسار الإسرائيلي غربي الأصول، من دعم الحزب الذي أسس دولة الاحتلال، إلى التحالف الجديد الذي شكّله الجنرال غانتس بشراكة مع اثنين من رؤساء أركان الجيش السابقين، موشيه يعالون وغابي إشكنازي، بما مثّل لليهود من أنصار اليسار الإسرائيلي التقليدي العمالي، عودة إلى أيام العمل تحت قيادة إسحاق رابين ورموز حزب العمل الغربيين أمثال شمعون بيرس وموشيه ديان وغيرهما.


ولم يخيب حزب الجنرالات الجديد أمل الفارين من حزب العمل بعد أن سقط تحت حكم عمير بيرتس الشرقي، إذ أعادوا كل خطاب حزب العمل التاريخي، بشقه الأمني، كستار للعنصرية الإسرائيلية المتجذرة، لكن الجنرالات لم يستطيعوا حتى الآن التغلب على الحجر الأساسي لدعاية اليمين الإسرائيلي وسلاحه في مواجهة اليسار، وهو تذكير الشرقيين بالعنصرية والازدراء والتمييز الذي عانوا منه في سنوات إسرائيل الأولى، وتعامل المؤسسة الحاكمة (التي ارتبطت حتى العام 1977 باليسار وبحزب العمل التاريخي) العنصري ضدهم وإقصائهم بشكل شبه مطلق عن مفاتيح الدولة وجعلهم حطباً للحروب وإبقائهم في مستوطنات وأحياء الفقر، إلى أن جاء تحوّل الاقتصاد الإسرائيلي إلى اقتصاد ليبرالي حر يعتمد المبادرة الحرة بعيداً عن سيطرة الدولة واتحاد النقابات العامة "الهستدروت" على اقتصاد الدولة ومفاصل الحكم والسيطرة فيها.

لكن كل هذا لا ينبئ بتغيير في إسرائيل، فكل الاستطلاعات كانت تشير حتى أمس وأمس الأول إلى استحالة وصول أي من المرشحين الرئيسيين، نتنياهو أو غانتس، إلى الرقم السحري في معادلة تركيب الحكومة وهو الحصول على 61 مقعداً. لكن نتنياهو أعلن أمس في مقابلة إذاعية أنه في حال وصل حزبه والمعسكر المؤيد له إلى 59 مقعداً، فهو يملك مفاجآت تضمن له تشكيل الحكومة، وسط التلميح إلى أن حزبه سيعمل على نقل ولاء نائبين أو ثلاثة من نواب قائمة تحالف "كاحول لفان" إلى معسكره، ما قد يمكّنه من تشكيل حكومة ائتلاف بأغلبية 61 صوتاً، وإلا فإن ذلك سيعني الذهاب لانتخابات رابعة، في حال رفض فعلاً غانتس تشكيل حكومة بديلة بالاعتماد على دعم نواب القائمة المشتركة للأحزاب العربية التي تملك 13 مقعداً.

الانتخابات الثالثة في إسرائيل تعتمد كثيراً على نسبة التصويت، خصوصاً لدى قطاعين أساسيين: العرب في الداخل ومؤيدي "الليكود" التقليديين، وهو ما دفع نتنياهو إلى تكثيف نشاطه الانتخابي المحموم لحث الناخبين على الخروج للتصويت، مهدداً بأن عدم الخروج للتصويت يعني فقدان اليمين برئاسته للحكم وتشكيل حكومة بقيادة غانتس والعرب (على الرغم من نفي غانتس مثل هذا الخيار، حالياً على الأقل) تضيّع على إسرائيل فرصة تطبيق "صفقة القرن" وضم المستوطنات.

وبعيداً عن هذه السيناريوهات، فإن أكثر ما يقلق الإسرائيليين في يوم الانتخابات ليس توزّع عملية الاقتراع على أكثر من 3500 مركز اقتراع، بل الإعلان عن تخصيص 16 مركز اقتراع تحت تدابير صحية مشددة لتصويت الإسرائيليين الذين عادوا أخيراً من دول ينتشر فيها فيروس كورونا، وفرض عليهم العزل الصحي في بيوتهم. وقد شددت لجنة الانتخابات المركزية أمس في بيانات متتالية، على وجوب وصول هؤلاء إلى مراكز الاقتراع المخصصة لهم بواسطة مركباتهم الخاصة وعدم استغلال ممارسة حق الانتخاب للقيام "بجولة" في مراكز مختلفة مكتظة بالسكان، لمنع نشر الفيروس والهلع، خصوصاً بعد أن شهد مجمع تجاري كبير في بلدة غفعتايم المحاذية لتل أبيب، حالة هلع بعد إغلاق طابقين كاملين في المجمّع بفعل وصول إسرائيلي للعيادة في المكان وقد بدت عليه أعراض المرض.
وإذا لم يكن ذلك كافياً، فقد اتهم غانتس أمس، "الليكود" ونتنياهو بأنهم يعتزمون بث أخبار كاذبة ومزيفة عن انتشار حالات كورونا في البلدات التي يحظى فيها حزب "كاحول لفان" بأغلبية كبيرة، لخفض نسبة التصويت فيها وإخافة المواطنين لإبقائهم في البيوت.

المساهمون