الاستثمار في "مواجهة إسرائيل"

27 فبراير 2014
+ الخط -

حتى من وقّعوا مع إسرائيل اتفاقيّات سلام ما زالوا يجاهرون بمعاداتها، ويدّعون مواجهتها. هكذا، تحولت "مواجهة إسرائيل" إلى خطابية مكرورة، لكنها ثقيلة، تضغط في السياسة والاجتماع العربيين. وباتت فقاعة "مواجهة إسرائيل" – المستندة، أحياناً، إلى فعل مضى أو من دونه - تملأ الفضاء السياسي والإعلامي في المنطقة، وبضجيجٍ يعوق مساءلة أصحاب هذه الخطابية المدعاة اليوم.

فلسطينياً وعربياً وإقليمياً، كان استخدام "مواجهة إسرائيل" في الاستثمار السياسي أضخم بكثير من مواجهتها فعلياً. وعادت "المواجهة" على أصحابها بالمنافع السياسية والدعم الجماهيري، بما لا يقارن في الموازين الاستراتيجية مع المواجهة نفسها، وفاعليتها وأثرها. هذا على مستوى المواجهة الفعلية؛ فكيف الحال بالمواجهة الخطابية والادعائية المفرطة بالعداء لإسرائيل، من دون عداء فعليّ معها!

في حالات عديدة وراهنة، أباحت نظم وجماعات وتيارات لنفسها انتهاك محاذير وطنية وإنسانية وأخلاقية، تحت غطاء من خطاب "مواجهة إسرائيل"، بل إن خطاب المواجهة كان موجّهاً للداخل والمحيط، أكثر مما كان موجهاً لإسرائيل نفسها. وفي حالات أخرى، أمّنت الخطابية والدعائية غطاءً لتعاون وتنسيق أمني وسياسي مع إسرائيل، وحجّمت حالةُ العداء الخطابيّ تطورَ أي ممارسة حقيقية لمواجِهة لإسرائيل، أو ناشطة ضدها.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن المواجهين فعلياً لإسرائيل أدركوا، في غمرة الانفعالات الخطابية، قيمة ما فعلوه، وشرعوا في استخدامه لأغراضٍ، لا صلة لها بالمواجهة الرئيسة والتناقض الأهم. ولم يعد مهماً، والحال هذه، من أضر بإسرائيل، أو أعاق تنفيذ مشاريعها، بمواجهته لها؛ بل من أحسن "إخراج" مواجهته على صورة أكثر غنائية، وتأثيراً، مما فعل الآخرون، ولم يكن الأمر، أحياناً، إلا إخراجاً تلفزيونياً خطابياً مع جوقة تمجيد وتهليل. ولم يعد لفعل المواجهة قيمة أو وزن، أمام طغيان الغنائية والخطابية، وكل ذلك ليصار إلى استخدام هذه الرصيد المتضخم من المواجهة في معارك أخرى، أو لتحصيل مكاسب في ميدان آخر.

إن الإصرار والتركيز على ما قدمته جماعة أو نظام في مواجهة إسرائيل في الماضي، واستخدامه في كل سلوك سياسي لإضفاء شرعية ما، أو تبرير مطالب؛ يشي بالتعامل مع مواجهة إسرائيل وكأنها انتهت، ونحن في مرحلة ترتيب أوضاع ما بعد المواجهة، وفق قاعدة أن من واجه أكثر يستحق دوراً أكبر في ترتيب المرحلة وقيادتها، بل والتنعم بمغانمها، إن وجدت، لكن الطريف في الأمر أن الصراع لا يزال مستمراً، بل، وفي أكثر مراحله خطورة. وينشغل أولئك في الاستثمار بماضي المواجهة، في راهن الإذعان والتسليم. ولعل التفكير بمكاسب أي نضال، قبل إتمامه، أفدح خطيئة تدفع الشعوب العربية أثمانها في هذه المرحلة من زماننا العربي.

يبدو أن الخروج من هذا المأزق، وإيقاف مسلسل المزايدات، المبرِّر لكثير من الجرائم والمؤامرات والإذعان، إنما يحصل برفض صيغة التداول المنتشرة في المجال السياسي، حول عداء إسرائيل ومواجهتها، والقول صراحة: ما فعلتموه في مواجهة إسرائيل في الماضي غير ذي أهمية، ولا يبرر شيئاً اليوم، المهم ماذا تفعلون حيالها حالياً، وماذا ستفعلون في المستقبل.

2BB55568-EFEE-416B-934D-5C762181FE7F
عبّاد يحيى

كاتب وباحث وصحفي من فلسطين