الإعلام والإعلاميّون... مسيرون أم مخيرون؟

الإعلام والإعلاميّون... مسيرون أم مخيرون؟

30 ابريل 2019
+ الخط -
في ظل الثورة التكنولوجية وتطور الإعلام وأدواته بشكل كبير، ولد الكثير من المنصات الإعلامية المختلفة في عالم الميديا، ولم تعد مؤسسات الإعلام وقنواتها حكراً على الدول وحكوماتها..

لكن التساؤل الذي لطالما دار في رأسي هل هذه نقطة إيجابية أم سلبية؟ وهل هذا يعني أن الإعلام بات مخيراً ينقل الواقع والحقيقة فقط من دون أي تحيز أو تعصب فكري؟

لم يعد يخفى الأمر على الجميع أن معظم القنوات والمنصات الإعلامية الحكومية هي أداة لتلميع الحكومة ورجال الدولة، وبحسب رأيي لا تلام فهذه هي وظيفتها ومهمتها الأساسية ولا تستطيع فضح أي فساد لأن ذلك سيؤدي لإيقاف المسؤول فوراً واستبداله بآخر صاحب ولاء وطني كما يطلقون عليه.

لكن بعد ثورات الربيع العربي وتطور التكنولوجيا الذي دخل لمجتمعنا واكتساح المنصات الاجتماعية لحياتنا.. هل حولنا ذلك للنطق بالحقيقة من دون أي تخوف؟.. إلى حد ما يمكن أن نقول إن المجتمعات العربية وصلت إلى هذه النقطة، فبتنا نشاهد ما تفعل تلك الأنظمة من قمع إرادة الشعوب ومن التعذيب واعتقال أصحاب الرأي السياسي المعارض لها وصولاً للفساد الكبير الموجود في أجهزة الدولة..


لكن سرعان ما تداركت الحكومات الديكتاتورية الأمر، وخاضت في المسألة وشكلت ما يسمى الجيوش الإلكترونية والتي مهمتها التنمر على كل شيء يعادي تلك الحكومة ويطعن بها، حتى يصل الأمر لإيقاف حساب ذلك الشخص أو التضييق عليه من تهديد وشتائم وهجوم مهيب من التعليقات والإبلاغات الكبيرة عن الفيديوهات والأدلة ليتم حذفها من المنصات الاجتماعية، وهذا ما حصل مع الكثير من نشطاء الثورة السورية الذين توقفت حساباتهم وحذفت مئات الفيديوهات والأدلة واستبدالها بروايات أخرى لتكذيبها.

من جانب آخر تحول الكثيرون من الرموز الإعلامية لأداة تدافع عن جماعتها وتكذب الأقاويل عنهم مهما كانت وتحاول إظهارها بأبهى صورة وهذا تم بعد دخول الكثير من المال السياسي الذي دفع للكثير من مشاهير هذه الشبكة الإلكترونية.

حتى وصل الأمر لصناعة رمز إلكتروني في منصات التواصل الاجتماعي من الألف إلى الياء يتابعه آلاف المراهقين يشاهدونه أثناء لعبه ومرحه وكل تفاصيل حياته مصرحاً أنه حيادي بعيد عن أي رأي سياسي، لكن سرعان ما نفاجأ بموقف له بعيداً عن أي مهنية أو مسؤولية أخلاقية محاولاً جر المراهقين لرأيه وفكره الذي تبناه والذي لسببه خلقوه في هذا العالم الافتراضي.

في المحصلة يا سادة، الإعلام ورواده هم أدوات، هذه حقيقة لا يمكننا إنكارها، مع العلم أنه ليس من الضرورة إن أطلقنا عليه مسمى الأداة، هذا يعني أنها أداة غير نزيهة وغير أخلاقية دوماً، فهناك دوماً اللون الأبيض والأسود، ومهمتنا كمتابعين أو كصناع محتوى معرفة كيفية استخدام هذه الأداة لخدمة قضيتنا أو رسالتنا من دون كذب أو تلفيق، ويقع على عاتقنا ألا نجر الناس نحو الكذب والدجل والتطبيل..

علينا احترام من يتابعنا واحترام عقله وفكره، فكلنا نعرف أن إعلاماً بلا ضمير ينتج شعباً بلا وعي، والوصول لهذا النضج ليس بالأمر السهل وليس مستحيلاً.

نعم نحن كإعلاميين مسيرون ومخيرون.. مسيرون من دوافعنا الدينية والأخلاقية والمهنية التي يجب ألا نتجاوزها، ومخيرون في اختيار القضية والرسالة والوسيلة لإظهارها في زمن طغت فيه الحكومات الديكتاتورية.

قال المفكر السوري نبيل شبيب: في ظل ما نراه من أنظمة مستبدة لا تتورع عن البطش الفاجر، فإن الحياد هو ما يتحقق من خلال الانحياز الإعلامي لقضايا الشعور المشروعة.

مع العلم.. الطريق ليس مفروشاً بالورود، والضغوط والعقبات التي تواجه أي فرد أو مؤسسة ستعزلها شيئاً فشيئاً، من نقص في المال، إلى المضاربات الإعلامية وحملات التخوين والتكذيب من الطرف الآخر.

فعلينا أن نعمل أكثر لنشر رسالتنا عبر الأجيال ونلم شتاتنا ونجمع خبراتنا ونصنع الرموز الخاصة بنا، من أجل صناعة أخلاقية ذات رسالة هادفة تحكمها المعايير السامية لخدمة الإنسان وحريته وكرامته وتدفعه دوماً نحو التفكير والتفكر والتأمل وتبعده عن التعصب والغلو.. نقول للص إنه لص، وللشريف إنه شريف، نحاول ألا ننكر أخطاءنا ونسعى دوماً لإصلاحها.
CD1ADA97-E911-4C9F-9771-09FD3D76D31E
محمود الجبلي

صانع أفلام وحصدت عديد الجوائز عن أفلامي التي صنعتها.. درست مبادئ السينما وفنونها، وأدرس الراديو والتلفزيون في جامعة كارابوك في تركيا.