الاستيطان يهدد جبل الريسان

الاستيطان يهدد جبل الريسان

17 ديسمبر 2018
تحركات الأهالي مستمرة (نضال اشتيه/ الأناضول)
+ الخط -

سيطر الاحتلال الإسرائيلي على جبل الريسان في الضفة الغربية، واعتبر أراضيه "أراضي دولة" فلم يعد في إمكان أهالي القرى الثلاث المحيطة به الوصول إليه، على العكس من المستوطنين.

لم يعد بإمكان الحاج عبد القادر أبو فخيذة (72 عاماً) من قرية راس كركر، غربي رام الله، وسط الضفة الغربية في فلسطين المحتلة، الذهاب إلى أرضه في جبل الريسان الواقع في المنطقة الغربية من القرية، ويضم أراضي تتبع لثلاث قرى مجاورة، هي راس كركر، وخربثا بني حارث، وكفر نعمة، وذلك بعد إعلان قوات الاحتلال الإسرائيلي قبل أربعة أشهر، جبل الريسان منطقة عسكرية مغلقة يمنع الوصول إليها، وسمحت للمستوطنين في المقابل باستخدام أراضي الجبل.

للحاج عبد القادر 120 دونماً في جبل الريسان، كان الاحتلال قد وضع اليد عليها عام 1983، من ضمن نحو ألف دونم أخرى بحجة "أنّ تلك الأراضي أصبحت أراضي دولة". وبالرغم من محاولات الحاج أبو فخيذة إبطال قرار الاحتلال بمنع وضع اليد على تلك الأراضي، من خلال المحاكم الإسرائيلية فإنّ محاولاته باءت بالفشل، كما يقول لـ"العربي الجديد".



الحاج عبد القادر أبو فخيذة حرص بعدما فشل في جهوده عبر محاكم الاحتلال، على أن يذهب إلى أرضه في جبل الريسان باستمرار. في ذلك الجبل ذكريات طفولته وذكريات أجداده، كان يذهب مع والده منذ سنّ الخامسة لزراعة الأرض بالشعير والقمح، ومن هناك كان يشاهد مناطق الداخل المحتل: "زيارة المكان تردّ الروح وتنعش النفس".

المواطن الفلسطيني محمود انجاص (47 عاماً) وهو من قرية خربثا بني حارث، يمتلك وأشقاءه 80 دونماً في جبل الريسان، كانوا يزرعونها بالقمح والشعير ويتشاركون جميعاً في قطف ثمار الزيتون كلّ عام، أما هذا العام فقد حرموا من ذلك، بعدما أعلنت قوات الاحتلال جبل الريسان منطقة عسكرية مغلقة، ومنعت الأهالي من الدخول. يقول انجاص لـ "العربي الجديد" إنّ جبل الريسان قطعة من الأهالي، وإن تم الاستيلاء عليه من المستوطنين، فإنّ قرية خربثا بني حارث ستكون عبارة عن سجن كبير محاط بعدة مستوطنات. في الريسان ذكريات محمود انجاص في مواسم الزيتون خلال الحرث والحصاد، يتذكر مشاركته بتلك المواسم حينما كان يبلغ من العمر 17 عاماً، أيام والده الراحل الذي توفي عام 1980، أي قبل ثلاث سنوات فقط من وضع الاحتلال يده على الجبل في المرة الأولى: "كانت الأرض قطعة من جسد والدي، كان يحرثها بأدوات تقليدية بالفأس وغيرها من الأدوات".

أما المواطن الفلسطيني رزق نوفل (57 عاماً) وهو من سكان راس كركر، يملك وأحد أشقائه ستة دونمات في جبل الريسان. قبل مجيء المستوطنين إلى الجبل قبل أربعة أشهر، وسماح الاحتلال لهم بالتصرف بالأراضي، كان يذهب مع عائلته إلى الجبل للتنزه. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ المرة الأخيرة التي ذهب فيها إلى الجبل كانت في يونيو/ حزيران الماضي: "الذهاب إلى الجبل عبارة عن نزهة في مكان سياحي، أما الآن فقد حرمنا من ذلك، ونخاف من الذهاب إلى أراضٍ محيطة أيضاً خشية اعتداءات المستوطنين".




في أغسطس/ آب الماضي، فوجئ أهالي راس كركر بشروع آليات وجرافات المستوطنين بشق طريق من جهة القرية باتجاه جبل الريسان، تمهيداً للوصول إلى أراضيه واستخدامها، فتصدى الأهالي لهم ومنعوهم من ذلك، وحدثت مواجهات وإصابات في صفوف الأهالي، فجبل الريسان يقع في منطقة حسّاسة واستراتيجية تتوسط العديد من القرى الغربية، ووجود المستوطنين هناك يهدد حياة الأهالي، بحسب ما يقول منسق هيئة المتابعة للمقاومة الشعبية نعيم مرار لـ"العربي الجديد".

بدأت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان بعد ذلك من خلال هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية، بمتابعة ملف جبل الريسان قانونياً عبر المحاكم الإسرائيلية لمنع أيّ إجراءات استيطانية، لكنّ محاكم الاحتلال أوقفت العمل هناك وأبقت الحال على ما هو عليه. وبعدما أعلن جيش الاحتلال الجبل منطقة عسكرية مغلقة، تواصلت فعاليات الأهالي خصوصاً كلّ يوم جمعة، احتجاجاً على وضع المستوطنين أيديهم على أراضي الجبل.



تحاول سلطات الاحتلال السيطرة على جبل الريسان لموقعه الاستراتيجي، من أجل ربط العديد من المستوطنات ببعضها، وفصل العديد من قرى رام الله الغربية بعضها عن البعض، وبذلك، تتحول كلّ قرية إلى سجن، إذ يستهدف المخطط الاستيطاني ما بين 700 إلى ألف دونم من أراضي الجبل، التي تتبع للقرى الثلاث.

المحامي وديع نوفل، وهو من قرية راس كركر، الذي يملك أرضاً مع أبناء عمومته عشرات الدونمات في جبل الريسان، يوضح في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ سلطات الاحتلال بدأت بخطتها وضع اليد على أراضي جبل الريسان عام 1983، من خلال استغلال القانون العثماني السائد قبل الاحتلال بوضع اليد على الأراضي في حال عدم استغلالها وزراعتها وتحويلها إلى ما تسمى "أراضي دولة"، وثبتت قرار وضع اليد على الأراضي نتيجة تلك الحجة.




بالنسبة للمحامي نوفل وغيره من الأهالي، فإنّ جبل الريسان مكان هام جداً، فيه جميع ذكريات الطفولة، وهكذا يكرر تحذيراته للجميع: "إذا سقط جبل الريسان، فإنّ القرى الثلاث، سوف تسقط. فهو جبل كبير وممتد والمتنفس لجميع القرى، وتسعى سلطات الاحتلال من خلال ذلك لتقطيع القرى عن بعضها وربط المستوطنات بطرقات التفافية".