الانتخابات الأميركية وتداعياتها على بريطانيا

بوريس جونسون ربما يفقد صديقه ترامب بعد انتخابات الرئاسة الأميركية
14 اغسطس 2020
+ الخط -

تنظر بريطانيا بقلق شديد لنتائج انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني، إذ سيتوقف عليها مستقبل بناء "الفضاء التجاري" الجديد الذي تتفاوض بشأنه الحكومة البريطانية مع العديد من دول الاقتصادات الكبرى. 

وربما ستعني خسارة الرئيس الحالي دونالد ترامب، في حال حدوثها، ضربة قاصمة لاتفاقية "الشراكة التجارية" مع الولايات المتحدة التي تعد حجر الزاوية في بناء الفضاء التجاري البريطاني لما بعد بريكست، إذ إن ترامب كان من كبار المتحمسين والمشجعين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ودون ترتيبات تجارية. كما وعد ترامب رئيس الوزراء الحالي بوريس جونسون بشراكة تجارية ضخمة وسريعة مع بريطانيا فور نهاية الفترة الانتقالية لبريكست، أي بنهاية شهر يناير/ كانون الثاني المقبل. 
وعلى الرغم من أن بريطانيا حليف استراتيجي رئيسي للولايات المتحدة والعلاقات بينهما ستظل قوية بغض النظر عمن يفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وبالتالي لا يمكن تجاوزها من قبل أي رئيس أميركي سواء كان الفائز ترامب أو جو بايدن، ولكن قد لا تجد الحكومة البريطانية من مرشح الحزب الديمقراطي بايدن، في حال فوزه، السهولة نفسها والتنازلات في المفاوضات التجارية التي تجدها من ترامب الذي تربطه علاقة صداقة مع الزعيم البريطاني جونسون. 

وقد سبق أن حذر الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما من مخاطر بريكست على بريطانيا، إذ أشار إلى أن الإدارة الأميركية قد تفضل توقيع اتفاق "شراكة تجارية" مع أوروبا قبل توقيع الشراكة التجارية مع بريطانيا. وبالتالي هنالك مخاوف في لندن من أن يكون موقف المرشح الديمقراطي بايدن من بريطانيا لا يختلف عن موقف أوباما. 

وتعد الشراكة التجارية البريطانية مع أميركا قطعة الشطرنج الرئيسية في بناء الفضاء التجاري الجديد الذي تتفاوض بشأنه حكومة جونسون مع كل من اليابان والهند وكندا وأستراليا. إذ إن توقيع الشراكة التجارية مع أميركا سيجعل من السهل لبريطانيا التفاوض مع الاقتصادات الكبرى. فالثقل التجاري الأميركي وكثافة وجود شركاتها المالية سيغري الاقتصادات العالمية الكبرى بتوقيع اتفاق تجاري سهل.

ومعروف أن بريطانيا شريك تجاري رئيسي للولايات المتحدة حتى قبل هذه الاتفاقية، إذ إن بريطانيا خامس أكبر مستورد للبضائع والخدمات الأميركية، كما أن أميركا ثاني أكبر سوق بعد الاتحاد الأوروبي للبضائع البريطانية. كما أن توقيع اتفاق الشراكة مع أميركا سيجعل دول الاتحاد الأوروبي أكثر مرونة مع بريطانيا في فترة ما بعد بريكست. 

وبريطانيا دولة رئيسية في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وبالتالي فإن أوروبا ستنظر إلى أي شراكة تجارية واسعة وعريضة بين أميركا وبريطانيا على أساس أنها داعم للموقف البريطاني في أوروبا. 

وحتى الآن تم تأجيل مفاوضات الشراكة التجارية بين بريطانيا وأميركا إلى الربيع المقبل، على أمل أن يحسم الاختيار الانتخابي للرئيس الأميركي الجديد العديد من نقاط الاختلاف بين الطرفين.

وكانت وزيرة التجارة الخارجية ليز تروس قد أنهت، الأسبوع الماضي، الجولة الثالثة من مفاوضات التجارة في واشنطن، معربة عن عدم رضاها عن التعرفة الجمركية التي تفرضها الحكومة الأميركية على بعض البضائع البريطانية. 

وترى ليز أن العقوبات التجارية التي تفرضها واشنطن على أوروبا تؤذي الشركات والمستهلك في وقت تحتاج فيه بريطانيا وأوروبا إلى المزيد من الاستثمارات والتعاون التجاري مع أميركا لتجاوز التداعيات الخطرة لجائحة كورونا.

وعلى الرغم من الاتفاق على الخطوط العريضة للشراكة التجارية بين البلدين، لاحظ خبراء أن هنالك أربع نقاط خلافية بين بريطانيا وأميركا حول بنود الاتفاقية، وهذه النقاط تتعلق بمجالات الزراعة والأدوية والخدمات المالية وصناعة السيارات. 

على صعيد المنتجات الزراعية، تسعى بريطانيا للحصول على تعرفة جمركية منخفضة لصادراتها من المنتجات الزراعية للولايات المتحدة، إذ إن الحكومة الأميركية تفرض تعرفة جمركية مرتفعة على بعض الواردات الزراعية تصل إلى نسبة 17.6% على بعض منها، مثل الجبن ومنتجات الألبان. 

وهذا قد لا يشكل عائقاً أمام الاتفاق، ولكن من الجانب البريطاني يدور خلاف أكبر على منتجات اللحوم الأميركية، إذ يتخوف المزارعون في بريطانيا من إغراق الشركات الأميركية البلاد بمنتجات اللحوم الرخيصة بعد توقيع اتفاقية الشراكة وبالتالي تكبيدهم خسائر باهظة، وربما استيلاء الشركات الأميركية على السوق المحلي في بريطانيا بسبب رخص منتجات اللحوم الأميركية وضخامة الشركات الأميركية. 

أما على صعيد الخدمات المالية، التي تعد نقطة القوة للاقتصاد البريطاني، فبينما تستفيد المصارف الأميركية من تمركزها في "حي المال اللندني" لغزو أسواق العالم، تستفيد بريطانيا من الرسوم والضرائب التي تحصل عليها من المصارف الأميركية في تمويلات الخزانة البريطانية وتعزيز مركز "حي المال البريطاني" في العالم.

لكن هنالك خلافا بين واشنطن ولندن بشأن الإجراءات القانونية المنظمة لعمل المصارف وشركات الخدمات المالية، إذ ترغب بريطانيا في مناقشة الإجراءات المنظمة لعمل القطاع المالي الأميركي، وهو ما ترفض الحكومة الأميركية مناقشته في اتفاقيات الشراكة التجارية العالمية.

وعلى صعيد الأدوية والمنتجات الصيدلانية ومنتجات الصحة، ترغب الولايات المتحدة في اتفاق يسمح لشركاتها بالتسويق في بريطانيا دون أي عوائق، وفي المقابل فإن بريطانيا ترى أن أسعار الأدوية الأميركية مرتفعة مقارنة مع منافساتها الأخرى. 

أما على صعيد السيارات، فترغب الحكومة الأميركية في خفض التعرفة الجمركية على السيارات وقطع الغيار المصدرة إلى أميركا إلى الصفر. وتأمل بريطانيا عبر هذه التعرفة الجمركية الصفرية بزيادة عدد الشركات العالمية المصنعة للسيارات في بريطانيا. ولدى بريطانيا العديد من شركات السيارات الألمانية واليابانية.

المساهمون