الاحتلال يخشى تآكل ردعه ضدّ "حماس" أو "حزب الله"

الاحتلال يخشى تآكل ردعه ضدّ "حماس" أو "حزب الله"

25 أكتوبر 2016
جيش الاحتلال يواصل مناوراته العسكرية (جاك غويز/فرانس برس)
+ الخط -
لا يزال الجدل حول النتائج الحقيقية للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في صيف عام 2014، وتحديد مقاييس وتعريفات متفق عليها لمصطلح "تحقيق الأهداف المرجوة من العدوان وأي عملية عسكرية"، مستعراً في أوساط الاحتلال الإسرائيلي بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الأمن السابق موشيه يعالون. يحاول الرجلان الادعاء بأن العدوان الذي حمل اسم "الجرف الصامد"، تمخّض عن ردع كامل لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" والانتصار عليها، في مقابل خصوم سياسيين يدعون أن العدوان كان يجب أن ينتهي بتقويض سلطة حماس. وهو الرأي الذي يروّج له حالياً أيضاً، وزير الأمن الحالي، أفيغدور ليبرمان.

في المقابل، فإن المستوى العسكري الإسرائيلي، ومنذ الحرب على غزة، وقبلها الحرب الثانية على لبنان (2006)، يسعى إلى الهروب من تبعات النتائج الميدانية للحرب وربطها بقرارات المستوى السياسي نفسه، ونسب أي قصور في القتال أو نتائج المواجهة، إلى التعليمات العسكرية والأهداف غير المحددة بشكل دقيق من قبل المستوى السياسي.

وقد أتاحت المذكرة الاستراتيجية للجيش التي نشرها رئيس أركان جيش الاحتلال، غادي أيزنكوت في ديسمبر/كانون الأول الماضي، للمشاهد والمراقب من خارج دوائر السياسة والعسكر في إسرائيل، رصد حقيقة التوتر القائم بين المستويين، ونزوع كل منهما إلى إلقاء تبعات الفشل والإخفاق على الطرف الآخر. وبدا ذلك جلياً في مطالبة أيزنكوت في استراتيجيته الجديدة، المستوى السياسي بأن يحدد بشكل واضح قبل كل مواجهة عسكرية أو حملة محدودة، طبيعة وحدود المهام المطلوبة من الجيش ميدانياً، وأن يعرّف علناً ما الذي يمكن أن يسميه هذا المستوى "نجاحاً في تحقيق هذه الأهداف".

ومع تكرار عمليات إطلاق جماعات سلفية غير منضوية تحت لواء حماس، في القطاع، لصواريخ باتجاه الأراضي المحتلة، ورد الاحتلال عليها بقصف مواقع الحركة، مع تحميلها المسؤولية من تصعيد عسكري غير مرغوب فيه. كما يُخشى أن تؤدي حادثة محددة على الحدود مع لبنان، إلى تدهور خطير لدرجة الوصول إلى حدّ المواجهة العسكرية.

وفي هذا الصدد، نشر رئيس مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، الجنرال احتياط عاموس يادلين، أخيراً مذكرة اعتبر فيها أن احتمالات التصعيد العسكري باتت ممكنة، لكن ما يرافقها ويزعجه هو الخطر البادي للعيان من تآكل الردع الإسرائيلي والحاجة لتثبيت هذا الردع، تحسباً من اندلاع المواجهة العسكرية المقبلة، والتي قد يكون تآكل قوة الردع الإسرائيلية سببا لاندلاعها.

ورأى يادلين في سياق حزب الله أنه "في ضوء الإعلان عن اعتقال خلية له في قرية الغجر، قد يسعى لتنفيذ هجمات من بعيد من دون أن تكون بصماته عليها واضحة للعيان، رداً على ضربات إسرائيل لقوافل الأسلحة التي كانت في طريقها إلى لبنان. مع ذلك فإن الحزب ليس معنياً في ظلّ ظروفه الميدانية في سورية، وظروفه الداخلية في لبنان، بتصعيد ومواجهة شاملة مع إسرائيل".



وأضاف يادلين أنه "بهذا المعنى فإن الجبهة الشمالية أكثر استقراراً من تلك التي في الجنوب، حيث تواجه حماس ضغوط الجماعات المتمردة عليها، التي تواصل محاولات إطلاق الصواريخ، مدركة بأنها تضع حماس في زاوية ضيقة للغاية، إلى جانب الضغوط الهائلة المتولدة عن تداعيات الحصار المفروض على قطاع غزة، مع كثرة اللاعبين في ساحة القطاع".

وفي ضوء هذا الوضع، فإن يادلين رأى بأن "مصلحة إسرائيل العليا تتلخص بضمان الأمن والهدوء على هدوئها، لكن هذا لن يتسنى في حال تآكلت قوة الردع. وهذا ما يلزم لإعادة النظر في سياسة الرد الإسرائيلية الحالية، على كل عملية إطلاق لصواريخ من القطاع، لأن هذه السياسة من شأنها أن تكرس رداً ميكانيكياً، تقريباً، وشبه متوقع من إسرائيل". ونوّه إلى أن "ذلك يخالف الفائدة التي جنتها إسرائيل مثلاً في تعاملها مع جنوب لبنان، عندما كان ردها على نشاط حزب الله، غير متوقع ويكتنفه الغموض، مما كسر حالة اليقين التي كادت تستقر في حسابات الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله".

وتابع يادلين أنه "في المقابل وحتى لا يكون الرد الإسرائيلي متوقعاً، لدرجة استدراج إسرائيل مثلاً من قبل جماعات مناهضة لحماس، أو للنظام في سورية لتوجيه ضربات لخصومهم، فإنه لا ينبغي لإسرائيل في سياق استخلاص العبر اللازمة لمواجهة التصعيد المحتمل، أن تدخل أو تسير نحو مواجهة عسكرية شاملة قبل إكمال عملية استخلاص العبر من عدوان الجرف الصامد، وتطبيق هذه العبر وبلورة حلول أفضل للمسائل الاستراتيجية، والتكتيكية التي أخفقت فيها في هذا العدوان".

وأشار إلى أن "هذا ما يدعو إلى وجوب التريث قبل الخوض في مواجهة شاملة لمنع تكرار حرب طويلة الأمد (أكثر من خمسين يوماً كما في حالة العدوان الأخير على غزة)، تنتهي من دون تحقيق تغيير حقيقي في الوضع الاستراتيجي. كما تنتهي من دون قواعد وشروط تضمن منع استعادة حماس مستقبلاً لقوتها العسكرية، أو من دون المسّ بالمنظمة وبذراعها العسكرية، كما حدث في المواجهة الأخيرة بسبب تحرّك الجيش وخوضه المعركة على أساس معلومات استخباراتية منقوصة أو معطوبة بشأن نوايا الطرف الأخر وبشأن الأنفاق التي حفرها".

وحدّد يادلين، على غرار أيزنكوت، "وجوب تحديد المستوى السياسي مسبقاً للغاية المرجوة استراتيجياً من المواجهة العسكرية، وتحديد دلالات وتأثيرات البدائل المختلفة. كما يتعين تحديد الرافعة الأساسية المطلوبة لتحقيق الهدف المرجو من الحرب، وهل يمكن تحقيق ذلك مباشرة أم لا، وهل يتم ذلك عبر ضرب التحتية المساندة للعدو؟".

إلى ذلك طلب يادلين بوضوح وضع تصورات واقتراحات مسبقة حول سبل تقصير الفترة الزمنية للمواجهة العسكرية، ووضع تصورات حول احتمالات وخيارات تحرك لاعبين إقليميين ودوليين، والفترة اللازمة لتحقيق إنجازات قبل رد اللاعبين في الحلبتين الإقليمية والدولية على المواجهة، مثل إطلاق مساعي للتوصل إلى وقف إطلاق نار، ومتى يمكن الدخول في مفاوضات كهذه استجابة مثلاً لقرار من مجلس الأمن الدولي. واعتبر أن "ضمان قوة الردع وحفظها ومنع تآكلها، يحتّم أيضاً تحديد موعد إطلاق العمليات العسكرية مسبقاً. وهل يكون ذلك عبر ضربة استباقية أم من خلال استغلال عنصر المفاجأة التكتيكية لضمان نتائج في المرحلة الأولى من المواجهة العسكرية؟".

وخصّص يادلين أهمية أيضاً لجوانب أخرى، مثل نوعية المعلومات الاستخباراتية ومصداقيتها عن الطرف الآخر، والاستعدادات الموجودة لاحتمالات أي توغّل بري، وإلى أي عمق وما الغاية المرجوة منه، وما إذا كان سيرافق ذلك إعادة احتلال أم مجرد توغل ومكوث مؤقت لحين ترتيب اتفاقيات وقف إطلاق النار والترتيبات الأمنية المترتبة على ذلك؟ وهل سيكون هناك خيار ميداني لاغتيال كبار مسؤولي هذه المنظمات (حماس وحزب الله) وكيف ووفق أي معلومات، وما هي الطاقات اللازمة لذلك وتداعيات هذه العمليات على المنظمات نفسها وبالتالي على سير العمليات القتالية؟ والسؤال الأهم برأي يادلين في السعي لتكريس قوة ردع هو هل هناك استعدادات وتصورات لدور الجبهة الداخلية، والعمق المدني الإسرائيلي من جهة، وما هي سيناريوهات رد الفعل في حال فتح جبهة ثانية في حال اندلاع المواجهة مع طرف واحد من الطرفين؟

وخلص يادلين إلى القول إن كل مسألة من هذه المسائل أعلاه في غاية الأهمية، وهي تحتاج لأكثر من مداولة وجلسة في مجلس الوزراء الإسرائيلي ومجلس الوزراء المصغّر "الكابينيت". وذلك لبحثها بعمق واستخلاص النتائج والعبر المرتبطة بها، وعدم انتظار الخوض في مثل هذه المسائل أثناء المعارك، بما يضمن عدم تكرار ما حدث خلال العدوان الأخير على غزة، وفي لبنان. بالتالي تكون إسرائيل هي الطرف المبادر، في حال كان لا بد من المواجهة وهي من يحدّد أوانها وظروفها وخياراتها بشكل مخطط ومدروس بشكل مغاير كلياً لما حدث في المواجهات العسكرية في السنوات الأخيرة.