الاحتلال لا تطربه كلاسيكية بيتهوفن

07 مايو 2014
+ الخط -
ما زال البريطانيون يتذكرون الخنافس الأربعة، خنفساً خنفساً، في أوائل الستينات، كانت كل أسطوانة تباع لهذه الفرقة بمثابة أسطورة تروى على كل لسان، تهز أرجاء بريطانيا بموسيقى الجاز الصاخبة. وأول من كانوا يرقصون ويغنون مع فرقة الخنافس الجنود البريطانيون، بعد عودتهم من ويلات الحرب العالمية الثانية، يفرغون طاقات القتال والمشاحنات، ليعودوا أكثر اتزاناً في اليوم الذي يليه.
لم تستمر الحرب طويلاً، كما لم تستمر الخنافس الأربعة بالظهور، فبعد اتفاقيات السلام بعد الحرب الباردة، بدأت كلاسيكيات بيتهوفن وموزارت في الظهور، بشكل مفاجئ، في الأسواق البريطانية، وفي أميريكا وغيرها، بالتزامن مع آخر أغنية للخنافس "ليكن ما يكون".
ويدعونا ارتباط الحرب بالصخب الموسيقي، والسلام بتذوق الموسيقى الخالدة، إلى السؤال، عما إذا كانت الايقاعات الموسقية السريعة الصاخبة لغة تطور، أم لغة حرب؟
ولكي نجيب على هذا السؤال، لنتذكّر، قليلاً، لقطات من الرسوم المتحركة، توم وجيري، ربما لا ليس معروفا بشكل واسع أنك ستسمع فيها موسيقى لموزارت، ما يجعلنا نذهب إلى أن سرعة عجلة التطور ليس شرطاً ان ترتبط بتذوق الموسيقي الصاخبة، باعتبار ذلك من مخرجات التفريغ للمشكلات المصاحبة عن التطور المعلوماتي الهائل، بل يمكن أن تهذبها وتكملها، ولا تقصي إحداهما الأخرى.
اعتبار الموسيقى الصاخبة لغة حرب، والاستماع إليها باعتبارها "تفريغاً" عن الهزائم والويلات في الدول الخاسرة، يساعد على انتشار (حمى الفن)، كما أسماه نبيل راغب، بمعنى أن الموسيقى تذهب وتأتي بشكل سريع، ولا يكتب لها البقاء طويلاً. نلاحظ ذلك جلياً في التذوق العام للموسيقى في الوطن العربي حالياً، فيظهر على المجتمع عزوفه عن الموسيقى الخالدة، وارتباطاته بالموسيقى التي تعيد توازن جهازه العصبي إلى ما كان عليه، وتنتهي شحناته نهاية في غير مكانها، وبعيدة كل البعد عن المسبب الأساسي لعدم استقراره في حياته.
ولا يجب أن نغض الطرف عن مدخل ومخرج موسيقي من الصراعات بين الدول، المتمثل ببروز الاغاني الوطنية، أو الشعبية، فهي قيمة قد يسلبها شعب من آخر بالاحتلال أو الهجرة، كما سُلبت موسيقى إفريقية ارتجالية إلى شمال الولايات المتحدة بالهجرة، وكما سرقت أغنيات تراثية فلسطينية حكائية، ونسبها الاحتلال الإسرائيلي إليه، بزعم أنها دليل وجودي لكينونته.
البعثات الموسيقية، أيضاً، يمكن أن تعتبر إحدى وسائل نقل الموروثات الموسيقية، وغالباً ما يكون مصدرها من الغرب إلى الشرق، ويمكن اعتبار النقل تفرعاً للتطور الحضاري الذي يجب أن تصل إليه الدول الفقيرة موسيقياً، بشكل يساوي مرحلة من مراحل تطور الموسيقى البرجوازية في الغرب، ما يدعو للشك في النية الحقيقية من تلك البعثات، فإن كان الغرب يطمح كل الطموح إلى الارتقاء بالذوق الموسيقي في دول العالم الثالث، فلماذا لم يطمح بجعل شعوبه تطرب على موسيقى الأوبرا، وان تقِّبل نساءها حين تنتهي؟
في النهاية أقول إن كثرة فرق مثل فرقة الخنافس في الدول تحت الاحتلال، تحول فنهم الموسيقى من فن حقيقي إلى فن تجاري، يجمع ملايين المشاهدات في ثلاثة شهور، مثلاً، وينتهي به المطاف في الشهر الرابع إلى رصيد بنكي لا أكثر، والخوف الأكبر أن تعتاد الشعوب المكبوتة على الموسيقى التجارية، وتستريح إليها، ككرسي هزاز تعودت عليه.
 
 

 
avata
avata
مجد حثناوي (فلسطين)
مجد حثناوي (فلسطين)