Skip to main content
الاقتصاد... كلمة سر تحدد مستقبل الحكومة التونسية الجديدة
فرح سليم ــ تونس
الأوضاع الاقتصادية في تونس لا ترضي تطلعات المواطنين(فرانس برس)
إرث ثقيل من الصعوبات الاقتصادية يتسلمه رئيس الوزراء الجديد في تونس، يوسف الشاهد، بمجرد مصادقة البرلمان على حكومته اليوم (الجمعة). ورغم ما أبداه الشاهد من وعي بالمهمة التي تنتظره، إلا أن جل المراقبين للشأن الاقتصادي والسياسي يُجمعون على أن رئيس الحكومة السابعة منذ ثورة 2011، سيتولى شؤون البلاد في أصعب فترة تمر بها، ما يجعل مهمته أعسر بكثير من مهمة ستة رؤساء سبقوه في هذا المنصب.
الشاهد، الذي طلب إبان الإعلان عن تشكيلة حكومته المساندة الحزبية والشعبية، سيجد على طاولة مكتبه جملة من الملفات العاجلة، لطالما أجّلت الحكومات السابقة الحسم فيها، خوفا من ردة فعل الأحزاب والشارع، خاصة أن حكومة سلفه، الحبيب الصيد، كانت تشتكي من ضعف الدعم السياسي، وهو نقطة الضعف الأساسية التي قادت إلى إقالتها من قبل البرلمان.
وتعد ملفات الفوسفات والبطالة وسداد عجز موازنة الدولة، الأهم في نظر الاقتصاديين، ممن يعتبرون أنه لا نجاح لأي حكومة مهما كانت تركيبتها من دون إيجاد حلول لهذه الملفات العاجلة؛ لأهميتها في رفع نسب النمو والخروج بالاقتصاد الوطني من عنق الزجاجة، فضلا عن تنقية المناخات الاجتماعية والحد من الإضرابات والاحتجاجات العمالية في مختلف القطاعات.
وبالرغم من أن الصعوبات التي تنتظر الشاهد لا تختلف كثيرا عما مر على رؤساء الحكومات السابقين، إلا أن المناخ العام الحالي وفق كل المهتمين بالشأن الاقتصادي، لم يعد يحتمل إخفاقات، حيث سيكون "الاقتصاد" هو كلمة السر التي ستحدد مستقبل الشاهد.
فالشارع التونسي الذي حلم على امتداد 5 سنوات بحل مشاكل البطالة والتنمية في المحافظات الداخلية وغيرها، لايزال ينتظر الوعود ذاتها، بل بات يتأهب لثورة ثانية في الوقت الذي تتجه فيه الحكومة إلى إقرار خطة اقتصادية واجتماعية قد تسير بالطبقات الفقيرة نحو مزيد من التفقير برفع الدعم والتخلي عن الانتدابات في الوظائف الحكومية، تحت ضغط دوائر القرار المالي العالمي التي رسمت للحكومة خارطة الطريق القادمة، مقابل القروض التي حصلت عليها الدولة من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي.
وكما يتعين على الشاهد رفع التحديات المطروحة داخلياً، فإن انتظارات الجبهة الخارجية لا تقل أهمية، ناهيك عن أن المؤسسات المقرضة التي نزلت بثقلها مؤخرا من أجل ضمان الدعم المادي للحكومة وتوفير قروض لا تقل قيمتها عن 5 مليارات دولار، ستشدد قبضتها على الحكومة من أجل التعجيل بالإصلاحات الاقتصادية المطلوبة.

فضلا عما يترقبه المستثمرون الأجانب من الامتيازات ستضمّن في قانون الاستثمارات الجديد، ما قد يجعل الطريق سالكة أمام الشركات العالمية الكبرى والصناديق الائتمانية لتنال حصتها من فرص الاستثمار التي ستعرضها تونس على هامش المؤتمر الدولي حول الاستثمار، الذي تعقده تونس في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وبالرغم من أن يوسف الشاهد حرص على توسيع دائرة الدعم الحزبي لحكومته الجديدة واسترضاء الاتحاد العام التونسي للشغل (منظمة الشغالين) بحقيبتين وزاريتين، إلا أن حرصه على توفير حزام الأمان للحكومة المقبلة لن يوفر له صكا على بياض للمضي قدما في تطبيق إملاءات دوائر القرار المالي العالمي، خاصة أن الاتحاد العام التونسي للشغل وعد بالتصدي لكل السياسات الاقتصادية التي ستكون على حساب قوت الطبقات الضعيفة والمتوسطة.
ويؤكد عضو المكتب التنفيذي لمنظمة الشغالين، سامي الطاهري، أن المبدأ في الاتحاد في علاقته بالسلطة، هو الملفات والبرامج والسياسات الكبرى، مقدما وصفة نجاح للشاهد، تقوم أساسا على أن تتبرأ الحكومة مما وصفه بـ"رسالة النوايا سيئة الذكر" الموجهة إلى صناديق المال الدولية، على أن تكون كل المفاوضات مع النقد الدولي وغيره مستندة إلى مشاركة مجتمعية داخلية.
وقال الطاهري، في تدوينه على صفحته على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك، إن حكومة الشاهد مدعوة لمراجعة القرارات الاجتماعية، ومنها وقف الانتدابات في القطاع الحكومي، خاصة في القطاعات الحساسة كالتعليم والصحة، فضلا عن الشروع في تنفيذ برنامج تقييمي للمالية العامة، مع مصارحة الشعب بحقيقة الوضع الاقتصادي.
وحسب المسؤول النقابي، فإن رئيس الحكومة الجديد مطالب أيضا بتنفيذ تعهدات الحكومات المتعاقبة مع النقابات العمالية، وإقرار إجراءات اجتماعية تحد من تدهور القدرة الشرائية، وتجاوز انعكاسات تدهور قيمة الدينار، إلى جانب تنفيذ حملة لمقاومة الفساد بآليات ناجعة وفعالة وبسرعة فائقة تؤدي إلى نتائج ملموسة، حسب رأيه.
ولا تختلف وصفة نجاح الحكومة التي طرحها المسؤول النقابي، عمّا صرّح به عضو البرلمان عن حركة المشروع، حسونة الناصفي، لـ"العربي الجديد"، الذي أكد أن نجاح الشاهد في إدارة الملف الاقتصادي يجب أن ينطلق مما أخفق فيه سلفه الصيد، وذلك بمصارحة الشعب بحقيقة الأوضاع المالية للبلاد.
ويبقى بين الحكومة الجديدة ونجاحها في العبور بالبلاد إلى بر الأمان الاقتصادي، ذلك الخيط الرفيع الفاصل بين قدرتها على إرضاء متطلبات الساحة المحلية وإيفائها بالتزاماتها تجاه سلطة القرار المالي العالمي.