الاحتجاجات الشعبية تظهر عجز الأحزاب المغربية

الاحتجاجات الشعبية تظهر عجز الأحزاب المغربية

12 يناير 2018
سعت بعض الأحزاب لحل احتجاجات جرادة مبكراً(فضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -
تعيد الاحتجاجات التي تشهدها مدينة جرادة الواقعة شرق المغرب، بسبب وفاة شقيقين شابين في بئر عشوائية للفحم الحجري، ومطالب السكان برفع التهميش عن منطقتهم، إلى الواجهة تراجع مكانة الأحزاب السياسية في تمثيل المواطنين، وتخطي السكان لهذه الهيئات السياسية ولممثليها المحليين، وطلبهم التفاوض والحوار مباشرة مع الحكومة.
وقبل احتجاجات مدينة جرادة المستمرة منذ أيام على الرغم من أن حدتها خفّت مقارنة مع بدايتها، كانت الاحتجاجات في منطقة الريف، خصوصاً مدينة الحسيمة، قد أظهرت ارتباك وضعف الأحزاب السياسية في مواكبة الملف، والتدخّل كوسطاء لنزع فتيل الأزمة، الشيء الذي أفضى إلى اعتقالات ومحاكمات لقادة الحراك لم تنته فصولها بعد.

في احتجاجات الحسيمة، أعلن المحتجون المطالبون بالتنمية ورفع العسكرة عن المدينة صراحة أنه لا يمكنهم التفاوض حول المطالب سوى مع الحكومة  نفسها، وأنهم لا يثقون في قدرة الأحزاب السياسية والمنتخبين المحليين على تلبية مطالبهم الآنية، فاشترطوا "نزول" الحكومة إليهم في الميدان للتحاور معهم. ووصل الأمر في "حراك الريف" إلى حد وصف عدد من قادته، وعلى رأسهم الناشط ناصر الزفزافي المتواجد حالياً في سجن عكاشة بالدار البيضاء منتظراً الحكم بحقه مع عدد من رفاقه المعتقلين، بنعت الأحزاب السياسية اليسارية واليمينية، الموالية والمعارضة، بالدكاكين السياسية التي لا حول ولا قوة لها، ولا تظهر سوى في مناسبات الانتخابات.

وتكرر الأمر في احتجاجات شعبية عرفتها منطقة زاكورة قبل أسابيع بسبب معاناة السكان في الحصول على مياه صالحة للشرب، عندما "اختفت" الأحزاب السياسية الممثلة للمنطقة في القيام بدور الوسيط بين السكان الغاضبين والسلطات المعنية، الشيء الذي أفضى إلى مواجهة بين المحتجين والدولة.
وتجدد المشهد في مدينة جرادة التي اندلعت فيها احتجاجات منذ نهاية العام الماضي وحتى اليوم، بسبب مطالب بالاهتمام بالإقليم المهمش الذي كان يعيش على مداخيل منجم للفحم تم إغلاقه في نهاية التسعينات، وطالب المحتجون بالتحاور مباشرة مع السلطة المركزية ممثّلة في الحكومة بالرباط.

وأرغمت الاحتجاجات في مدينة جرادة الحكومة على التجاوب مع مطالب السكان من خلال القيام بزيارة أولى لمسؤولين في وزارة الداخلية الذين تواصلوا مع منتخبين وبرلمانيين في المنطقة، قبل أن يسافر وزير الطاقة والمعادن عزيز الرباح إلى المدينة للإنصات لممثلين عن الشباب العاطلين من العمل في الإقليم، ورصد أكثر من مائة مطلب بعضها آني والبعض الآخر يحتاج إلى دراسات، وفق الوزير.


واختلفت تقديرات الأحزاب السياسية، في الغالبية والمعارضة، حيال التعاطي مع احتجاجات الريف مقارنة مع احتجاجات زاكورة أو جرادة وغيرها من المناطق، وإن كانت نقطة التشابه تكمن في ضعف وجودها ودورها الدستوري المفترض أن يظهر في مثل هذه الأوضاع، باعتبار أن دستور 2011 ارتقى بأدوار ووظائف الأحزاب. وينص الفصل السابع من الدستور المغربي على أن الأحزاب السياسية تعمل على تأطير المواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية.

هذا التأطير السياسي للأحزاب غاب في أكثر من حراك واحتجاج في المغرب، وظهر ذلك بشكل واضح في احتجاجات الريف، بل إن عدداً من الأحزاب تسرعت في اتهام المحتجين في الحسيمة بالانفصال، باعتراف رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، وهو ما جعلها متأخرة كثيراً عن ركب الحراك ومستجداته وتفاعلاته السياسية والاجتماعية والأمنية.
ووجدت الكثير من الأحزاب السياسية نفسها "خارج التغطية" في احتجاجات الحسيمة وزاكورة أيضاً، وهو التأخر الذي سجله مراقبون أيضاً بشأن تفاعل الحكومة مع ما كان يجري على أرض الواقع في الحسيمة، إذ كان الجميع ينتظر تدخّل السلطات الأعلى التي أنقذت ماء وجه الحكومة والأحزاب على السواء بقرارات معاقبة مسؤولين كبار، وأيضاً التسريع بمشاريع التنمية المتأخرة في الحسيمة.

وفي احتجاجات مدينة جرادة، حاولت أحزاب مغربية التعاطي مبكراً مع الأحداث من خلال تسجيل مواقف معينة، أو نقل حالة الإقليم المهمش إلى البرلمان لمناقشتها، لكن من دون أن تنجح هذه المحاولات الحثيثة والمتقدّمة مقارنة مع مواقفها في "حراك الريف"، في أن تقنع السكان الغاضبين بوضع ثقتهم في الأحزاب، بل أرغموا الحكومة على التحاور مباشرة معهم.

وظهرت تحركات بعض الأحزاب السياسية في الاحتجاجات الأخيرة بجرادة في جهود قيادي في حزب "الأصالة والمعاصرة" يرأس منطقة الشرق التي تقع فيها جرادة، إذ نزل إلى الميدان وتواصل مع المحتجين، وحاول تعويض أرملتي ضحيتين بمنحهما شقتين وتعويضاً مادياً.
كما أن حزب "الاستقلال" كثّف من تحركاته ومساءلته للحكومة لدفعها نحو البحث عن بدائل اقتصادية ناجعة للفحم في جرادة، وهو ما يُطالب به السكان كذلك، فيما ناقش حزب "العدالة والتنمية" القائد للحكومة ملف جرادة في البرلمان بجرأة "المعارضة"، وتواصل برلمانيوه في المنطقة مع سكان جرادة وشبابها خصوصاً.