الاقتصاد الأميركي يحصي خسائره

الاقتصاد الأميركي يحصي خسائره

19 يونيو 2020
مقاهي نيويورك تعيد فتح أبوابها للزبائن (Getty)
+ الخط -

بدأ الاقتصاد الأميركي حصر أرباحه وخسائره عقب أشهر من الإغلاق عقب تفشي فيروس كورونا، في الوقت الذي تستعد فيه محال ومتاجر ومؤسسات وشركات للفتح الجزئي.
وبعد ما يقرب من شهر من بدء الفتح الجزئي في كل الولايات الأميركية، كما العاصمة واشنطن، ورغم التأثيرات السلبية التي خلفتها الاحتجاجات المرتبطة بحادث مقتل جورج فلويد، الأميركي من أصول أفريقية، على يد شرطي أبيض، على جهود استئناف النشاط الاقتصادي، بدا واضحاً أن المرحلة الحالية، كما مرحلة بداية انتشار جائحة كورونا المستجد (كوفيد-19) في الولايات المتحدة، منحت العديد من الصناعات قوة دفع كبيرة، بينما تسببت في اقتراب العديد من الصناعات من الانهيار.
ورغم انخفاض معدل البطالة، الذي تم الإعلان عنه قبل أيام، ليظهر تراجعاً في الولايات المتحدة في شهر مايو/ أيار من 14.7% إلى 13.3%، ورغم ارتفاع مبيعات التجزئة خلال الشهر نفسه بنسبة 17.7%، هي الأعلى في تاريخها، مقارنة بالشهر السابق، إلا أن العديد من المحللين الاقتصاديين حذروا من كون الانتعاشة المسجلة مؤقتة، خاصة في حال حدوث موجة ثانية من انتشار الوباء تجبر المحال على الإغلاق، والمستهلكين على البقاء في منازلهم والحد من مشترياتهم.
وبعدما أغدقت الحكومة الأميركية على المتعطلين عن العمل بالمساعدات، اعتبر المحللون أن تلك المساعدات كانت الدافع الرئيسي وراء تزايد الاستهلاك وارتفاع مبيعات التجزئة. وفي مذكرة حديثة، صادرة عن مركز أبحاث الاقتصاد ING Economics، حذر جيمس نايتلي، كبير الاقتصاديين الدوليين بالمركز، من أن "إعانات البطالة تنتهي آخر يوليو/ تموز المقبل، وحتى الآن عدد المتعطلين يفوق ما كان عليه في بداية العام بأكثر من 20 مليون شخص". وخلال الشهر الأخير، سجل مؤشر "اس آند بي 500" لأسهم شركات التجزئة ارتفاعاً بنسبة تتجاوز 10%.
وفي ولايتي نيويورك وماريلاند والعاصمة واشنطن، التي تعتبر من بين الأكثر تأثراً بالوباء من حيث عدد الوفيات والإصابات وإغلاق المحال، لم يستطع أصحاب الأعمال منع أنفسهم من كسر قواعد فتح المطاعم والمقاهي، التي كانت تقصر التعاملات على خدمات البيع فقط دون السماح بجلوس الزبائن.
ورغم إصرار حكومات الولايات على التزام محال التجزئة بعدم الفتح، تمكن أصحاب المطاعم والمقاهي والبارات من التوصل إلى اتفاق يسمح بإغلاق بعض الشوارع الصغيرة، لإخراج الموائد والكراسي إليها واستقبال الزبائن بصورة تسمح بزيادة مبيعاتهم، وإن كانت لم تصل بعد إلى قدراتها الاستيعابية التي كانت عليها قبل الجائحة. 
ويقول جورج، المدير المسؤول عن مطعم بانيرا بريد، المتخصص في تقديم القهوة ووجبات الإفطار، بمدينة جيرمان تاون بولاية ماريلاند: "رغم عدم السماح باستضافة الزبائن، استعدنا ما يقرب من 85% من مبيعات ما قبل الجائحة، ولذلك فقد استدعيت 9 من أصل 11 موظفاً كانوا يعملون بالمكان في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي".
ولا تقتصر تأثيرات حقبة ما بعد الفتح على محال التجزئة والمطاعم، حيث ظهرت توجهات حديثة للمصانع، في الولايات المتحدة كما في أغلب الاقتصادات الكبرى، بالتحول إلى التقنيات المتقدمة التي يمكنها المساعدة في إعادة الفتح بأمان، بعد إغلاق تجاوز الشهرين لمعظمها بسبب الوباء.
وتستعين شركات التصنيع الكبرى بالشركات الناشئة، التي يمكنها تقديم خدمات برامج وأجهزة الاستشعار عن بعد والروبوتات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي لتسهيل الالتزام بتعليمات التباعد الاجتماعي، بغض النظر عن طبيعة العمل أو درجة التقارب التي كانت موجودة من قبل. ورغم وجود تلك التطبيقات قبل ظهور الوباء، واستخدامها لأغراض كثيرة مثل زيادة السرعة والكفاءة وتقليل الكلفة، كان واضحاً ارتفاع الطلب عليها بعد تفشيه بصورة فاقت أكثر التوقعات تفاؤلاً.
ويقول المهندس بريان ميوز، مسؤول العمليات بأحد المصانع في ولاية وست فيرجينيا: "رغم ما سببه من إصابات ووفيات، كان الوباء مسرّعاً لاعتماد الحلول البرمجية ومحفزاً للشركات للتوجه لزيادة الاعتماد على مكننة تدفق الأعمال لتكون أكثر كفاءة وفعالية، وتحد من مخاطر انخفاض عدد العاملين لأي سبب، مع الالتزام بأداء القدر نفسه من الأعمال".
وأكد ميوز أن مصنعه يركز منذ فترة جهوده على المراجعة المستمرة لخطوط الإنتاج دائمة التغيير، من أجل توفير برامج التقنيات اللازمة، مؤكداً ارتفاع نسبة عمليات الاستحواذ على الشركات التي تقدم تلك الخدمات خلال الفترة الأخيرة بصورة ملحوظة.
وأشار ميوز إلى أن بعض الشركات حالياً تستخدم تقنيات متقدمة، "تسمح بتصوير كل الوحدات على كافة خطوط الإنتاج، لإرسالها للمهندسين للتأكد من خلوها من العيوب، والمساعدة في إصلاح العيوب، إذا وجدت، دون الحاجة إلى حضورهم للمصانع"، مؤكداً أن ما يقرب من 30% من قوة العمل لديه تعمل الآن من المنازل.
ومع تزايد المخاوف من ظهور موجة جديدة من انتشار الفيروس، حققت أسهم الشركات التي يطلق عليها اسم "شركات البقاء بالمنزل Stay at home companies"، طفرات كبيرة في أسعارها خلال الأيام الأخيرة، تماماً كما حدث عند بداية صدور أوامر الإغلاق الكبير والبقاء بالمنازل.
وفي حين كان الارتفاع في المرحلة الأولى من نصيب شركات الترفيه، التي تقدم المحتوى الذي يحتاج إليه المحبوسون في منازلهم، من نوعية شركات نتفليكس التي تقدم الأفلام، أو زووم التي تسمح بعقد اجتماعات افتراضية من خلال الإنترنت، تحول الاهتمام بعد الفتح إلى الشركات التي تسمح بتوصيل المنتجات والخدمات إلى منازل المشترين، في إطار الجهود المبذولة للحد من الاختلاط والابتعاد عن الأماكن المزدحمة.
واستغلت شركة فيروم، التي تمتلك معارض السيارات المنتشرة في الولايات الأميركية، والتي تقوم بإرسال السيارات للراغبين في الشراء إلى منازلهم، وتمنحهم عدة أيام لاتخاذ القرار قبل أن تقوم بإتمام كافة الإجراءات دون أن يخرج المشتري من منزله، استغلت الفرصة وطرحت أسهمها للبيع للمرة الأولى في البورصة قبل أقل من عشرة أيام، بسعر 22 دولاراً للسهم، ليتجاوز سعره 50 دولاراً في ثاني أيام ظهوره في البورصة الأميركية، بنسبة ارتفاع تتجاوز 127% في يومين فقط، قبل أن يتراجع بعض الشيء في الأيام التالية.

المساهمون