الإعلام في بازار الرئاسة الأميركيّة

الإعلام في بازار الرئاسة الأميركيّة

08 نوفمبر 2016
أرباح ومشاهدات عالية للإعلام في الانتخابات (تيموثي كلاري/فرانس برس)
+ الخط -
تتوجّه أنظار العالم، اليوم، إلى الولايات المتحدة الأميركيّة، حيث تُجرى انتخابات رئاسيّة، قد تُحدّد مصير البلد، على اعتبار التقارب في استطلاعات الرأي بين المرشح الجمهوري دونالد ترامب، والذي عُرف بتصريحاته العنصريّة، وبين المرشحة الديمقراطيّة هيلاري كلينتون، والتي قد تكون أول امرأة تترأس أميركا. 
هذا في النظرة الشاملة، ولكن في المضمون، هناك تفاصيل أكبر، يدخل فيها الإعلام لاعباً أساسياً. فعلى مدى أكثر من عام، لعب الإعلام الأميركي تحديداً دور الحاشد لأحد المرشحين، استمرّ حتى أمس الاثنين.

في أوائل شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كان الدعم الإعلامي لأحد المرشّحَين (ترامب وكلينتون) لا يزال في بداياته الخجولة، رغم قيام وسائل إعلاميّة كبيرة، كـ "فوكس نيوز" و"سي إن إن"، بدعم مرشحين عبر تغطياتها وبرامجها، وانحيازها منذ البداية. وقبل أقل من أسبوع على الانتخابات، حازت كلينتون تأييد أكثر من 186 صحيفة يومية، متفوقة بـ31 مرة على منافسها الجمهوري، دونالد ترامب، الذي حصل على تأييد 6 صحف فقط.
لكنّ دراسة لمؤسسة "بيو" للأبحاث، صدرت عام 2011، رأت أنّ 7 من أصل 10 أميركيين لا يكترثون لدعم الصحف لأي من المرشحين للرئاسة. إلا أنّ الدراسة أشارت إلى أنّ المواقف المؤيدة التي تخالف الأجندة السياسية المتبعة لصحيفة معنية ـ كأن تدعم صحيفة يمينية الحزب الديمقراطي للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية ـ تؤثر بشكل ملموس على خيارات القراء. كما تزداد ثقة الناخبين بالمؤسسات الإعلامية عندما يلاحظون تحيزاً أقلّ فيها، ويأخذون بعين الاعتبار وجود مستوى أقل للتحيز عندما تناقض الوسائل الإعلامية قيمها المعتادة، وهو ما حصل في 2016 كثيراً.
وعلى صعيد القنوات، تدعم كُلّ من "إيه بي سي"، "إن بي سي"، و"إم إس إن بي سي" كلينتون إما عبر الإعلان عن ذلك صراحة، أو من خلال التغطية السلبية المتواصلة ضد ترامب التي أخذت أحياناً شكل الحملة الإعلانية. أما قناة "إيه بي سي" فتبدو أكثر حيادية، مقارنة بالقنوات الأخرى، مما جعلها تحتل المرتبة الثانية ضمن أكثر القنوات القومية متابعة خلال المناظرة الرئاسية الأولى بعد قناة "إن بي سي".
أما قناة "سي إن إن"، فهي تدعم كلينتون مؤخراً، بينما واجهت انتقادات منذ البداية بسبب تغطيتها الكثيفة لترامب، وتجاهلها لحملة بيرني ساندرز.

إلا أنّ لترقّب وسائل الإعلام للانتخابات غايات أخرى، تجاريّة وربحيّة بحتة. فقد أظهر استبيان لشركة "كوم سكور" للأبحاث أنّ المواقع الإخبارية الرئيسية حصدت زيادة بنسبة 13 في المائة في عدد القرّاء في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، مقارنة بالعام الماضي، وارتفاعاً بنسبة 59 في المائة عن سبتمبر/أيلول 2012. وحقق موقع صحيفة "واشنطن بوست" تحديداً الشهر الأكثر متابعة على الإطلاق في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بـ66.9 مليون زائر.
وتصدرت شبكة أخبار "فوكس نيوز" قائمة القنوات الأكثر متابعة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بـ3.1 ملايين مشاهد خلال وقت الذروة، محققة ارتفاعاً بنسبة 72 في المائة في عدد المشاهدين عن العام الماضي، وفقاً لشركة "نيلسن" Nielsen لقياس نسبة جمهور المشاهدين والمستمعين.
وأشارت الشركة إلى أن قناة "سي إن إن" حازت نسبة المشاهدة الأعلى في أكتوبر/تشرين الأول الماضي منذ عام 2008، للبرامج النهارية التي تتراوح أغلب أعمار متابعيها بين 25 و54.

وحققت المناظرة الرئاسية الأولى بين ترامب، وكلينتون، مشاهدة قياسية في تاريخ المناظرات الأميركية، إذ شاهدها أكثر من 85 مليون شخص. وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أفاد أحد المعلنين في حديثه لقناة "سي أن بي سي" بأنه نظراً للاهتمام الكبير بالمرشحين الرئاسيين هذا العام، تبدأ قيمة إعلان مدته 30 ثانية من 120 ألف دولار أميركي. وقالت وكالة أخرى للإعلانات إن أرباح الإعلانات تراوحت قيمتها بين 170 و250 ألف دولار أميركي في ليلة المناظرة الأولى، وحققت القنوات الفضائية أرباحاً بدءاً من 300 ألف دولار أميركي، لأنها تطلب شراء أكثر من إعلان واحد.

على صعيد آخر، تُعتبر هذه الانتخابات الأولى التي يكون فيها لوسائل التواصل الاجتماعي دور أكبر من الإعلام التقليدي. فبالرغم من أنّ الرئيس باراك أوباما عمل جيداً على استغلال جمهور السوشيال ميديا في حملاته الانتخابيّة، ونجح في ذلك، إلا أنّ التكنولوجيا وتأثيرها على المستخدمين تغيّرا وازدادا منذ ذلك الحين. لذا، فإنّ لوسائل التواصل، تحديداً "فيسبوك" و"غوغل" و"تويتر" دوراً قيادياً في الحشد لمرشّح ضد آخر، لا بل دفع الناخبين الأميركيين إلى التصويت والمشاركة في الانتخابات.

وفي هذا الإطار، لاحقت موقع "غوغل" اتهامات بمحاباة كلينتون وحذف ما يسيء إليها. فقد أكدت صحيفة "ذي إندبندنت" البريطانيّة أنّ المستخدمين لاحظوا وهم يكتبون عبارة "هيلاري كلينتون" في محرك البحث، أنّ الاقتراحات الأوتوماتيكية لا تتضمن أية صفة سلبية. حتى لو كان المستخدم يبحث عن كلمة "جرائم كلينتون" مثلاً فإن النتائج تأتي إيجابية. إلا أن ذلك يحصل حتى على صعيد الجانب الآخر، إذ بدوره لا يتبع اسم "دونالد ترامب" أي اقتراح بحث يسيء إليه. بل تعرض اقتراحات البحث الجانب الإيجابي كذلك.
وفي الواقع، حدث ذلك بسبب تعديلات تقنية أدخلتها "غوغل" على محرك بحثها، إذ قامت بتعديل خوارزمية البحث بحيث لا تقترح بحثاً سلبياً بعد اسم أي شخص مهما كان، وليس فقط المرشحين للرئاسيات الأميركية.

من جهته، طاولت موقع "فيسبوك" اتهامات بالتدخل بالديمقراطية الأميركية، رغم تصريح الشركة أنّ "العملية الانتخابية في صلب الديمقراطية، ونعتقد أن بإمكاننا المساهمة في دفع المجتمع إلى المشاركة الإيجابية في هذه العملية، لكننا شركة محايدة، لم ولن نستخدم الموقع للتأثير على كيفية المشاركة".
ويتيح "فيسبوك" منذ الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2008 خيار "أنا أصوّت" (I Voted)، إذ يُخبر المستخدمون أصدقاءهم أنهم قاموا بالتصويت في الانتخابات عبر هذا الزر، ويتشاركون صورهم معهم، مما يشجع المستخدمين الآخرين على القيام بالشيء نفسه، إذ أجرى مجموعة من الباحثين من جامعة كاليفورنيا دراسة أفادت بأن الزر الذي استحدثه الموقع دفع 340 ألف منتخب إضافي إلى صناديق الاقتراع في انتخابات الكونغرس عام 2010.
كما أجرت شركة "فيسبوك" العديد من الدراسات والتجارب، التي أثبتت أن التحكم في نوعية الأخبار التي تظهر للمستخدم على صفحته الخاصة، يمكن أن يغير في اهتماماته وآرائه السياسية، وبالتالي يؤثر على رأيه في صندوق الاقتراع.