الإعلام وفلسطين .. خفتت الأضواء
اختاروا اسطنبول لعقد ما أطلقوا عليه "منتدى فلسطين الدولي للإعلام والاتصال"، والذي عقد يومي 23 و 24 إبريل نيسان الجاري. وفي الجلسة العلمية الأولى، طرح علينا أصحاب المبادرة سؤالاً محدداً: لماذا تراجع اهتمام الإعلام العربي بفلسطين؟ كنا ثلاثة على المنصة، فهمي هويدي، محمد المسفر وكاتب هذه السطور.
من وجهة نظري، تعتبر فلسطين موضوعاً إعلاميا بامتياز. فهي تختزل أربعة أبعاد، تفرض على كل إعلامي جد الانشغال بها. الأول إنساني، ويتمثل في أن فلسطين تعتبر مظلمة استثنائية في التاريخ البشري، ترتكز على مغالطةٍ بشعة، صاغها أصحابها بالقول "شعب بلا أرض في أرض بلا شعب".
وثانياً، تكفي الإشارة الى اعتبار أن اليهود جزء رئيسي في هذا النزاع، حتى يثير ذلك تلقائياً اهتمام الجميع. وثالثاً الموقع الاستراتيجي الذي تحتله فلسطين، ما يجعل كل ما يحدث هناك ينعكس مباشرةً على مجمل منطقة الشرق الأوسط والعالم. وأخيراً، استمرار حركة حماس في إدارة شؤون غزة، وهو أمر كاف لإثارة مختلف وسائل الإعلام، خصوصاً في مرحلة تشهد جدلاً واسعاً بشأن تقييم تجارب الإسلاميين في الحكم.
على الرغم من أهمية تلك العوامل، فإن الاهتمام بفلسطين تراجع كثيراً في السنوات الماضية. ويعود ذلك، أساساً، إلى أن الحالة الفلسطينية مريضة، بسبب الانقسام العمودي والأفقي الذي أصابها منذ سنوات، وجعلها غير مؤهلةٍ، لتقديم رسالة قوية للعالم. صحيح أن الانقسام ليس العلة الوحيدة التي يعاني منها الفلسطينيون، لكنه أثر كثيراً على القضية، وخفض من حجم التفاعل معها.
من جهة أخرى، كشفت الثورات العربية عن أن رفع الشعارات الجميلة والمشروعة شيء، وقيادة دولة وطنية ضعيفة ومنهكة شيء آخر. كثيرون افترضوا أن هذه الثورات ستشكل مدداً قوياً لقضية العرب الأولى. لكن، بعد أكثر من ثلاث سنوات، يمكن القول إن الحكومات المتعاقبة في دول ما يسمى الربيع العربي، بما فيها التي شكلتها، أو قادتها، حركات إسلامية، لم تتمكن من تقديم دعم حقيقي للفلسطينيين، بعد أن غرقت هذه الحكومات في الوحل الداخلي لأقطارها، ذلك أن للدولة الوطنية والقطرية أحكامها وأولوياتها وتحدياتها.
لكي يعود الاهتمام الإعلامي بفلسطين، يجب أن تنطلق الخطوة الأولى من داخل فلسطين. يجب أن يتغير المشهد هناك، ويحصل حدث كبير يعيد خلط الأوراق. وتعتبر المصالحة شرطاً مهماً لتغيير معادلات كثيرة، ولكن، بشرط أن تصدق النيات، وتقدم المصالح الوطنية على التكتيكات الحزبية. صحيح أن العملية صعبة ومعقدة، وتحتاج إلى تضحيات وتغيير جدي في الثقافة السياسية للنخبة الفلسطينية، كما تستوجب ممارسةً واسعةً للنقد الذاتي، والقيام بإصلاحات هيكلية عميقة داخل منظمة التحرير وخارجها. لكن، مع ذلك كله، تبقى المصالحة، في كل الأحوال، خطوة ضرورية للخروج من المأزق الراهن. ويكفي أن عقدت جلسة بين الطرفين في غزة حتى احتل الخبر صدارة النشرات الإخبارية، وبدأت التداعيات الإقليمية والدولية تحرك المياه الساكنة. المهم أن تكون العملية خارج سياق المناورات الحزبية والحسابات الآنية والضيقة.
لا يثير المقال عن فلسطين اهتماماً واسعاً للقراء، هذا ما اعترف به عبد الباري عطوان، وهو الصحفي الفلسطيني الذي قضى حياته في الاهتمام بشأن شعبه، فما بالك بغيره من الإعلاميين غير الفلسطينيين. هذه حقيقة مرة، لكن، لا يمكن إنكارها. ولا يعود السبب في ذلك إلى فقدان القضية مشروعيتها، ولكن، لأن الذين يتحدثون باسمها ضيّعوا البوصلة، ودخلوا في متاهاتٍ أبعدت فلسطين عن الناس، وعن وسائل الإعلام.